كشفت البرامج الخيرية التي تم بثها في شهر رمضان عن عاطفة جياشة من قبل
البسطاء المسلمين تجاه معاناة
غزة، فهذا برنامج "قلبي اطمأن" الإماراتي
يكشف عن دعاء سيدة تونسية تسكن الجبل لأهل غزة، مصحوبا بالدموع، ودعاء مسن موريتاني
يقيم الصحراء لهم، وتكرر ذلك في برنامج "عمران الخيري" الممول من مؤسسة
قطرية، حيث كشف عن تألم سيدة صومالية نازحة في اليمن لخذلان العرب والمسلمين لأهل غزة.
وإذا كان هذا هو حال الفقراء المعدمين الذين يجدون صعوبة في متابعة
الفضائيات لقلة الكهرباء، فقد تكرر المشهد مع من هم أكثر يسرا في الأحوال المعيشية
في بلدان العالم الإسلامي، والأكثر تمكنا من متابعة الفضائيات وبرامج التواصل الاجتماعي،
إلا أن الغالبية محاصرة في بلدانها في ظل التآمر من قبل غالبية الحكومات، التي
تمنع التظاهر لإبداء التعاطف مع غزة لاستنكار ما يحدث لها من إبادة.
كما لا يثق الكثيرون في إمكانية وصول ما يتبرعون به لأهل غزة، في ظل الحصار
الإسرائيلي المصري الأردني لمنع وصول تلك المساعدات، بغض النظر عن التصريحات
الرسمية الخادعة من قبل دول الجوار الجغرافي لغزة أو لقادة الدول الغربية، أو خداع
الجماهير بما يسمى إلقاء المعونات من الطائرات على سكان غزة والذي تسبب في مقتل وإصابة
العديد منهم، وتوفير مجال للطيران الإسرائيلي لقصف تجمعاتهم.
إذا كانت الصورة بالفعل شديدة القتامة فيما يخص ليس فقط التخاذل العربي والإسلامي والدولي، ولكن أيضا بالمشاركة في التآمر على المقاومة وسكان غزة من قبل كل تلك الأطراف، إلا أنه عادة ما تأتي المحن بالفرص أيضا، فها هي منظمة التجارة الدولية تعلن بيانات التجارة السلعية لدول العالم في العام الماضي
وإذا كانت الصورة بالفعل شديدة القتامة فيما يخص ليس فقط التخاذل العربي
والإسلامي والدولي، ولكن أيضا بالمشاركة في التآمر على المقاومة وسكان غزة من قبل كل تلك
الأطراف، إلا أنه عادة ما تأتي المحن بالفرص أيضا، فها هي منظمة
التجارة العالمي تعلن بيانات التجارة
السلعية لدول العالم في العام الماضي، والتي تضمنت بلوغ قيمة
واردات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي السبع والخمسين، نحو تريليونين
و526 مليار دولار، تمثل نسبة 10.4 في المائة من مجمل الواردات الدولية في العام الماضي.
واقع الواردات أكبر من البيانات المعلنة
وفي ضوء ظاهرة قيام المستوردين بالتلاعب في قيمة فواتير الشراء لدفع جمارك
أقل في بعض البلدان، فإن هذا يعني أن القيمة الحقيقية لتلك الوادرات أعلى من
الأرقام الرسمية التي تصدر عن تلك البلدان، إلى جانب ظاهرة تهريب العديد من السلع
عبر الحدود لتفادى الجمارك مما يشير لقدر آخر كبير من الواردات، حيث يمثل التهريب نشاطا
دائما لشرائح كبيرة من السكان تعيش عليه.
ومن هنا فإنه يمكن توظيف مشاعر الألم بسبب الإبادة الجماعية بغزة، ومساندة
الدول الغربية لتلك الإبادة بالسلاح والمال والدعم السياسي والإعلامي، للضغط على
حكومات تلك الدول من خلال مقاطعة منتجاتها في أسواق بلدان منظمة التعاون الإسلامي،
وغيرها من البلدان التي تضم أقليات مسلمة كبيرة العدد.
