ارتفع
سعر صرف
الدولار في البنوك
المصرية وفي السوق السوادء الموازية مقابل
الجنيه خلال
اليومين الماضيين، ما أثار مخاوف المصريين من أزمات جديدة تفاقم معاناتهم القائمة.
وتحرك
سعر الدولار مقابل الجنيه بعد نحو 40 يوما من قرار حكومي بتحرير سعر صرف العملة
المحلية للمرة الرابعة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، والذي خفض قيمتها من
30 إلى 50 جنيها مقابل الدولار رسميا، فيما عُرف بقرارات 6 آذار/ مارس الماضي.
وهي
القرارات التي شملت رفع سعر الفائدة بالبنوك 6 بالمئة دفعة واحدة، ما دفع نحو
استقرار سعر الصرف ما بين 46 و47 جنيها لنحو شهر ونصف، وسط انحسار شديد لنشاط
السوق السوداء، التي تغولت بشكل ملحوظ منذ مطلع العام ووصلت حد 70 جنيها.
لكنه؛
ومع انتهاء أجازة عيد الفطر المبارك، وعودة البنوك لممارسة أعمالها رسميا الاثنين
الماضي، عاود سعر الدولار للارتفاع مجددا أمام العملة المحلية، وواصل عملية
الارتفاع تلك الثلاثاء، مسجلا
التراجع الأول للعملة المحلية أمام الدولار منذ 14
آذار/ مارس الماضي.
"تحول دراماتيكي"
وارتفعت
أسعار صرف الدولار أمام الجنيه بالبنوك المحلية مع نهاية تعاملات الثلاثاء، بما
يتراوح بين 20 و40 قرشا، وذلك بعد أن ارتفع بما يتراوح بين 70 و85 قرشا، فى نهاية
تعاملات الاثنين، وفق ما نقله موقع "المصري اليوم" المحلي.
وصعد
سعر العملة في البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، بنحو 20 قرشا، ليسجل 48.50 جنيه
للشراء و48.60 جنيه للبيع، مقارنة بـ48.30 جنيه للشراء، و48.40 جنيه للبيع فى
نهاية التعاملات الاثنين.
كما
ارتفع سعر العملة الأمريكية في البنك التجاري الدولي، وبنك الاستثمار العربي، وبنك
الإسكندرية، بنحو 20 قرشا، ليسجل 48.50 جنيه للشراء، و48.60 جنيه للبيع، مقارنة بـ
48.30 جنيه للشراء، و48.40 جنيه للبيع بنهاية التعاملات الاثنين.
وفي
أول يوم تداول وعمل رسمي للبنوك المحلية بعد إجازة عيد الفطر تراجع الجنيه
بنسبة 1.6 بالمئة إلى مستوى 48.30 أمام الدولار، الاثنين، وفق نشرة
"إنتربرايز"، ومنخفضا بقيمة 1.9 بالمئة وفق بيانات "بلومبيرغ".
وكان
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في آخر تعاملات البنك المركزي قبيل إجازة عيد
الفطر 10 نيسان/ أبريل الجاري، قد سجل 47.53 جنيه للشراء، مقابل 47.63 جنيه
للبيع.
وفي
السوق السوداء، وفي صباح الثلاثاء، سجل سعر الدولار مقابل الجنيه، 49.71
للشراء و49.21 للبيع بنسبة تغيير بلغت 0.08 بالمئة، فيما كان آخر سعر ليوم
الاثنين، 49.63 جنيه مصري، بحسب موقع " egcurrency".
"ندرة العرض وزيادة الطلب"
وتوقع
أحد العاملين في السوق الموازية في حديثه لـ"
عربي21"، أنه "مع
تواصل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بالبنوك؛ فإنه من المؤكد أن سعر صرف
الدولار في السوق السوداء سيتخطى مجددا حاجز الـ50 جنيها".
وأكد
أن "حركة السوق السوداء تقترب من سعر الصرف الرسمية وتزيد عليها بقروش قد تصل
ما بين 25 و40 قرشا"، ملمحا إلى أنهم "متابعون بشكل جيد لتحرك العملة
عبر شاشات البنك المركزي"، ولكنه أكد أن "الوضع غير مستقر والكل لديه
تخوفات شديدة ويتعامل بحذر".
