سياسة تركية

"العودة إلى ما قبل عام 2011".. في أي محطة يقف قطار التطبيع بين تركيا والأسد؟

قال بشار الأسد إن "هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني (مع تركيا) من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين"- جيتي
كسر النظام السوري حاجز الصمت إزاء المبادرات التركية المتتالية خلال الأسابيع الأخيرة لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق وعقد لقاء بين بشار الأسد وأردوغان، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات جمة حول مصير مسار التقارب بين الجانبين، سيما مع طرح نظام الأسد شروطه السابقة حول انسحاب القوات التركية من شمال غرب البلاد و"مكافحة الإرهاب"، وتلويحه بضرورة العودة إلى الوضع السائد قبل عام 2011.

وقال الأسد في تصريحات صحفية بالعاصمة السورية دمشق، الاثنين، حول تصريحات أردوغان للقاء: "نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لكن هذا لا يعني أن نذهب دون مرجعية وقواعد عمل لكي ننجح، لأنه إن لم ننجح فستصبح العلاقات أسوأ".

وأضاف أن "اللقاء وسيلة ونحن بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل"، مشددا على أنه "في حال كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى يحقق مصلحة البلد سأقوم به"، بحسب تعبيره.

واعتبر الأسد أن اللقاء لن يكون مثمرا في حال لم تنسحب القوات التركية من داخل الأراضي السورية، ولم تتوقف أنقرة عن دعم فصائل المعارضة التي يتهمها الأسد بـ"الإرهاب".

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجه في أكثر من مناسبة، دعوة إلى بشار الأسد للقاء في تركيا أو بلد ثالث من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين، وذلك بعد قطيعة استمرت ما يزيد على الـ12 عاما بسبب قمع النظام للثورة السورية عام 2011.

وأعادت تصريحات الأسد التي وصفها مراقبون تحدثوا إلى "عربي21" بالضبابية، تسليط الضوء على المراحل التي مر بها مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة انطلاقا من شروط الأسد المسبقة بانسحاب القوات التركية قبل أي تفاوض ورفض أنقرة لذلك بشكل قطعي، إلى تلويح تركيا بإمكانية وضع جدول زمني لانسحابها من سوريا في المستقبل وحديث الأسد عن انفتاحه على كافة المبادرات "المستندة إلى السيادة السورية".

الباحث التركي علي أسمر، لفت إلى أن تصريحات الأسد "ضبابية"، "فمن جانب يقول إن "اللقاء مع تركيا ضروري ومن جانب آخر يريد انسحاب القوات التركية من سوريا وكما نعلم أن هذا الأمر غير وارد حسب المعطيات الحالية".

وأشار في حديثه لـ"عربي21"، أن "جذر المشكلة بين الحكومة التركية والنظام السوري يرجع إلى اختلاف الأولويات، حيث إن أولوية تركيا هي مكافحة حزب العمال الكردستاني، وأولوية النظام السوري هي انسحاب تركيا من الشمال السوري".

ويسعى الجانبان من خلال مسار التقارب إلى "مكافحة الإرهاب"، إلا أن أنقرة تشير بذلك المصطلح إلى وحدات الحماية الكردية التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا "بدعم من حزب العمال الكردستاني"، فيما يقصد الأسد فصائل المعارضة السورية التي تدعمها تركيا شمال غرب البلاد.

وفي مؤتمر صحفي له الأحد الماضي، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على أن تركيا لن تترك المعارضة السورية التي قاتلت بجانبها ضد "التنظيمات الإرهابية" منتصف الطريق، موضحا أن أنقرة لا نفرض أيضا "أي شيء على المعارضة السورية، لكنّنا نقف ضد كل التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية".

ويلفت أسمر إلى أن فيدان كان "واضحا" خلال حديثه الذي جاء بعد بيان خارجية النظام بشأن التطبيع مع تركيا، "حيث دعا النظام السوري بالاهتمام بدعوة الرئيس أردوغان وأشار إلى أن هذه الدعوة لا تنبع عن ضعف إنما عن تقاطع مصلحة مشتركة بين الحكومة التركية والنظام السوري بمحاربة قسد (قوات سوريا الديمقراطية) والحفاظ على وحدة الأراضي السورية".

ويوضح أنه "ووفقا للمعطيات والظروف الحالية، لا لقاء بين الرؤساء إلا في حال تغيرت المعطيات وتراجع النظام السوري عن موضوع انسحاب القوات التركية، وقرر مكافحة قسد، واستقل بقراره بالرغم من الضغوط الإيرانية".

وتتجه تركيا نحو التطبيع مع نظام الأسد بعد سنوات من انسداد الأفق السياسي للأزمة السياسية التي كانت فيها جزءا من الدول الضامنة التي عملت مع حلفي الأسد روسيا وإيران، عبر مسار أستانا، من أجل إيجاد حل لإنهاء الأزمة.

وتتحرك تركيا على مسار التطبيق مدفوعة بملفين ضاغطين على صانعي القرار التركي، أولهما مكافحة وحدات الحماية الكردية التي تراها أنقرة امتدادا للعمال الكردستاني في سوريا، والثاني إنهاء قضية اللاجئين السوريين الذين يجري استخدامهم كورقة ضغط من قبل المعارضة ضد الحكومة، خصوصا مع مرور البلاد بأزمة اقتصادية صاحبها ارتفاع في حدة الخطاب العنصري المعادي للاجئين.