وها هي بيانات التجارة الدولية الصادرة عن البلدان الرئيسية للتجارة الدولية
في العام الماضي، تشير لتوجه نحو 134 مليار دولار من الصادرات الأمريكية إلى بلدان
منظمة التعاون الإسلامي، وتوجه 97 مليار دولار من الصادرات الألمانية لدول المنظمة،
و64 مليار دولار من الصادرات الإيطالية، و62.5 مليار دولار من الصادرات اليابانية،
و44 مليار دولار من الصادرات البريطانية، و37 مليار دولار من الصادرات الهولندية، وحتى
المجر التي تتخذ مواقف معادية لفلسطين اتجهت ما قيمته خمسة مليارات من صادراتها
لبلدان المنظمة.
وحسب بيانات عام 2022 اتجهت 129.5 مليار دولار من صادرات الهند إلى بلدان
منظمة التعاون الإسلامي، حتى أن خمس دول من بلدان المنظمة هي: الإمارات وبنجلاديش
والسعودية وتركيا وإندونيسيا، شغلت مواقع متقدمة من بين الدول الإحدى عشر الأولى أمام
الصادرات الهندية، وفي العام الأسبق اتجهت صادرات بقيمة 57 مليار دولار من كوريا
الجنوبية لدول المنظمة، ومن فرنسا بقيمة 52 مليار دولار، وقبل الحرب الروسية
الأوكرانية وفي عام 2021 اتجهت صادرات روسية لدول المنظمة بقيمة 87 مليار دولار.
الأمر في النهاية أيا كان المستورد، يعود إلى المستهلك النهائي للسلع وهو المواطن، فإذا اتخذ هذا المواطن قرارا بمقاطعة منتجات دولة معينة، فإن مبيعات الشركات الحكومية وشركات رجال الأعمال ستتأثر، وستدفعهم عوامل الربحية والبقاء في السوق إلى تعديل أسواق الاستيراد
عجز تجاري في أمريكا وإنجلترا وفرنسا
وهكذا فنحن نتحدث عن أرقام كبيرة من الواردات يمكن أن تدفع الموردين في تلك
البلدان، للضغط على حكوماتهم لاتخاذ مواقف أكثر عدالة، فما بالنا لو ألحقنا
بالواردات السلعية الواردات الخدمية، والتي أشارت بيانات منظمة التجارة الدولية
لبلوغ قيمتها في دول منظمة التعاون الإسلامي في عام 2022 نحو 582 مليار دولار، تمثل
نسبة 9 في المائة من مجمل الواردات الخدمية الدولية حينذاك، وهي التجارة التي تعنى
بخدمات النقل والسياحة والخدمات المالية والتأمينية، والتعليمية والصحية والثقافية
والترفيهية والرياضية والإعلانية والمحاسبية والقانونية والبيئية والتشييد والبناء
وغيرها.
بالطبع سيقول البعض إن نصيب دول منظمة التعاون الإسلامي قليل من مجمل تجارة
تلك الدول، وبالتالي فإنها لن تكون مؤثرة بشكل كاف، وهنا نقول إن النصيب النسبي
لدول المنظمة يختلف من دول إلى أخرى، ففي العام الماضي كان بنسبة 9.5 في المائة من
صادرات إيطاليا، وأكثر من 8 في المائة من صادرات إنجلترا وحوالي 6 في المائة لكل
من الولايات المتحدة وألمانيا، لكنه كان بنسبة 28.5 في المائة من صادرات الهند في العام
الأسبق، وأكثر من 8 في المائة لفرنسا وكوريا الجنوبية في نفس العام، و17.5 في
المائة من صادرات روسيا عام 2021.
