تتواصل التحركات الدولية والعربية في محاولة لاحتواء
الصراع المسلح المتصاعد في
السودان، في وقت أعلنت فيه الإدارة الأمريكية أنها تنسق مع كل من
الإمارات والسعودية في محاولة لإنهاء الاشتباكات، ما يطرح سؤالا حول غياب الاهتمام بدور مصر في هذه الحرب.
تراجع النفوذ المصري مقابل لاعبين آخرينمنذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير عام 2019، سارعت الرياض وأبو ظبي إلى زيادة نفوذهما في السودان. ودخل البلدان للساحة السودانية من بوابة الاقتصاد، خصوصا أن السودان تعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، زادت حدتها مع تولي العسكريين الجدد مقاليد الحكم في البلاد. وقدمت السعودية والإمارات حزمة مشتركة من المساعدات بلغت قيمتها ثلاثة مليارات دولار، في خطوة مثلت طوق نجاة للقادة للحكم العسكري.
وبحسب مراقبين إقليميين ودوليين، فإن السعودية تفضل رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان في الصراع القائم بينه وبين رئيس قوات الدعم السريع "حميدتي"، بينما تدعم الإمارات الأخير.
وعلى الرغم من أن تغطية
الإعلام المصري تشير إلى أن القاهرة تدعم الجيش السوداني بقيادة البرهان، إلا أن تأثيرها في الأزمة الأخيرة يبدو غائبا، ما يؤشر لتراجع نفوذها مقابل تقدم النفوذ السعودي والإماراتي. ويبدو هذا التراجع واضحا، بحسب مراقبين، من تركيز التنسيق الأمريكي مع الرياض وأبو ظبي في مساعي حل الأزمة، بينما غاب هذا التنسيق مع القاهرة.
وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنه أجرى اتصالات رسمية مع نظيريه السعودي والإماراتي للتباحث حول التصعيد في السودان، مضيفا أن بلاده والإمارات والسعودية اتفقت على أن الأطراف السودانية يجب أن تنهي الأعمال العدائية على الفور دون أي شروط مسبقة.
أداء مصري رسمي هزيل؟
على الرغم من الدور التاريخي الذي لعبته مصر في القارة الأفريقية والسودان، إلا أن التعامل المصري الرسمي مع الحرب السودانية بدا هزيلا حسب معارضين مراقبين. وتصاعدت الانتقادات للأداء السياسي المصري خصوصا مع احتجاز قوات الدعم السريع
جنودا مصريين كانوا في مهمة عسكرية منذ سنتين في مطار مروي السوداني، حيث نشرت القوات صورا لاعتقال هؤلاء الجنود.
وبينما تشهد السودان الدولة ذات الحدود الأطول مع مصر حربا ضارية في العاصمة وعدد من المدن، كان رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي يترأس اجتماعا رسميا لتفقد المشاريع التي تنفذها الحكومة، وهو ما سبب انتقادات لانشغال السياسة المصرية بقضايا محلية في ظل حرب تجري على حدودها وقد تهدد أمنها القومي.
كما انتقد المجلس الثوري المصري أداء السيسي وقارنه بالرئيس محمد مرسي الذي تعامل بسرعة في قضايا مست مواطنين مصريين في الخارج.
لماذا تواصلت واشنطن مع أبو ظبي والرياض ؟
مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياساتي، محمد صالح قال، إن ذهاب الولايات المتحدة والخارجية الأمريكية لمخاطبة السعودية والإمارات دون مصر، يعني بالضرورة مخاطبة قائد الدعم السريع الفريق حميدتي، ذلك أن الأخير يملك علاقات وطيدة مع هاتين الدولتين، وعمل لفترة طويلة لصالح عملية عاصفة الحزم في اليمن التي تقودها السعودية، وظل يتلقى مساعدات من قبلهم وتصفه بعض الأوساط السودانية أيضا بأن لديه تحالفا قويا مع الإمارات.
وأضاف صالح في حديث لـ"عربي21" أن حميدتي ظل هو وشقيقه الذي يعتبر نائبه يترددان على الإمارات كل فترة، والعلاقة القوية التي تربط السعودية والإمارات بالجنرال حميدتي هي سبب مخاطبة الخارجية الأمريكية لهؤلاء، ولما تعرف من إمكانية تأثيرهم عليه.
لماذا استبعدت مصر من الوساطة؟
أما استبعاد مصر، فيعتقد صالح أن
مصر التي يحكمها الجيش، ستقف بالضرورة إلى جانب الجيش السوداني في موقف تقليدي، وهي لديها علاقات قوية مع الجيش السوداني الذي يسيطر بشكل كبير على الإدارة السياسية في السودان.
وأضاف: "الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتبر مصر وسيطا محايدا في الأزمة، ولذلك لم تخاطبها للتوسط بين طرفي النزاع".
في المقابل أكد عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية، أن "مصر لم تطرح نفسها كوسيط في الأزمة السياسية السودانية خلال الفترة الماضية، بل كانت تفضل دائما أن تجعل المكونات السياسية والأهلية السودانية تتوصل إلى الحلول باختيارها".
وأوضح ميرغني خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "موقف مصر ربما ينبع من حساسية الدور المصري لدى السودانيين، وسرعة قابلية إساءة تفسيره على أنه إملاءات وتدخل في الشأن السوداني".
وأضاف: "كل هذه الأسباب تفسر لنا لماذا لم تطلب الولايات المتحدة
وساطة مصرية، ولذلك أيضا اتجهت إلى الدول التي ظلت تلعب دورا بارزا في الوساطة بين الأطراف السودانية –السعودية والإمارات-، وهي جزء من الرباعية الدولية التي تضم أيضا أمريكا وبريطانيا".
هل يقبل الطرفان الوساطة؟
وشدد الميرغني على أن السعودية والإمارات لديهما أيضا علاقات - وإن كانت فاترة - مع قادة في الجيش السوداني، ولذلك فلربما تستطيعان التوسط.
ومن حيث قبول الوساطة، قال إن الجيش يرفض الآن أي وساطة، لأنه يرى أنه يتعامل مع حركة متمردة كانت جزءا من القوات المسلحة، ولا أتوقع أن يصغي الجيش إلى أي مبادرة قبل حسم المعركة.
"عضوان باللجنة الرباعية"
المحلل السياسي أمية يوسف أبو فداية، قال إن السعودية والإمارات عضوان في
اللجنة الرباعية مع أمريكا وبريطانيا بشأن السودان، وإقحام هاتين الدولتين الخليجيتين في هذه اللجنة لأنهما تملكان المال وتستطيعان تقديم الدعم، في حين لا تستطيع مصر تقديم الدعم المادي حال حصول استقرار في السودان.
فضلا عن ذلك، يرى المحلل السياسي أن الولايات المتحدة لا تعتقد أنها بحاجة إلى مصر في ما يتعلق بالجانب السياسي، فهي أقدر على التأثير ولذلك استبعدت مصر.
ولفت ألو فداية وهو مدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، إلى أن قوات الدعم السريع لديها قناعة بأن مصر تدعم الجيش ولا تستطيع أن تكون وسيطا نزيها.
إلى جانب ذلك، قال أبو فداية، إن واشنطن تحاول تقليل النفوذ المصري في المنطقة ككل، عبر إدخال دول أخرى تستطيع أن تدفع المال دون أن يكون لها طموح سياسي.