طفل صغير لم يتجاوز عمره 5 سنوات، لكنه
أثار قضية كبيرة شغلت الرأي العام
المصري، ومؤسسات الدولة المصرية، وحركت القضاء
والأزهر والكنيسة، بعد أن تغير اسمه وديانته في يوم وليلة إلى يوسف عبد الله محمد
بدلا من
شنودة فاروق فوزي.
كانت حياة
الطفل شنودة تسير بشكل
اعتيادي باعتباره طفلا لأبوين قبطيين إلى أن وشت إحدى قريبات الزوج بحقيقة الأمر
إلى السلطات حتى لا يحرمهم الطفل من إرثهم من الزوجة، وعجز الأبوان عن إثبات
البنوة وقررت إيداع الطفل البالغ من العمر خمس سنوات إحدى دور رعاية الأيتام
التابعة إلى وزارة التضامن.
ووفقا للقانون المصري، فإن فاقد
الأهلية يعد "مسلما بالفطرة"، وتختار هيئة الأحوال المدنية التابعة
لوزارة الداخلية بمصر للطفل اسما ثلاثيا وتنسبه إلى الدين الإسلامي. وعليه تم
تغيير اسم الطفل "شنودة" إلى "يوسف" بعد إيداعه في دار
الأيتام، وهو ما أثار حفيظة الأقباط في مصر.
وبناء على تحقيقات النيابة وضعت
السلطات المصرية يدها على الطفل بحكم قضائي صدر منذ عام، وأودعته إحدى دور الرعاية،
وذلك بعد عدم الاستدلال على أهله، وأصدرت شهادة ميلاد جديدة باسم رباعي جديد هو
يوسف، ودين جديد وهو الإسلام.
ومنذ ذلك الحين وقضية الطفل شنودة
أصبحت حديث الشارع المصري، وتصدرت وسائل التواصل الاجتماعي، وانقسم المتابعون بين
مؤيدين لإبقاء الطفل بين والديه بالتبني، وبين مؤيدين لإيداعه بدار أيتام وإعادة
الأمور إلى نصابها وفق القانون المصري.
اقرأ أيضا: الأزهر يدخل على أزمة الطفل "شنودة".. فتوى تخالف القانون المصري
أبوان غير شرعيين
وزعم الأبوان أنهما عثرا على رضيع في
حمامات إحدى الكنائس بالقاهرة عام 2018، وكان هناك شهود مسلمون وأقباط عند خروجهما
بالطفل الرضيع، منذ ذلك الحين قاما بتربية الطفل وحضانته؛ لأنهما حرما من الإنجاب.
ولكن بسبب خلافات على الميراث بين الأب
الافتراضي وابنة شقيقته، ولاعتقادها أن الطفل سيحجب الميراث عنهم، قامت بإبلاغ
الشرطة أن الطفل لم يعثر عليه داخل الكنيسة، إنما خارجها، ومن ثم فهو طفل مجهول
النسب.
في 19 آذار/ مارس، قضت محكمة
القضاء الإداري بعدم الاختصاص في نظر الدعوى القضائية المقامة من نجيب جبرائيل المحامي
وكيلا عن الأسرة المسيحية، للمطالبة بوقف قرار تغيير ديانة الطفل شنودة، وإعادته
إلى الأسرة باعتبارهم من قاموا بتربيته خلال السنوات الماضية.
فتوى تعيد رسم مسار القضية
وبعد أن وصلت القضية إلى طريق مسدود
بالنسبة للأبوين بالتبني، دخلت مشيخة "الأزهر" على خط أزمة الطفل
"شنودة"، بعد أن ورد سؤال إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى للاستفسار عن
ديانة الطفل الذي عثر عليه داخل إحدى الكنائس.
وقال المركز، الأربعاء، إن "هذه
المسألة ذهب فيها العلماء إلى آراء متعددة، والذي يميل إليه الأزهر من بين هذه
الآراء هو ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أن الطفل اللقيط إذا وجد في
كنيسة وكان الواجد غير مسلم فهو على دين من وجده".
وأضاف: "هذا ما نص عليه السادة
الحنفية في كتبهم: "وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة
كان ذميًّا"، وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة ".
وتأتي فتوى "الأزهر" مخالفة
للقانون المصري، الذي ينص على أن أي طفل مجهول النسب يتم نسبه إلى دين الدولة، وهو
الإسلام، وبالتالي يودع في دار للأيتام، ولا يحق للأسر غير المسلمة تبنيه.
محامي الأسرة يكشف الخطوة التالية
في تعليقه على فتوى الأزهر، قال محامي
الأسرة القبطية، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان المستشار نجيب جبرائيل،
إن: "فتوى الأزهر أعادت القضية إلى المربع صفر، وإنها تعد بمثابة بارقة أمل
للأسرة لاستعادة طفلها مجددا".
وأضاف في تصريحات
لـ"عربي21": "إن فتوى الأزهر الذي يمثل الوسطية انتصرت للأسرة، وهي
أفضل رد على أصحاب الرأي المتشدد دينيا وقانونيا من القضية، دون النظر إلى أي
اعتبارات إنسانية، ومراعاة ظروف ومشاعر الأسرة التي اعتادت العيش في أمن
وأمان".
وعن الخطوة التالية في القضية، أوضح
جبرائيل: "سوف نتوجه بالفتوى إلى وزارة التضامن والتأكيد على حق الأسرة في
استعادة طفلها من دار الأيتام خاصة أن الكنيسة حسمت مسألة وجود الطفل الرضيع داخل
الكنيسة وليس خارجها، وبالتالي لا وجه لاستمرار بقاء الطفل في دار الأيتام، ونأمل
في أن تسير الأمور بشكل طبيعي دون تعقيدات".
عزل الطفل عن أمه
من جهتها، أشادت عضو المكتب التنفيذي
للجبهة الوطنية لنساء مصر، إيفون مسعد، بفتوى مركز الأزهر العالمي للفتوى في قضية
الطفل شنودة، وقالت: "الفتوى مكملة للقضية وحتما سوف تساعد في دعم موقف
الأسرة، ولكنها ليست جديدة ومن المهم أن تأخذ الجهات القضائية والتنفيذية بما تم
تقييمه من حجج تؤكد أحقية الأسرة في استعادة طفلها".
وانتقدت في حديثها
لـ"عربي21" "تعنت الجهات المسؤولة مع الأم في حقها في رؤية الطفل،
ورغم مرور شهور على إيداعه إحدى دور الأيتام لم تسمح لها بزيارته والجلوس معه إلا
مرة واحدة فقط أقل من ساعة، ولم تستطع الانفراد به حيث تمت الزيارة وسط إجراءات
معقدة وغير مريحة".
بخصوص موقف الكنيسة من القضية، أكدت أن
"الكنيسة تقدمت بما يفيد أن الطفل عثر عليه بالفعل داخل الكنيسة وأصدرت
بيانا رسميا بهذا الشأن"، مشيرة إلى أن "فتوى الأزهر قد لا تغير من
الأمر شيئا، لذلك نناشد رئاسة الجمهورية بالتدخل، والأخذ برأي الأزهر، وإفادة
الكنيسة، لأن حرمان الأم من طفلها عمل غير إنساني، كما أن حرمان الطفل من أسرته
سوف يدمره نفسيا".