والمعروف أن التجارة الدولية عادة ما تكون قطاعية وبالتالي تكون مُركّزة في
عدد من السلع الرئيسية وفي عدد محدد من كبار المنتجين لها في تلك الدول المصدرة، وبالتالي
يمكن أن تؤثر عمليا على مبيعات تلك الشركات، وهنا يدخل حال توازن الميزان التجاري في
الدول كعامل مؤثر، حيث تعاني دول عديدة من عجز مزمن في ميزانها التجاري السلعي،
أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية وبالتالى فإن
حاجتها كبيرة للصادرات لدول المنظمة أيا كانت قيمتها.
رغم التآمر المستهلك النهائي سيد الموقف
تحفظ آخر يذكره البعض وهو أن كثيرا من الواردات السلعية تتولاها الحكومات
من خلال الشركات الحكومية في دول المنظمة، وأن حكام تلك الدول يحرصون على إرضاء
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من خلال المزيد من الواردات منها، إلى جانب
وجود عدد من كبار رجال الأعمال غير المسلمين في تلك الدول الأعضاء في المنظمة،
والذين ترتبط مصالحهم التاريخية التي توارثوها عن آبائهم مع تلك الدول الغربية.
يجب توظيف التعاطف مع مأساة غزة في اختيار البدائل لسلع الدول التي تتم مقاطعتها، فيجب تشجيع الإنتاج المحلي ثم منتجات الدول العربية والإسلامية ثم منتجات الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، ومنها أيرلندا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية ثم البرازيل
وكل ما سبق صحيح إلا أن الأمر في النهاية أيا كان المستورد، يعود إلى المستهلك
النهائي للسلع وهو المواطن، فإذا اتخذ هذا المواطن قرارا بمقاطعة منتجات دولة
معينة، فإن مبيعات الشركات الحكومية وشركات رجال الأعمال ستتأثر، وستدفعهم عوامل
الربحية والبقاء في السوق إلى تعديل أسواق
الاستيراد.
وهنا يجب توظيف التعاطف مع مأساة غزة في اختيار البدائل لسلع الدول التي تتم
مقاطعتها، فيجب تشجيع الإنتاج المحلي ثم منتجات الدول العربية والإسلامية ثم
منتجات الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، ومنها أيرلندا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وبعض
دول أمريكا اللاتينية ثم البرازيل، وكان نصيب دول المنظمة من صادرات إسبانيا قد
بلغ في العام الماضي 37 مليار دولار، ومن صادرات جنوب أفريقيا 13.4 مليار دولار،
ومن صادرات أيرلندا 6.8 مليار دولار.
ومع فتح ملف مقاطعة سلع الدول المساندة للعدوان على غزة، يجب توظيف قرار
الشراء للمنتجات المستوردة لدفع الدول شبه المحايدة لاتخاذ مواقف أكثر إيجابية
تجاه العدوان، وأبرز نموذج لذلك الصين التي بلغ نصيب دول المنظمة من صادراتها في العام
الماضي 539 مليار دولار، تمثل نسبة 16 في المائة من مجمل صادراتها، أي أكثر من
أربعة أضعاف واردات دول المنظمة من الولايات المتحدة.
وتبقى المهمة الرئيسية لكافة مناصري القضية الفلسطينية بنشر القوائم
السلعية لأبرز العلامات التجارية للدول المساندة للعدوان، بكل وسيلة متاحة سواء
وسائل الإعلام أو من خلال خطباء المساجد والنقابات المهنية بالدول التي تسمح
ظروفها بذلك، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي والحوار الشخصي والاتصالات التلفونية،
خاصة بين ربات البيوت الأكثر تأثيرا في اتخاذ قرار الشراء للسلع، والاستناد إلى النجاح
النسبي الذي حققته مقاطعة بعض المطاعم والماركات الشهيرة التي ساندت العدوان،
والبناء على ذلك النجاح، والاستفادة من تقييم تجربة
المقاطعة بما فيها من جوانب
قصور، واستمرار عملية المقاطعة طالما استمر انحياز تلك الدول لإسرائيل.
twitter.com/mamdouh_alwaly