نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" مقالا للصحفية ميغان ستاك، قالت فيه إنها في أول زيارة لها للضفة الغربية منذ عشرين عاما حيث كانت تعمل مراسلة تفاجأت بمدى تقلص الآفاق أمام
الفلسطينيين، وأنها بعد أن كانت تعتقد أن محصلة الأحداث في الضفة الغربية كانت ستؤدي إلى القبول بـ"دولة واحدة" تضم الشعبين بشكل من الأشكال حيث كانت لا تعتقد أن المجتمع الدولي بالرغم من عجزه لن يسمح لوضع الفلسطينيين بأن يتدهور وأن يُهجروا أو يقتلوا بأعداد كبيرة، فإن ما يحصل في الضفة الغربية من طرد للفلسطينيين من قراهم على يد المستوطنين ومن قتل لهم في
غزة يجعلها تفقد هذا الأمل.
وتقول إنها ذهبت لتزور خربة زنوتا التي تم طرد سكانها الفلسطينيين بعد أن هددهم المستوطنون من المستوطنات المجاورة بدعم من الجيش بالقتل، فاضطر سكانها للهروب منها.
بعد عدة أسابيع من تدميرها ذهبت الصحفية مع الرجال الذين تركوا وراءهم عائلاتهم وأغنامهم، وتسلقوا التل لرؤية ما تبقى من قريتهم. فوجدوا مشهدا من الحطام: نوافذ العيادة المؤقتة تحطمت، وأثاث المنازل محطم وقد احترقت أجزاء من المدرسة وتحولت إلى رماد.
وقالت إن أحد المسؤولين في "الإدارة المدنية الإسرائيلية" كان ينتظرهم على قمة التل. فتساءل رئيس مجلس القرية فايز التل: "كيف عرف أننا قادمون؟". التل يتحدث العبرية ودرس التمريض في جامعة الخليل وكان يعالج المرضى في عيادة القرية قبل أن يبدأ المستوطنون بالغزو.
وقالت إن المسؤول الإسرائيلي قال له: "إذا كنت تصر على العودة إلى المنزل يمكنك ذلك لكن بحالته الحالية. وأوضح أن مسيرات الجيش صورت كل التفاصيل. إذا قام السكان بتغيير موضع حجر أو وضعوا قماشا فوق منزل غير مسقوف، فسيتم اعتباره بناء غير قانوني، وقد تكون هناك مشكلة". هددهم بذلك ثم انطلق بسيارته.
وتذكر الصحفية أن مشاهد مماثلة تتكرر في جميع أنحاء الضفة الغربية هذه الأيام، حيث يقوم المستوطنون الإسرائيليون، بدعم من الجنود وفي بعض الأحيان بمعاونتهم، بإجبار العرب على الخروج من القرى والأراضي الزراعية والمراعي. ويقول مراقبو حقوق الإنسان إنهم يوثقون حملة منسقة على ما يبدو لإخضاع مساحات شاسعة من الأراضي لسيطرة المستوطنات اليهودية.
تحرك التل والرجال الآخرون وتحدثوا حول وضعهم الصعب. ولخص فؤاد العمور، الذي يشرف على مجلس مكون من 24 قرية في تلال جنوبي الخليل، بما في ذلك هذه القرية، الأمر بقوله: "من السهل المغادرة. لكن ليس من السهل العودة".
وسرعان ما حضر ثلاثة مستوطنين في سيارة قديمة ونزل أحدهم على الأقل وكان يحمل مسدسا وبدأوا بالتحقيق مع فايز التل، أنت لا تسكن هنا فماذا تفعل هنا؟ وعندما أجابهم قائلا: "هذه أرضنا" ، ردوا عليه قائلين هذه أرض يهودية منذ 3000 سنة.
وقالت إنه بينما يحمل المستوطنون السلاح فإن الفلسطينيين ممنوعون من حمله وبينما يخضع المستوطنون للقوانين المدنية فإن الفلسطينيين يخضعون للقوانين العسكرية، ما يعني أنه يمكن سجنهم إلى أجل غير مسمى دون محاكمة. كما أنها أشارت إلى توزيع وزير الأمن بين غفير المزيد من الأسلحة على المستوطنين.
وقالت الصحفية إنها عندما حاولت توجيه أسئلة للمستوطنين فإنهم رفضوا الرد. وقبل مغادرتهم هددوا فايز التل قائلين: "نحن عائدين لإقامة حفلة هنا".
