لا تزال آلة القتل والخراب الإسرائيلية تفتك بأهالي قطاع
غزة منذ 3 أسابيع أمام صمت غربي مطبق، لا يكسره سوى أصوات القادة الأوروبيين بجانب الولايات المتحدة وهم يؤكدون على دعمهم الكامل لـ"إسرائيل"، في صورة أعادت لأذهان البعض تاريخ
الحروب الصليبية في وقت يتوعد فيه الاحتلال بتحقيق نبوءات دينية وقيام "إسرائيل الكبرى".
ولا يكتفي الغرب في دعم
الاحتلال الإسرائيلي بالتصريحات التي تدين
الفلسطينيين وتتجاهل سيل الدماء المتواصل في غزة فحسب، بل يحشد قواته وآلياته العسكرية في المنطقة، باعثا رسالة تفيد بوقوفه بجانب دولة الاحتلال إلى أبعد مدى.
وفي وقت تدفق فيه قادة الدول الأوروبية إلى الاحتلال تباعا للتأكيد على دعمهم لـ"إسرائيل" في عدوانها ضد الفلسطينيين في غزة، دأبت الولايات المتحدة منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، على تعزيز وجودها العسكري شرق المتوسط لردع أي جهة تفكر في الدخول على خط المواجهة لإسناد المقاومة الفلسطينية.
وأرسلت واشنطن عقب هجوم المقاومة مباشرة، حاملة الطائرات المتطورة "يو إس إس جيرالد آر فورد"، وصواريخ كروز، وأربع مدمرات صواريخ فضلا عن إرسال مقاتلات جوية، قبل أن يعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن توجه مجموعة ثانية من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط "لردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل"، بحسب تعبيره.
وأوعزت الإدارة الأمريكية بتوجيه مجموعة من كبار ضباطها المتمرسين في حرب المدن إلى دولة الاحتلال لمساعدة القيادات العسكرية في وضع خطط الاجتياح وتقديم المشورة، من بينهم نائب قائد المارينز الجنرال جميس غلين، الذي نشط سابقا في الحرب ضد تنظيم داعش في العراق، بحسب مصادر عبرية.
"حرب صهيو-صليبية"
وفي السياق، قال الكاتب السعودي الدكتور مشاري النعيم، إنه "كما استدعى الصليبيون جيوشهم لغزو فلسطين والمنطقة العربية في القرون الوسطى فها هم يتكالبون علينا ويستدعون جيوشهم لخوض حرب صهيو-صليبية"، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل على غزة في ظل الدعم الغربي الكامل للاحتلال.
وأضاف النعيم في مقال نشر في صحيفة "الرياض" المحلية، أن "العقل الغربي، عقل عنصري يؤمن بالتفوق للغرب فقط، كما أنه عقل غير أخلاقي، وإن تظاهر بالأخلاق والمبادئ، ولديه استعداد لإبادة الآخر بدم بارد".
وأشار إلى أن ما يجري في غزة "حرب دينية تقف وراءها مصالح اقتصادية ورغبة تاريخية في اجتثاث الإسلام مهما أنكر الغرب ذلك"، مشددا على أن "هذه الحرب الصهيو-صليبية مستمرة حتى لو انتهت الحرب الحالية".
"بين الصليب والهلال"
يأتي حديث النعيم متزامنا مع تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في هذا الصدد، غير مرة منذ بدء الاحتلال عدوانه الوحشي على قطاع غزة، الذي أسفر عن ارتقاء أكثر من 8 آلاف شهيد جلهم من الأطفال والنساء.
وتوجه أردوغان، السبت، خلال مظاهرة مليونية نصرة لفلسطين، إلى الدول الغربية، قائلا: "هل تريدون حرب هلال وصليب مجددا؟ إن كنتم تسعون لذلك فاعلموا أن هذه الأمة لم تمت".
وسبق أن حذر الرئيس التركي من تحويل "الحرب على قطاع غزة إلى قضية بين الصليب والهلال وإلا فإنها ستنتهي بشكل سيئ"، مشددا على أن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس"، بحسب تعبيره.
وقال الباحث في العلاقات الدولية، مهند أوغلو، إن حديث أردوغان عن حرب صليبية جديدة يدور رحاها في الشرق الأوسط مجددا، يعود إلى سببين اثنين، أولهما الدعم الغربي المطلق للاحتلال الذي لا يضع أي خطوط حمر في وجه آلة القتل الإسرائيلية.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن السبب الثاني يعود لإيمان أردوغان بأن حركة حماس ليست إرهابية بل مدافعة عن شعبها وحقها في الوجود على أرضها، لا سيما لما تتمتع به هذه الأرض من قدسية كونها أولى القبلتين ومسرى النبي الكريم محمد.
ونوه الباحث التركي إلى أن الغرب يتكاتف على دعم الاحتلال لأنه يرى في غزة عوامل أساسية تحافظ على فكرة المقاومة والدفاع عن الأرض والمسجد الأقصى، وهو أمر غير مقبول البتة، بحسب تعبيره.
"نبوءة أشعياء"
لكن أوغلو رأى أن ربط العدوان على قطاع غزة بفكرة الحروب الصليبية لا يعكس حقيقة ما يجري على وجه الدقة، موضحا أنه لعقود طويلة والغرب لا يتعامل في سياساته الخارجية سوى انطلاقا من دوافع اقتصادية وسياسية بحتة، خلافا لكثير من القيادات في دولة الاحتلال التي تدلي بتصريحات دينية وترى في صراعها على تلك الأرض المقدسة روابط تاريخية ودينية.
وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو توعد في خطاب أمام الكنيست الإسرائيلي بإحراز نصر ساحق في حربه على غزة، مستحضرا خلال حديثه "نبوءة أشعياء" حيث أكد عمله على تحقيقها.
وتشير النبوءة التي تحدث عنها رئيس الحكومة اليمينية المتطرفة إلى دمار العراق ودمشق واليمن ومصر وقيام ما يدعى بـ "إسرائيل الكبرى" بين النهرين النيل والفرات.
ووصف نتنياهو الفلسطينيين بأنهم "أبناء الظلام"، وقال إنه "لا بد للنور أن يتغلب على الظلام"، مضيفا خلال حديثه أمام الإسرائيليين: "سنحقق نبوءة أشعياء لن تكون هناك سرقة عند حدودكم، وستكون أبوابكم مجدا، معا سنقاتل وسننتصر معا".
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يواصل الاحتلال عدوانه على غزة في محاولة لإبادة أشكال الحياة كافة في القطاع، وتهجير سكانه قسريا، عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية وقوافل النازحين ومزودي الخدمات الطبية.
وأسفر القصف الإسرائيلي العنيف، عن ارتقاء أكثر من 8 آلاف شهيد نصفهم من الأطفال، وإصابة نحو 20 ألفا آخرين بجروح مختلفة، إضافة إلى 1650 مفقودا لا يزال معظمهم تحت الأنقاض، وفق أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة.