ما زال التطبيع السعودي الإسرائيلي يشغل أوساط دولة
الاحتلال، لاسيما ما أورده بنيامين
نتنياهو رئيس حكومتها، في خطابه أمام الأمم المتحدة، حين أفرد لهذا الموضوع حيزاً لافتاً، رغم مطالب المملكة المتعلقة بالأسلحة النووية للأغراض السلمية، وأن ذلك سيؤدي لسباق التسلح في الشرق الأوسط، وفقاً لمعارضي هذا الاتفاق المزمع، مع العلم أنه في عام 2012، وقف نتنياهو فوق مسرح الأمم المتحدة، ورسم خطاً مفاده أن دولة الاحتلال غير مستعدة لإيران أن تعبره في طريقها للقنبلة الذرية.
أفيغدور
ليبرمان، رئيس حزب "يسرائيل بيتنا"، قال إنه "عقب عثور مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران على يورانيوم مخصب لمستوى 84%، أي 6% فقط من المستوى اللازم لتطوير سلاح نووي، فإن الخلاصة واضحة، وتعني فشل نتنياهو، فضلا عن إعلان إيران في إطار إحياء ذكرى حربها مع العراق، قدمت الطائرة دون طيار ذات المدى الأكبر في العالم، يصل مداها ألفي كم، وتطير 24 ساعة متواصلة، ويمكنها حمل 300 كغم، بجانب الصواريخ الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت".
وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21"، أنه "أمام هذه الحقائق، يظهر العرض الذي قدمه نتنياهو فوق مسرح الأمم المتحدة، وتحدث بالكثير من الشفقة عن التطبيع مع
السعودية، دون تجاهل حقيقة أننا متفقون على أن إقامة العلاقات معها أمر مهم للغاية، وله مزايا عديدة، لكن نتنياهو هو نتنياهو، "نسي" أن يذكر ثمن هذه الخطوة، ومع احترامي للتطبيع مع السعودية، وفوائده، فهل يستحق الثمن الذي ندفعه مقابل ذلك، بعد تسريب تقارير مفادها أن إسرائيل، كجزء من الاتفاق مع المملكة، ستعطي موافقتها على تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ما يعني موافقتها على خطتها للحصول على أسلحة نووية".
وأكد أنه "من الواضح أن السعودية، صاحبة أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، لا تحتاج لأسلحة نووية للأغراض السلمية، وكذلك لا تحتاج لطاقة نووية لبناء محطة لتوليد الكهرباء، ما يستدعي طرح السؤال: لماذا يريد السعوديون موافقة إسرائيل على برنامجهم النووي لهذا الحدّ، رغم علمهم ما فعلناه في حالة العراق وسوريا، اللتين حاولتا حيازة السلاح النووي، وبالتالي فإن موافقة إسرائيل على البرنامج السعودي للحصول على الأسلحة النووية سيكون له عواقب عالمية وإقليمية بعيدة المدى".
وأوضح أنه "فيما زعم نتنياهو أن الاتفاق مع السعودية سيؤدي بالفعل لشرق أوسط جديد، لكن الحقيقة أنه سيكون شرق أوسط يدخل سباق تسلح نووي مجنون، وغير منضبط، وفي هذه الحالة، سيكون صعبا جدًا على إسرائيل شرح سبب موافقتها للسعوديين على التطوير النووي، وهي في الوقت ذاته لا ترغب بمدّ يدها لمصر التي وقعت معها اتفاق سلام لعقود من الزمن، مع العلم أن حيازة السعودية سيعني دخول مصر وتركيا، وبعدهما كل دول الخليج والجزائر والمغرب، في نفس سباق التسلح، أي أننا سنحصل على شرق أوسط نووي".
وحذر من أن "كل المشاهد التي شاهدناها في أفلام هوليوود لن تقارن بالواقع الذي سينشأ هنا في منطقتنا، ويستحيل أن نعرف في أي أيدي سينتهي هذا السلاح النووي أو ذاك في نهاية المطاف، حتى لو كان تكتيكياً، سلاحا نوويا أو قنبلة "قذرة"، مثل هذا الواقع سيتطلب من دولة الاحتلال الاستعداد بشكل مختلف تماما، وبتكلفة تصل عشرات، إن لم يكن مئات مليارات الشواكل، مبالغ ضخمة لا وجود لها في الخزينة العامة، وإذا أردنا الحصول عليها، فسيتعين إجراء تخفيضات كبيرة في القضايا الأكثر أهمية، كالتعليم والرعاية الاجتماعية والصحة، وغيرها من المجالات".
من جهة أخرى، وفيما يواجه مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي تقدما وتعثّرا، فإن نتنياهو يبدي اهتمامًا أكثر بمصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن تقاربه معه قد يقدم لدولة الاحتلال الخيار الأسوأ من ذلك كله، وهو أن يؤدي لامتلاك السعودية سلاحاً نوويًا، وبالتالي فقدان السيطرة على الشرق الأوسط، ما يجعله مستعدا لبيع أمن الدولة مقابل إرثه الشخصي، كما يقول خصومه.
بن كاسبيت، الكاتب السياسي بموقع "
واللا"، ذكر أن "نتنياهو يتحدث عن التطبيع مع السعودية بعيون برّاقة، لأنه بالنسبة له فهو أهم من السلام مع مصر، ومن وعد بلفور، ومن إعلان إقامة دولة الاحتلال ذاتها، ويبدو أنه على استعداد لغض الطرف عن اتفاق سيئ بالموافقة على نقل التكنولوجيا النووية للسعودية، مقابل التقاط صورة مع ابن سلمان، فإذا كان هذا صحيحًا، فإننا أمام أمر أكثر تعقيداً، لأن السعوديين يرفعون باستمرار شروطهم للتطبيع مع إسرائيل، لكن المشكلة الأكثر إشكالية هي رغبتهم في الحصول على الطاقة النووية".
وأضاف في مقال
ترجمته "عربي21": "ما يقلق الإسرائيليين أن السعوديين يريدون الحصول على ما تملكه إيران، وليسوا مستعدين لشراء اليورانيوم المخصب للطاقة النووية المدنية، بل يريدون التخصيب بأراضيهم، ما سيجعل السعودية في حالة عتبة نووية، وسيخلق وضعا يتخلص فيه الشرق الأوسط بأكمله من فرامله، ويسارع للطاقة النووية، لكن ذلك لا يهم نتنياهو، رغم أن قادة الجيش والموساد والاستخبارات المختلفة يعبرون عن دعمهم لمسار التطبيع الإسرائيلي السعودي، ولكن دون تكلفة تخصيب اليورانيوم على التراب السعودي".
يدفع هذا التخوف الإسرائيلي لطرح تساؤل عن مدى مشاركة المسؤولين الأمنيين المعنيين في التفاوض مع السعودية، ومدى معرفتهم للتفاصيل الصغيرة والكبيرة في الاتفاق المعني، لأنه ليس واضحا ما إذا كان مكتب رئيس الوزراء والمكاتب الأخرى ذات الصلة قامت بعمل شامل يدرس جميع عواقب هذه الخطوة على الدولة والمنطقة بأكملها، ما دفع بعض خصومه للطلب من مراقب الدولة فحص عملية صنع القرار نفسها، والتأكد من الحفاظ على المصلحة الأمنية للدولة، لأن الاستنتاج الرئيسي هو الموافقة على التطبيع مع السعودية، ولكن ليس على حساب حصولها على أسلحة نووية، لأن سباق التسلح النووي في منطقتنا سيعرض الاحتلال للخطر.