وحول
سبب تلك الارتفاعات في سعر الدولار الرسمي وبالسوق الموازية من وجهة نظره، أوضح أن
"الكثيرين يحتفظون بما لديهم من ورق نقد أجنبي، ولا يريدون صرفه إلا بسعر
مناسب لهم، ما جعل السوق في حاجة للمزيد من الدولارات خاصة مع زيادة الطلب على
العملة الأجنبية من المستوردين والمصنعين عقب انتهاء شهر رمضان وإجازة عيد الفطر".
المثير
هنا أن ارتفاع سعر الدولار مجددا يأتي بعد إجراءات حكومية أضرت بالمصريين منها رفع
أسعار الوقود الشهر الماضي، وبعد حصول مصر على دعم مالي كبير وفق تعهدات دولية تصل
50 مليار دولار منها قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
وأيضا،
تمويل من البنك الدولي، ودعم من الاتحاد الأوروبي بنحو 8 مليارات دولار ، إلى جانب
عقد صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات في شباط/ فبراير الماضي مقابل 35
مليار دولار، وصل منها 10 مليارات دولار إلى جانب 11 مليار دولار أخرى كانت
مودعة بالبنك المركزي المصري، وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب عودة تغول سعر
الدولار على الجنيه.
"3.5 مليار دولار فقط"
وفي
تعليقه لـ"
عربي21"، لفت الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي
محمود وهبه، إلى بعض أسباب تراجع قيمة الجنيه بالبنوك والسوق السوداء مجددا بعد 40
يوما من ثبات سعر صرفه مقابل الدولار برغم الإعلان عن مساعدات وقروض وأموال بنحو
50 مليار دولار، للبلاد.
وأوضح
أنه "لم يدخل للخزينة المصرية من تلك الأموال إلا 10 مليارات دولار هي
الشريحة الأولى من صفقة (رأس الحكمة) مع الإمارات"، مبينا أن "ما ستحصل
عليه الميزانية العامة للدولة هو فقط 3.5 مليار دولار، والباقي من تلك الأموال هو
ملكية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة".
وأكد
أن "باقي الأموال المعلن عنها هي مجرد وعود بقروض"، ملمحا إلى أنه في
المقابل فإن "مصر غارقة في الدولارات من المال الساخن، والتي تبلغ قيمته نحو
23 مليار دولار"، مبينا أن "الكل يعرف أنه لا يمكن ضمان أو الاعتماد على
المال الساخن".
"إيرادات عارضة والأزمة أكبر"
من
جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والباحث المصري عبدالحافظ الصاوي، أن "أزمة
الدولار في مصر لم تُحل على مدار الـ40 يوما الماضية"، موضحا أن "ما حدث
هو أن هناك نوع من التدفقات المالية جد وليس لها صفة الاستدامة ولكنها إيرادات
عارضة".
وفي
حديثه لـ"
عربي21"، أعرب عن أسفه الشديد من أنه "يقابل تلك التدفقات
التزامات ثابتة متمثلة في أقساط القروض الخارجية والفوائد المدفوعة عليها".
الصاوي،
واصل وصف الحالة المصرية وأسباب عودة ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، مشيرا إلى أنه
"وفي الوقت ذاته يتأثر دخل مصر من السياحة بسبب أحداث الحرب الدائرة في قطاع
غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".
ولفت
أيضا إلى أنه "لازال الاقتصاد المصري يعاني بشكل كبير من تراجع
الإنتاجية"، مؤكدا أن "هذا كله له أثره على ميزان المدفوعات، والميزان
التجاري على وجه التحديد".
"فضلا عن أزمة الطاقة التي عادت تطل برأسها مرة أخرى
على مصر"، ملمحا إلى أن "الميزان التجاري البترولي وصل إلى عجز وصل حولي
4 مليار دولار بالعام المالي (2022/ 2023)، وأيضا بالنصف الأول من (2023/2024)".
