نشرت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية تقريرا قالت فيه؛ إنه مع استمرار
الحوثيين اليمنيين في مضايقة السفن التجارية الدولية التي تعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أبلغ مزود إنترنت في هونج كونج عن تلف الكابلات البحرية في هذه المنطقة يوم الاثنين 4 آذار/مارس. وفي كانون الأول/ ديسمبر، نشرت قناة تيليغرام مرتبطة بالحوثيين هذه الرسالة، على شكل تحذير: "يوجد خرائط للكابلات الدولية التي تربط جميع مناطق العالم عن طريق البحر. ويبدو أن اليمن في موقع استراتيجي؛ لأن خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها - وليس فقط الدول - تمر بالقرب منها".
ووفق الصحيفة؛ ففي بداية شهر شباط/ فبراير الماضي، أعرب العديد من شركات الاتصالات اليمنية عن قلقها من خطر تخريب الكابلات البحرية في البحر الأحمر، التي تمثل 17 بالمئة من حركة الإنترنت العالمية. كما قال وزير الإعلام في الحكومة اليمنية الشرعية لصحيفة الغارديان؛ إن الحوثيين يشكلون تهديدا خطيرا لـ "واحدة من أهم البنى التحتية الرقمية في العالم".
حوالي مائة حادثة في السنة
ونقلت الصحيفة عن شركة الاتصالات "إتش جي سي جلوبال كومينيكيشن"، أنه تم "قطع" أربعة كابلات، مما أدى إلى تغيير "25% من حركة المرور على الإنترنت"، والطرق المتضررة هي خطوط "سيكوم" التي تربط المملكة المتحدة بجنوب أفريقيا، وخطوط "تي إن جي" من بومباي إلى مرسيليا، وخطوط "إيه إيه إي 1" من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، وخطوط "إي آي جي" من المملكة المتحدة المتحدة مع الهند.
وفي المجمل، يمر 15 كابلا بحريّا عبر البحر الأحمر، من بين حوالي 450 كابلا تعبر بحار العالم، ولم يكن لهذا الحادث آثار كبيرة على حركة الإنترنت العالمية؛ حيث قالت شركة "إتش جي سي": "لقد نجحنا في تصميم خطة لإعادة توجيه حركة المرور المتأثرة".
وذكرت الصحيفة أن مثل هذه التخفيضات متكررة؛ حيث أوضح كاميل موريل، المتخصص المعترف به في هذا الموضوع، لصحيفة لوفيغارو في شهر أيار/مايو الماضي: "هناك حوالي مائة منها سنويّا". وعلى الرغم من أنه من المستحيل مراقبة المليون ونصف الكيلومتر الذي تمر عبره هذه الكابلات، إلا أن الفنيين في حالة تأهب دائم، وقادرون على تحديد مصدر المشاكل المحتملة وموقعها بسرعة. وأضاف موريل: "توجد أجهزة استشعار أمنية تتيح على الفور ملاحظة أي قطع، أو حتى محاولة تجسس إلكتروني".
ولفتت الصحيفة إلى أنه إذا تعرض أحد الكابلات لأضرار جسيمة، فسيتولى كابل آخر المهمة على الفور، باستخدام نظام التكرار، كما أشارت شركة هونج كونج في بيانها الصحفي، إلى أنها قامت بشكل ملحوظ "بتنويع حركة المرور على الكابلات البحرية الـ11 الأخرى في البحر الأحمر".
البنية التحتية الضعيفة
وأفادت الصحيفة أن هذا النوع من الحوادث يكاد يكون عرضيّا على وجه الحصر، ويرتبط بشكل عام بـ "زلزال تحت الماء أو حتى بشبكة صيد"، كما يوضح كاميل موريل. لكن في هذه الحالة تحديدا، فإن التهديدات التي يوجهها الحوثيون بالكاد لشبكة الغواصات، تثير الشكوك حول الحوثيين المنخرطين في حرب عصابات بحرية في البحر الأحمر. وعلى الفور دافع الحوثيون عن أنفسهم، واعترفت بعطل بعض كابلات الاتصالات، لكنها ألقت المسؤولية على السفن الأمريكية والبريطانية العاملة في البحر الأحمر.