بعد ذلك، جاءت طائرة مسيرة، بصوتها المزعج، وطارت على ارتفاع منخفض فوق رؤوس القرويين. وأوضح الرجال أن المستوطنين يستخدمون المسيرات لمراقبتهم ومضايقتهم. وأضافوا أن أصوات الطنين تخيف الأغنام، وتتسبب في إجهاض النعاج.
وقال رائد البطاط، أحد سكان القرية، عن
المستوطنين الإسرائيليين: "نحن لسنا قلقين بشأن الطريقة التي يتحدثون بها وما يقولونه. نحن قلقون بشأن ما يفعلونه".
وقال البطاط إن والده البالغ من العمر 72 عاما وافق على الفرار بعد أن حطم المستوطنون ألواحه الشمسية، وكسروا براميل المياه، وجاءوا في منتصف الليل لرشقه بالحجارة عبر النوافذ.
وقالت الصحفية إن المفاوضات توقفت منذ عام 2014، وأصبح الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية الآن قديما جدا لدرجة أنه أشبه بالضم. ويسوق المسؤولون الإسرائيليون حججا واهية مفادها أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية قانونية. وهي ليست كذلك. ومع ذلك، تستمر المستوطنات في النمو، وتتغذى على الاعتقاد بأن الضفة الغربية هي الموطن الذي وهبه الله لليهود. ويستمر دفع الفلسطينيين إلى مساحات أصغر. وتشير إلى أنه في كتاب كتبته قبل أكثر من عقد من الزمان، ذكرت - كما فعل كثيرون آخرون - أنه، حتى في ذلك الوقت، لم يكن هناك ما يكفي من الأراضي المتجاورة لإقامة دولة.
وتقول إنه مع ذلك، فقد بقيت الضفة الغربية طوال هذه السنوات في ذاكرتي باعتبارها امتدادا فلسطينيا في الأساس، متقطعا ومليئا بالمستوطنات. ولكن لم يعد الأمر كذلك فأثناء زيارتها في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، شعرت وكأنها تدخل مستوطنة واسعة تنتشر فيها المجتمعات العربية ومخيمات اللاجئين، ما أدى إلى تقليص بقايا مكان سابق.
وتقول الصحفية إن ديانا بوتو، المحامية والمستشارة السابقة لمفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية والتي نشأت في كندا وسط قصص عن تدمير قرية عائلتها بالقرب من الناصرة عام 1948، قالت لها إنها نادمة على دورها في المفاوضات. فهي لم تعد تعتقد أن إسرائيل كانت تتفاوض بحسن نية، وتعتبر المحادثات بمثابة عملية مسرحية إلى حد كبير أبقت الجميع مشغولين بينما خسر الفلسطينيون أرضهم حرفيا.
وقالت بوتو: "لقد أعطى هذا الانطباع الخاطئ بأن هناك حركة تحدث، وكان بمثابة إلهاء كبير. كانت العبارة الدبلوماسية الشائعة هي: لا بأس، سوف يتم المضي في المفاوضات. لقد تم بناء المزيد من المستوطنات، ولكن لا بأس، لأنهم سوف يذهبون مع المفاوضات".
وحتى المراقبون الأمريكيون المتعاطفون مع الفلسطينيين يميلون إلى وصف القمع الحالي بأنه واقع لا يمكن تغييره. ولكن هذا أيضا غير دقيق، فمن الواضح أن الأمور أصبحت أسوأ.
بموجب اتفاقيات أوسلو، التي كانت الأقرب إلى صنع السلام هنا، كان من المقرر أن تنتقل أكبر قطعة من الأراضي في الضفة الغربية، والمعروفة باسم المنطقة (ج)، تدريجيا إلى الولاية الفلسطينية، وإن كان ذلك مع وجود مجال للتفاوض على تبادل الأراضي.
لكن هذا المنطق انقلب رأسا على عقب تماما منذ ذلك الحين. ويسعى المستوطنون الإسرائيليون، علنا إلى تقليص الوجود العربي في نفس الأرض التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها المادة الخام للدولة الفلسطينية المستقبلية. ويأتي التهجير القسري لخربة زنوتا ضمن تلك الحركة، التي يعرفها بعض المستوطنين المتشددين باسم "معركة المنطقة ج".
وقالت إن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم قوانين مختلفة لمصادرة الأراضي الفلسطينية تتراوح بين إعلان الأراضي مناطق عسكرية مغلقة إلى حرمان الفلسطينيين من البناء حيث لم تتم الموافقة سوى على 1%. كما أنه يتم التضييق على الفلسطينيين في استخدام الماء ويمنعون من حفر الآبار.