وأكد
أن "هناك عجز في الميزان التجاري البترولي وهذا واضح في أزمة الكهرباء ومحاولات
تنظيم إمدادات البيوت والمصانع بالكهرباء عبر خطة لتخفيف الأحمال".
وأشار
إلى أنه "لم تكن هناك إدارة صحيحة لقضية الطاقة، بالتوسع في تصدير الغاز
الطبيعي من حقل (ظُهر) فضلا عن تراجع الإنتاج منه الفترة الماضية"، مضيفا أن
"بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقول إن إنتاج مصر من الغاز
والنفط أقل من الاستهلاك على مدار الشهور الستة الماضية".
الخبير
المصري، خلص للقول إن "كل هذا يزيد من الطلب على الدولار، وبالتالي الجهات
غير الحكومية من القطاع الخاص والقطاع العائلي أصبحت مرة أخرى في أزمة لتوفير
الدولار، وليس أمامها سوى السوق السوداء".
وختم
بالقول: "وأحسب أنه وحتى بعد مجيئ الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة (10
مليارات دولار كان مقررا وصولها الأسبوع الماضي) يستمر الوضع في شبه استقرار لشهر
أو على الأكثر 40 يوما، ثم تعود الأزمة مرة أخرى إلى ما كانت عليه، ليصعد سعر
الدولار مقابل الجنيه مرة أخرى".
"لن يتعدى هذا الحد"
وفي
رؤيته، أرجع الكاتب والباحث والمحلل الاقتصادي المصري محمد نصر الحويطي، ارتفاع
الدولار في السوق المحلي إلى أنه "مردود ارتفاع العملة الأمريكية في السوق
العالمي خلال الأسبوعين الأخيرين، لأسباب منها ارتفاع مبيعات قطاع التجزئة
الأمريكية، وانتظار الفيدرالي الأمريكي المزيد من خفض الفائدة الفترة المقبلة".
الحويطي،
أكد لـ"
عربي21"، أن "هذه الإجراءات الأمريكية تقوي بلاشك قيمة
الدولار اقتصاديا، ولو راجعنا الأخبار المتابعة لحركة سعر الدولار ستجد أن
العملة الخضراء ارتفعت أمام سلة العملات كلها".
ولفت
إلى أن "مصر رغم حصولها على جزء من أموال صفقة رأس الحكمة تواجه أزمات مثل
فوائد خدمة الدين وأقساط خدمة الدين"، معتبرا أنها "سبب استمرار الفجوة
الدولارية؛ خاصة وأن المؤشرات تشير لتراجع تحويلات المصريين من الخارج خلال عام
2023 قياسا للعام السابق عليه"، مؤكدا أن "هذا يزيد الفجوة الدولارية".
وفي
تقديره للحدود المحتملة لعملية تراجع سعر الجنيه وارتفاع الدولار، وما إذا كان
الجنيه أمام أزمة ينفرط فيها عقده مجددا، مع تلاشى تأثير قرارات التعويم الأخيرة
ورفع سعر الفائدة في 6 آذار مارس الماضي، قال الحويطي: "لا شيئ يسمى حدود
التراجع".
وأضاف:
"لكن توقعاتي الشخصية أن الجنيه لن يتراجع مجددا أمام الدولار، والدولار لن
يرتفع مجددا أمام الجنيه بوتيرة أوسع"، مؤكدا أنها "مسألة وقتية ومازلت
عند رأيي بأن حدود حركة الدولار أمام الجنيه ستظل في منطقة الأربعينات، بحد أدنى
42 و43 جنيه وبحد أقصى 48 جنيه، في هذه المنطقة".
ويرى
أن ارتفاعات اليومين الأخيرين "قد تكون مجرد مضاربات في كميات قليلة من
العملة الأمريكية في السوق السوداء المحلية، لا أكثر ولا أقل".
ويعتقد
الكاتب الصحفي، أنه "بمجرد حصول الحكومة المصرية على الدفعة الجديدة من صفقة
رأس الحكمة، والدفعة الجديدة من صندوق النقد الدولي، سيظل الدولار أمام الجنيه
يتحرك بوتيرة الحدود التي توقعتها، ولذلك لا أعتقد أنه سينفرط عقد الجنيه مجددا".
