قالت مجلة "
إيكونوميست" إن الحرب لم تكن
تسير بشكل جيد، لأن "العدو" حقق تقدما على ثلاثة اتجاهات وفي أقل من عام؛ الأول، أن السكان متعبون ومعنوياتهم متدنية، وعندما أراد عبد الفتاح
السيسي إظهار القيادة،
انطلق موكبه في منطقة جرداء في
سيناء حتى وصل إلى نقطة تفتيش للجيش، حيث حاول الرئيس رفع الروح
المعنوية للجنود قائلا: "لا تعتقدوا أن هذه الأزمة ستبقى"، حيث تحدث إلى
مجموعة من المجندين الذين كانوا بزي مموه، مضيفا أنه "سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه
هذه الأزمة تاريخا".
ومع أن النغمة والأجواء كانت عسكرية إلا أن "العدو"،
لم يكن متمردين أو غزاة، بل كان الدولار ضد الجنيه
المصري الذي فقد في الفترة الماضية
نصف قيمته. ولم يكن السيسي يطلب من الجنود القتال بشجاعة في ساحة المعركة، بل كان
يدعوهم و 105 ملايين مصري إلى تحمل أزمة اقتصادية طاحنة. وتعلق المجلة: "كان مشهدا
غريبا يحكي الكثير عن حكمه الذي مر عليه عقد".
وتضيف أن زيارته في الأول من نيسان/ إبريل إلى سيناء الصحراء
الواسعة الجرداء ويعيش فيها أقل من 1% من سكان مصر، كانت بهذا المعنى إعلان انتصار.
فقد تعرض البدو، سكان المنطقة، للتهميش على مدى عقود وطردوا
من أراضيهم وحرموا من الوظائف الجيدة.
وقرر بعضهم حمل السلاح بعد سقوط الديكتاتور حسني مبارك عام
2011، وفي 2014 ارتبطوا مع الجهاديين التابعين لتنظيم الدولة، وبعد عام سيطروا وإن
لفترة قصيرة على بلدة الشيخ زويد على ساحل البحر. وتقول المجلة إن
الجيش كافح للسيطرة
على المنطقة وتبنى سياسة الأرض المحروقة التي زادت من تظلمات المواطنين، ودمرت هذه
السياسة في الفترة 2013- 2020 حوالي 12,000 بناية وجرفت 6,000 هكتار من الأراضي
الزراعية، وربما تم تشريد ربع سكان شمال سيناء البالغ عددهم 450,000 نسمة.
لكن نقطة التحول جاءت عندما قررت القبائل الدخول في المعركة،
فبعد سنوات من تعرضها للاختطاف والابتزاز والقتل فقد قرر أبناؤها التعاون مع الجيش، وتبدو
المنطقة اليوم هادئة، مع أن المتشددين أعلنوا مسؤوليتهم عن هجوم على نقطة تفتيش قرب
مدينة الإسماعيلية، وهو أول هجوم ينفذ غربي قناة السويس منذ 3 أعوام.
كانت هذه هي خلفية زيارة السيسي لسيناء حيث إنه أخبر الجنود بأن
الإرهاب انتهى معهم. وستكون احتفالات وربما أقيم متحف لتخليد ذكرى تضحيات الجيش.
وقالت المجلة إن السيسي مغرم باستعادة فترة الفوضى التي تبعت
الثورة لكي يبرر حكمه المستبد. لكن الكثير من رعاياه بدأوا بالحنق عليه بسبب تردي الاقتصاد،
فقد خفضت مصر قيمة العملة بنسبة 50% منذ آذار/ مارس 2022، وزاد البنك المركزي من سعر
الفائدة للضعفين وبنفس الفترة، بما في ذلك زيادة بنسبة 2% في 30 آذار/ مارس، ليصبح
سعر الفائدة 18.25%. ولا يزال المستثمرون حذرين، كما أنه انخفض سعر الجنيه في السوق السوداء
حيث يتم تبادله بنسبة 16% أقل من السعر الرسمي، وتظل أسعار الفائدة قليلة مقارنة مع
معدل التضخم الذي وصل إلى 32.7% في الشهر الماضي وزادت أسعار الطعام والشراب بنسبة
62.9% منذ بداية العام الحالي.
ونظرا لهذه المعدلات السلبية فلم يعد لدى المستثمرين شهية
للديون المصرية. وفي العرض الثالث للسندات الحكومية بشهر نيسان/ إبريل باعت فقط
1.1 مليون جنيه مصري في صكوك بمزاد علني، أي نسبة 0.04% من 3 مليارات سند معروضة.
وتوصلت مصر في كانون الأول/ ديسمبر إلى صفقة بـ 3 مليارات
دولار مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط على الحكومة تقليل دور الجيش في الاقتصاد،
فرجال الزي العسكري ينتجون الباستا والإسمنت والمسلسلات التلفزيونية. وبحسب يزيد صايغ،
الزميل بمركز كارنيغي الشرق الأوسط ببيروت، فإن الجيش أشرف على ربع النفقات العامة
على الإسكان والبنى التحتية. ولم تف مصر بوعودها، فجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهو
مؤسسة مملوكة من الجيش يعمل على بناء مصانع للأسمدة ومعدات الري ولقاحات البيطرة. وحصلت
شركة مرتبطة بالجيش قبل فترة على عقد لإعادة تحديث محور القاهرة.
وتحدثت الحكومة ولعدة سنوات عن خطط لبيع حصص من شركة صافي
لتعليب المياه والوطنية التي تدير محطات وقود، وقالت إنها حصلت على عروض، لكن الخطوة
هي أقل مما تبدو، فالزائر إلى القاهرة حديثا ربما لاحظ أسماء مثل "تشل آوت" التي
تبيع الطعام السريع والبقالة إلى جانب الوطنية وكلاهما تابعتان لجهاز مشروعات الخدمة
الوطنية.
وتعلق المجلة بأن الضباط المصريين والمراقبين الأجانب رأوا
أن حملة سيناء كشفت عن ضعف في داخل الجيش، فقد تم شحن موجات من المجندين غير المدربين
بشكل جيد إلى جبهات القتال وبدون معدات أساسية، وعاد مئات منهم بالأكفان. وبعد أكثر
من عقد تحت حكم السيسي فلا يزال الجيش يكافح لتأمين البلاد، في وقت يوسع فيه حملته للسيطرة
على الاقتصاد.