وقالت الصحيفة؛ إن تدهور الكابل البحري ليس في الواقع أمرا معقدا للغاية، خاصة في البحر الأحمر، حيث لا يتجاوز عمق المياه 300 متر، فيما أعلن البنتاغون فرضية، مساء الخميس، قال فيها؛ إن مرساة سفينة استهدفها الحوثيون الحوثيون في البحر الأحمر، كانت ستؤدي إلى قطع هذه الكابلات البحرية، فيما قال متحدث باسم الشركة: "نعتقد حاليا أن الأضرار التي لحقت بالكابلات البحرية (...) هي نتيجة الهجوم الصاروخي الذي شنه الحوثيون في 18 شباط/ فبراير على السفينة روبيمار، التي غرقت منذ ذلك الحين"، مضيفة أن هذا الهجوم “أجبر الطاقم على ترك المرساة وترك السفينة"، وأن "التقييمات الأولية تشير إلى أن المرساة، من خلال كشط قاع البحر، قد قطعت على الأرجح الكابلات البحرية التي توفر خدمات الاتصالات والإنترنت للعالم أجمع".
هل لا يزال من الممكن تحديد موقع الكابلات بدقة؟
وأكدت الصحيفة أن قطع الكابلات بالكامل يتطلب مهارات ومعدات أكثر تقدما، لكن هناك سوابق: ففي عام 2012؛ اشتبه في قيام غواصين بقطع الكابلات البحرية قبالة سواحل مصر.
وفي عام 2014، كانت روسيا قد قطعت بالفعل الكابلات الأوكرانية، في خضم ضم شبه جزيرة القرم. وفي آب/أغسطس 2021، اتبعت السفينة "يانتار" الروسية "الأوقيانوغرافية"، التي تمتلك غواصة صغيرة قادرة على الغوص لعمق يصل إلى 6 آلاف متر، مسار الكابلات البحرية التي تربط إيرلندا بالولايات المتحدة، قبل أن تطاردها البحرية الفرنسية.
قدرات محدودة
ولفتت الصحيفة إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الحوثيين مجهزون بالإمكانات اللازمة، حتى مع الدعم الإيراني. ويشير منتدى الخليج الدولي، وهو مركز أبحاث أمريكي، في تحليل حديث، إلى أنه "حتى الآن، تم ضمان أمن الكابلات بسبب التخلف التكنولوجي النسبي للحوثيين أكثر من الافتقار إلى الحافز"، وفي الواقع، فإن الحوثيين "لم يطوروا أبدا قوة بحرية أو وحدة بحرية مدربة بشكل كاف"، وليسوا مجهزين "بالغواصات اللازمة للوصول إلى الكابلات".
لكن في مياه خليج عدن التي لا يتجاوز عمقها 100 متر، لا يوجد حاجة للغواصات؛ حيث يؤكد منتدى الخليج الدولي أن بعض الحوثيين "خضعوا لتدريبات على الغواصين القتاليين". وهنا مرة أخرى تثبت السوابق أن إلحاق أضرار جسيمة بهذه البنية التحتية لا يتطلب قدرات هائلة. وفي عام 2007، قام الصيادون الفيتناميون بقطع مقطع طوله 11 كيلومترًا من الكابلات البحرية من أجل استعادة المواد المركبة، مما حرم فيتنام من 90٪ من اتصالها ببقية العالم.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول؛ إنه مع ذلك، فإن احتمال انقطاع التيار الرقمي، حتى لو كان محليّا، يظل ضئيلا، وحتى لو نشأ هذا الموقف، فمن الممكن أن تتولى الأقمار الصناعية والشبكات الأرضية مسؤولية التدفقات الكبيرة، في حين قد يتباطأ النطاق الترددي لبعض مقدمي الخدمات الكبار مثل "يوتيوب" و"نيتفليكس"؛ فإذا تأثرت جميع الكابلات عبر المحيط الأطلسي، على سبيل المثال -وهو سيناريو مستبعد للغاية-، فسيكون من الممكن أيضا المرور عبر الكابلات التي تربط أوروبا بالصين.