"واقع متأزم ومؤشرات سلبية"
ويعيش
البلد العربي الأكثر سكانا بأكثر من 106 ملايين نسمة، وصاحب الاقتصاد الثالث أفريقيا
بعد جنوب أفريقيا ونيجيريا، أزمات هيكلية وأخرى مركبة أحدثتها سياسات رأس النظام
الاقتصادية وعمليات الإنفاق الترفي، وتوجهه نحو الاستدانة والاقتراض الخارجي ما
ورط البلاد في ديون تعدت 168 مليار دولار نهاية العام الماضي.
وتواجه
البلاد من بين ما تواجهه من أزمات، معضلة شح الدولار، وتآكل الاحتياطي النقدي،
وحلول آجال الكثير من أقساط وفوائد الدين، وهو ما يقابله زيادة الطلب على
الدولار لتوفير الخامات وقطع الغيار والسلع الاستراتيجية المستوردة، ما أدى
إلى انتعاش السوق الموازية للعملة الأجنبية التي تخطى فيها الدولار حاجز الـ70
جنيها حتى 6 آذار/ مارس الماضي.
وهناك
العديد من المؤشرات السلبية التي تشير إلى احتمال تفاقم ازمة الدولار مجددا في
البلاد، ومنها خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 2.8 بالمئة في
السنة المالية (2024/2023)، بانخفاض 0.7 نقطة مئوية عن توقعاته الأخيرة في كانون
الثاني/ يناير الماضي، ونقطة مئوية كاملة عن العام المالي السابق.
وحول
أسباب ذلك الخفض، أشار البنك إلى تباطؤ أداء القطاع الصناعي والتضخم المرتفع،
بجانب أن الحرب على غزة أدت إلى زيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي، وإمكانية أن
تعاني مصر من الآثار المالية لأزمة قناة السويس والصراع في الشرق الأوسط، نتيجة
لانخفاض الإيرادات المالية وعائدات السياحة.
وفي 8
نيسان/ أبريل الماضي أكد البنك المركزي المصري أن تحويلات المصريين العاملين في
الخارج تراجعت بنسبة 21.2 بالمئة لتصل إلى 9.4 مليار دولار خلال النصف الأول من
السنة المالية (2023-2024) مقابل 12 مليار دولار في الفترة نفسها قبل عام.
كما
أدت التوترات الجيوسياسية في المنطقة إلى تراجع حجم التجارة العالمية في قناة
السويس، الذي انخفض بنحو 55 بالمئة حاليا، مقابل تقديرات لصندوق النقد الدولي
بحدوث تراجع 50 بالمئة في أول شهرين من عام 2024.
ومن
بين المؤشرات السلبية أيضا، والتي قد تدفع بالجنيه نحو انخفاض جديد مقابل العملات
الصعبة، هي اتساع عجز الحساب الجاري لمصر بنسبة 441 بالمئة على أساس سنوي في النصف
الأول من العام المالي الحالي (2024/2023) ليصل إلى 9.6 مليار دولار، من 1.8 مليار
دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي، وفقا لحسابات موقع "إنتربرايز".
ومن
عوامل تراجع الميزان التجاري والتي تشير لتراجع دخل مصر من العملات الصعبة، هي
تراجع الصادرات بنسبة 24 بالمئة على أساس سنوي في النصف الأول من العام المالي
2024/2023 إلى 16.4 مليار دولار.
ثاني
العوامل تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 21 بالمئة على أساس سنوي
إلى 9.4 مليار دولار في الفترة بين تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر 2023.
أما
ثالث العوامل فكان تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث انخفض صافي الاستثمار
الأجنبي المباشر خلال النصف الأول إلى 5.5 مليار دولار، من 5.7 مليار دولار في
الفترة نفسها من العام المالي الماضي.
وجميعها
وفق مراقبين، تؤثر بشكل مباشر على تدفقات العملات الصعبة في البلاد، وتراجعها يزيد
من وقع أزمة شح الدولار، ما يشير إلى تفاقم أزمات المصريين المعيشية والحياتية وسط
نسب تضخم تعدت 35 بالمئة في شباط/ فبراير الماضي.