"انفتاحة للأسد على تركيا"
مع تباين التحليلات السياسية للموقف النظام الأخير تجاه المبادرات التركية الذي جاء متشحا بإزار الشروط المسبقة التي تثير حفيظة أنقرة، يرى الباحث المتخصص بالشؤون التركية  محمود علوش أن "تعليقات الأسد تظهر في الواقع انفتاحه على لقاء أردوغان إذا نجحت جولات التفاوض الثنائي المقبلة في التوصل إلى المبادئ العامة لمشروع التطبيع".

ويضيف في حديثه إلى "عربي21"، أن "تصريحات الأسد بجانب البيان الأخير للخارجية السورية، تعزز تخلي دمشق عن فكرة الانسحاب كشرط للشروع في عملية التطبيع".

"النظام يقول إن الانسحاب هو أساس لعودة طبيعية للعلاقات وهذا تحصيل حاصل. ما يعني تركيا هو الشروع في هذا المسار"، وفقا لعلوش.

وكان وزير الخارجية التركي تحدث عن استمرار اللقاءات مع الجانب السوري وعن حوارات بين الجانبين أجريت "بشكل سري"، مستدركا بأن "الاتصالات مع النظام السوري لم تصل إلى نتائج إيجابية".

في المقابل، قال بشار الأسد خلال حديثه للصحفيين، إن "هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين"، مشددا على أنه "لا يوجد أي شيء سري لدينا، وعندما يكون هناك لقاء سنعلنه"، في إشارة إلى حديث فيدان عن الحوارات السرية.

وتساءل الأسد عن مرجعية اللقاء: "هل هي إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب والانسحاب من سوريا؟ هذا جوهر المشكلة، إذا لم يناقش اللقاء هذا الجوهر فماذا يعني اللقاء؟"، بحسب تعبيره.

وشدد على أن نظامه "ليس ضد أي لقاء والمهم هو الوصول لنتائج إيجابية تحقق مصلحة سوريا وتركيا بنفس الوقت"، على حد قوله.

وفقا لحديث علوش لـ"عربي21"، فإن تعليقات الأسد تعد "استجابة للمبادرة التركية نحو التطبيع. لذلك ترسل رسالة إيجابية للأتراك.

ويضيف أن "الانفتاح المتبادل على فكرة التطبيع تدشن مرحلة التأسيس لحقبة التطبيع بمبادرة كل من أنقرة ودمشق إلى تحديد سقوفهما التفاوضية وتوقّعاتهما المثالية من التطبيع كأساس للتفاوض الذي سيكون مُصمما للوصول إلى النقطة التي تُحقق لكل طرف أقصى قدر من هذه التوقعات".

لقاءات متوقعة
في السياق، ترى الصحفية التركية هاندي فيرات، في مقال نشرته عبر صحيفة "حرييت" المقربة من دائرة الحكومة، أنه "من المتوقع أن تتبع تركيا والنظام السوري  في المرحلة المقبلة سياسة تسلسلية، ما يعني بدء اللقاءات على مستوى الاستخبارات ووزراء الخارجية قبل أن تتحول إلى مستوى الرؤساء".

وترجح عقد لقاء قبل نهاية الشهر الجاري بين رؤساء أجهزة استخبارات كل من تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، وذلك شريطة عدم حدوث انتكاسة في مسار التطبيع أو فرض شرط مسبق جديد من أحد الأطراف.

ولفتت فيرات، إلى أنه في حال كان هناك توافق خلال المباحثات فمن المتوقع أن تتقدم العملية بسرعة أكبر، وقد تنتهي بلقاء بين أردوغان والأسد في بلد ثالث خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على أعلى تقدير.

علوش، يرى أنه من غير الممكن تصور عقد لقاء بين أردوغان والأسد دون الاتفاق على خريطة طريق لعملية التطبيع. ويوضح أن هذا الأمر سيكون متروكا للتفاوض على المستويات الأمنية والاستخباراتية في البداية وقد يتطور فيما بعد إلى مستوى وزراء الخارجية إذا كان هناك تقدم في هذا المسار.

العودة إلى ما قبل عام 2011
وحول تحول نبرة فيدان إلى صالح المعارضة السورية، بعد بيان خارجية النظام السوري الذي اشترطت فيه انسحاب القوات التركية وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011، يشير علوش إلى وجود "تبادل أدوار بين الخارجية والرئاسة التركية" في الخطاب المتعلق بالأزمة السورية.

ويوضح أن خطاب الخارجية التركية مصمم لطمأنة المعارضة السورية، وخطاب أردوغان مصمم للداخل التركي ونظام الأسد على حد سواء، مشيرا إلى أن عملية التطبيع مع النظام السوري تفرض على تركيا إعادة توظيف علاقتها مع المعارضة السورية من أجل إنهاء الصراع في سوريا.

وكانت خارجية نظام الأسد أصدرت مساء الأحد الماضي بيانا قالت فيه، إن "أي مبادرة يجب أن تبنى على أسس واضحة، ضمانا للوصول إلى النتائج المرجوة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية، وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية".

وشددت على أن "عودة العلاقة الطبيعية بين البلدين تقوم على عودة الوضع الذي كان سائدا قبل عام 2011، وهو الأساس لأمن وسلامة واستقرار البلدين".

وبحسب علوش، فإن حديث خارجية النظام عن عودة الوضع إلى ما قبل عام 2011، مع العلم بأن التدخل العسكري التركي كان في 2016، يعني أن النظام السوري "مستعد لعودة العلاقات إلى طبيعتها شريطة انخراط تركيا في جهود معالجة الصراع على أساس مبادئ العودة إلى ما قبل عام 2011، وليس مبادئ قرار مجلس الأمن 2254".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع