نحن الآن في قلب احتدام
الحرب في قطاع
غزة. وقد اقتربت من لحظة الحسم
فيها، أياماً أو أسابيع، أو أكثر. وذلك فيما أخذت تنتشر، من بين ما أخذ ينتشر،
مقولات ومخططات للمرحلة القادمة.
ولعل من أخطر هذه المقولات والمخططات، تجدّد الحديث عن إعطاء الشعب
الفلسطيني دولة. وقد راحت تزداد القناعة لدى عدد من النخب الفلسطينية بأن أمريكا،
نتيجة هذه الحرب، وما كابدته، بسببها، من أزمات عالمية وداخلية وإقليمية، صارت
تميل إلى اعتبار، أن حلّ الدولتين في مصلحة الكيان الصهيوني، ووجوده ومستقبله.
وبهذا طفقت بعض النخب الوطنية، أو حتى القريبة من المقاومة، تتحدث عن
ضرورة تشكيل قيادة فلسطينية موحدة حتى تستقبل الخطوة الأمريكية المتوقعة. لأن من
الخطأ أن تأتي تلك الخطوة، ولا تجد قيادة فلسطينية موحدة تستقبلها. وإلاّ ضاعت
"فرصة العمر".
تُعلِّم التجربة الفلسطينية التاريخية، منذ طرح هدف إقامة دولة
فلسطينية، فوق الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران/يونيو 1967، بأن المطالبة
بإقامة دولة فلسطينية ستحمل في طياتها، فوراً، تنازلات مبدئية وسياسية، مثلاً
القبول، موضوعياً، بتقسيم فلسطين بيننا وبين الكيان الصهيوني الذي جاء تحت حماية
الحراب البريطانية من 1917 إلى 1948، وبلا شرعية دولية. واستولى على 78% من
فلسطين. وشرّد ثلثي شعبها. وهو الآن يحتلها كلها. وقد راح يهوّدها، حتى لم يترك
جزءاً تقام عليه "دويلة" للفلسطينيين.
محصلة تجربة المطالبة بإقامة دولة فلسطينية كانت وهماً وفشلاً، فضلاً
عما حملته من تنازلات مبدئية واستراتيجية. وذلك بالرغم من القبول بأيّة شروط
يفرضها الكيان الصهيوني أو أمريكا والغرب، لإقامة الدولة.
من أخطر هذه المقولات والمخططات، تجدّد الحديث عن إعطاء الشعب الفلسطيني دولة. وقد راحت تزداد القناعة لدى عدد من النخب الفلسطينية بأن أمريكا، نتيجة هذه الحرب، وما كابدته، بسببها، من أزمات عالمية وداخلية وإقليمية، صارت تميل إلى اعتبار، أن حلّ الدولتين في مصلحة الكيان الصهيوني، ووجوده ومستقبله.
وها هو ذا قد مرّ 75 عاماً، ولا دولة ولا ما يحزنون.
لذلك إن أول ما يجب أن تواجَه به أمريكا والغرب، بل وكل من يضغط على
المقاومة بتبني إقامة دولة فلسطينية، أو القبول بحلّ الدولتين، بالقول لهم: كيف
تصرون على هذين المطلبين، أو أحدهما، وتجربة الخمسة والسبعين عاماً أثبتت أن
الكيان الصهيوني لن يقبل بحلّ الدولتين. وقد فعل ذلك بغطاء أمريكي- أوروبي- دولي،
بدليل عدم ممارسة أيّ ضغط عليه من أمريكا، أو أيّة دولة أخرى. فمن يتوقع إعطاءه
دولة حتى بشروط الكيان الصهيوني وأمريكا، كمن يتوقع أن يشتري سمكاً من البحر الميت.
تأكدت هذه الحقيقة، بصورة خاصة، بعد اتفاق أوسلو حتى اليوم، بما لا
يسمح لعاقل أن ينجرّ إلى المطالبة بإقامة دولة فلسطينية في حدود ما قبل حرب 1967،
مكرراً عملياً التجربة نفسها التي خاضتها فتح وم.ت.ف. وذلك ما دام أمرها بيد
الكيان الصهيوني، وأمريكا والغرب.
لهذا فإن الموقف الصحيح، مبدئياً وسياسياً وتكتيكياً، أن يوضع موضوع
الدولة في موقع الكذبة الكبرى، والوهم الفاضح من جانب أمريكا، وقولوا لها ولكل من
يضغط بهذا الاتجاه، "قبل أن تطالبونا بأن نجرّب المجرب، هاتوا موافقة الكيان
الصهيوني، أو مارسوا ضغطاً عملياً ملموساً عليه، لإجباره على قبول إقامة الدولة.
وبعدئذ يطرح الموضوع على الفلسطينيين للمناقشة، فيقبله من يقبله، ويرفضه من يرفضه.
ويتحمل كل مسؤوليته، ليس في مواجهة مشروع دولي وهمي، وغير قابل للتطبيق، كما حدث
طوال 75 عاماً. وإنما مشروع مفروض للتنفيذ مهما كان مجحفاً، (ويجب رفضه). أما شراء
سمك من البحر الميت، فكفى.
وبكلمة، يجب بعد الانتصار في غزة، التركيز على تحرير الأرض المحتلة
في 1967، بلا قيد أو شرط. فموضوع مقاومة الاحتلال بالسلاح غير قابل للنقاش، وفقاً
للقانون الدولي، وأعراف الشعوب كافة. وهنالك قرارات من هبئة الأمم المتحدة ضد
الاحتلال والاستيطان، وقد أقرت بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة المسلحة. وهذا كله
تفتقر لمثله، المطالبة بدولة فلسطينية، والتي طريقها التسوية والمفاوضات والفشل.
هذا مع التأكيد دائماً على أن كل فلسطين لنا، والتمسك بهدف تحريرها
من النهر إلى البحر. والذي، من إباهم، يعتبر أن هذا تطرفاً، قولوا له: المشروع
الصهيوني يعتبر فلسطين كلها له، ويريد تهجير كل الفلسطينيين.