وأشارت إلى أن وزير المالية "الإسرائيلي" وأحد مؤسسي منظمة ريغافيم، بتسلئيل سموتريش أعرب عن أسفه لأن مؤسسي إسرائيل لم "ينهوا مهمة" إخراج العرب من إسرائيل، وقال في آذار/ مارس إنه "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني".
وقالت إن منظمة "ريغافيم" تعمل بنشاط أمام المحاكم لإغلاق ما تصفه المجموعة بأنه وباء البناء الفلسطيني غير القانوني في المنطقة "ج". وفي إحدى حملاتها، ركزت ريغافيم على مدرسة ابتدائية تم بناؤها في قرية جبة الديب الفقيرة بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وتقدمت المنظمة بالتماس إلى المحكمة من أجل الهدم، بحجة أن المبنى غير آمن. وفي أيار/ مايو، وصل الجيش الإسرائيلي قبل الفجر ودمر المدرسة.
وكانت هذه، في الواقع، المدرسة الثانية التي خسرتها القرية أمام الجرافات الإسرائيلية - في عام 2017، هدمت "إسرائيل" مدرسة سابقة وصادرت نظام الطاقة الشمسية الذي تم تركيبه بتمويل من الحكومة الهولندية.
وعندما احتج الهولنديون، أعادت إسرائيل الألواح الشمسية. وتعاني القرية من عدم وجود كهرباء دون الألواح الشمسية كما أنهم يعانون في الوصول إلى الماء. ولعدم وجود فرص عمل يعمل بعض سكان القرية في المستوطنات الذين يعلمون أنها في المحصلة أدوات لطردهم.
ولا تتمتع جبة الديب بالكهرباء بدون الألواح الشمسية، وتكافح من أجل الحفاظ على إمكانية الوصول إلى المياه، التي فقدها القرويون لبعض الوقت مع توسع المستوطنة المجاورة. وقالوا إنه عندما استثمرت القرية في شاحنة صغيرة وحفار، صادر الجنود الإسرائيليون المعدات. ومع قلة فرص العمل، حصل بعض القرويين على المال من خلال العمل في وظائف البناء في المستوطنة المجاورة - حتى لو كانوا يشعرون أنهم يبنون أداة طردهم بأنفسهم.
وقالت فادية الوحش، وهي أم لستة أطفال ورئيسة مجلس المرأة في القرية: “أنت تحتقرين نفسك لفعلك ذلك”.. "ولكن لا توجد بدائل".
ومنذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإنه لم يعد يُسمح لسكان القرية بالعمل في المستوطنة. وأضافوا أن تهديدات المستوطنين تزايدت. وأضافوا أن الكلاب الضالة التي تم إطلاقها في القرية قتلت معظم الدجاج، ورحل الخباز إلى بيت لحم بعد تعرضه للضرب.
وقالت لي فادية: “إنهم يرهبوننا ليلا، ويرسلون رسائل كي نغادر القرية. نحن ننام بملابسنا. نحن مرعوبون باستمرار".
ووصف جوش هاستن، المتحدث باسم المستوطنات المحيطة، رواية القرويين بأنها "من الصعب تصديقها". ورغم أنه لم ينكر صراحة تعرض القرويين للتهديد والمضايقة، إلا أنه قال إن عنف المستوطنين المتطرفين مبالغ فيه إلى حد كبير.
وقال هاستن: "هناك أكثر من 500 ألف إسرائيلي مسالمين وملتزمين بالقانون يعيشون في يهودا والسامرة. نحن نعارض العنف، لكنه ضئيل بالمقارنة مع التغطية التي يحصل عليها، وفي نطاقه مقارنة بالهجمات القاتلة التي ينفذها العرب ضد اليهود في مناطقنا".
لكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن المشاهد في الضفة الغربية ترقى إلى ما تسميه السياسية الفلسطينية القديمة، حنان عشراوي، "عمليات ضم على المنشطات".
وقالت إن الدكتورة عشراوي أخبرتها عن الإحباط الذي أصابها عندما سمعت السياسيين الأمريكيين يتحدثون في الأسابيع الأخيرة عن الدولة الفلسطينية وقالت: "على مدى سنوات، رأوا إسرائيل تبني المستوطنات، وتسرق الأراضي، وتطرد الفلسطينيين. هل استيقظ بايدن فجأة؟". وأضافت: "الآن يمكنه التحدث عن حل الدولتين.. صباح الخير. لقد فات الأوان".