ما كشفته صحيفة النيويورك تايمز أخيراً عن حملة روسية ممنهجة ذات
علاقة بالكرملين، مهمتها نشر معلومات مضللة ضد الأميرة كاثرين البريطانية، جدد
الحديث عن خطر الحسابات المجهولة على الأمن القومي للدول، ففي التفاصيل أن الحملة
التي ترجع إلى 45 حساباً لهم علاقة بالكرملين يسعون إلى تقويض المؤسسة الملكية في
بريطانيا عبر نشر معلومات مضللة هدفها نزع ثقة البريطانيين بنظامهم الملكي، ومعلوم
أن بريطانيا في الواقع إنما تقوم على دعامتين أساسيتين للقوة الناعمة وهي المؤسسة
الملكية والمؤسسة الإعلامية، وعلى رأسها مؤسسة البي بي سي.
وتبين للتحقيق الصحافي أن الأشخاص الذي يقفون على هذا الحسابات هم
أنفسهم الذي شنوا حملة ضد الرئيس الأوكراني فولدومير زيلنسكي، وسبق أن قادوا حملة
ضد الرئيس الفرنسي وغيره من المؤسسات الغربية تحديداً، وذلك على أمل نشر الفوضى
وزعزعة الثقة في عالم الغرب، فيسهل على الكرملين التقدم عليهم، ما دام يرى فيهم
سبباً للحرب وديمومتها في أوكرانيا.
وقد سبق لهذه الحسابات المجهولة أن لعبت دوراً مهماً في انقلاب
النيجر، من حيث التمهيد جواً وبراً لصالح الانقلابيين وضد السلطة التي كانت قائمة
بالفعل، ونفس الأمر حصل في الانتخابات الغربية، وتحديداً الأمريكية والتي لا تزال
محل شك وخلاف وتحليل بين دوائر الخبراء ومراكز الدراسات في دور هذه الحسابات بدعم
ترمب في مواجهة خصومه، وهو ما يخشاه الغرب اليوم في انتخاباته المقبلة.
على النخب ألاّ تدع العوام والدهماء تقوده في معركة المصير، وإن كان الأفضل هو أن تكون مع النخب ومشروعها، ولكن إن قررت الدهماء والعوام أن يكون لها موقفاً معيناً تجاه قضية محددة، لا تتناسب ورؤية المشروع الكبير، فالواجب عدم الانسياق وراءها، لأن الانسياق سيكون خطره عظيماً واستراتيجياً.
ما يهمنا في العالم العربي هو أن كثيراً من هذه الحسابات المزيفة،
والمضللة تقود حملة اليوم ضد بعض الشخصيات والمؤسسات الوطنية وذلك من أجل زعزعة
الثقة فيها، وتقويض ثقة الناس فيها، الأمر الذي يعني الخراب والفوضى، مما يسهل على
القوى المتربصة في ملء الفراغ.
لكن للأسف وبعد معركة
غزة نزع الليكود العربي القناع عن نفسه، وتجرأ
بكل وقاحة وبجاحة في النيل من المقاومة الشريفة في غزة، تحت ذرائع وحجج واهية،
بينما المحرقة النازية الصهيونية تفتك بأهلنا في غزة الحبيبة، ولذا لم يعد يقبل
أمثال هؤلاء أن يلعبوا في الظلام، وإنما آثروا أن يكشفوا عن وجوههم ليكونوا بذلك الطليعة المتقدمة، والمتقدمة جداً لليكود
الصهيوني في النيل من المقاومة، ودعم الاحتلال، في مساعي فاشلة لنزع ثقة الجمهور
العربي والإسلامي من دعمه للمقاومة في غزة، وتقويض كل ما بنته المقاومة في نفوس
الأمة من صمود وعزة وكبرياء، وأنّى له ذلك بعد هذا التعاطف والدعم العربي
والإسلامي والإنساني حتى الذي حظيت به مقاومة غزة.
هذا الأمر ينسحب أيضاً على المجاهيل الذين لا يُعرف لهم عنوان ولا
توثيق حساب ولا نحو ذلك، فيتطاولون على الشرفاء، إن كان في مصر أو في سوريا أو في
العراق، وللأسف يجدون فينا سمّاعون لهم، ومطبلون ومزمرون، وهنا لا بد من الإشارة
إلى أن الوقاية من شرّ هذه الحسابات الهادفة إلى تقويض الشخصيات الوطنية والجهات
الثورية مهم، وأول الأسلحة المضاءة لهذا هو في تكاتف وتضامن القوى الوطنية والحية،
بحيث تدعم بعضها بعضاً، وتكشف وبشكل جماعي أساليب هذه المجاهيل، فالسكوت والصمت عن
هذه الحسابات المجهولة دون فضحها وكشفها وتعريتها، ستدفع الأمة ثمنه باهظاً،
وبالتالي سيظن العوام أن رأيها هو الصواب، وهو المعتمد، فعلى النخب ألاّ تدع
العوام والدهماء تقوده في معركة المصير، وإن كان الأفضل هو أن تكون مع النخب
ومشروعها، ولكن إن قررت الدهماء والعوام أن يكون لها موقفاً معيناً تجاه قضية
محددة، لا تتناسب ورؤية المشروع الكبير، فالواجب عدم الانسياق وراءها، لأن
الانسياق سيكون خطره عظيماً واستراتيجياً.