طرحت قرارات مجلس النواب الليبي المفاجئة حول شرعية
حكومة الدبيبة، وسحب قيادة
الجيش من المجلس الرئاسي، ردود فعل وتساؤلات حول تداعياتها على التسوية السياسية، والعلاقة مع مجلس الدولة، وما إذا كانت الخطوة تمهيدا فعليا لحكومة جديدة.
وصوّت
البرلمان في جلسة الثلاثاء على إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، واعتبار الحكومة المكلفة منه برئاسة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية فقط.
كما صوّت على سحب صفة "القائد الأعلى للجيش" من المجلس الرئاسي، وإعطاء الصفة لرئيس البرلمان،
عقيلة صالح، مبررا أن الأمر جاء إثر مذكرة تقدم بها 50 نائبا من البرلمان طالبوا بذلك، وأن الخطوة صحيحة قانونيا، وجاءت طبقا للإعلان الدستوري، وفق قوله.
ولم يكتف عقيلة صالح الذي قرأ نص القرارات السابقة بذلك، بل دعا إلى إعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية، مؤكدا أنه "لم يضمن في الإعلان الدستوري الذي يعتبر السند لكل السلطات"، موضحا أن المرحلة التمهيدية انتهت بانتهاء المدة المحددة لها.
"حفتر يرحب والدبيبة يرفض"
من جهته، رحب قائد القيادة العامة بشرق البلاد، خليفة حفتر، بخطوة البرلمان بشأن صفة وصلاحيات القائد الأعلى التي يملكها مجلس النواب صاحب الشرعية الدستورية، وهو الجسم السياسي الوحيد المُنتخب من قبل الشعب، وفق قوله.
لكن حكومة الوحدة برئاسة "الدبيبة" سارعت للتعليق على الخطوة، واصفة قرار البرلمان إنهاء ولايتها بأنه "رأي سياسي غير ملزم، ولن يغيّر من الواقع شيئا"، مؤكدة أن الحكومة مستمرة، وأن مهامها لن تنتهي إلا بإجراء انتخابات عامة في البلاد.
في حين رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة المتنازع على رئاسته، خالد المشري، خطوة مجلس النواب بسحب صفة القائد الأعلى للجيش الليبي من المجلس الرئاسي ومنحها لرئاسة البرلمان، واصفا القرار بأنه "قرار باطل"؛ لعدم التوافق بشأنه مع مجلس الدولة، ولمخالفته المادة (12) من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي.
فما تداعيات قرارات مجلس النواب ورئيسه، عقيلة صالح، على المشهد العام والتوافق والانتخابات؟
"تأثير الخطوة على التوافق"
من جانبه، أكد عضو المجلس الأعلى للدولة في
ليبيا، محمد معزب، أن "إلغاء صفة القائد الأعلى للجيش هذه صلاحية موجودة في الاتفاق السياسي الموقع في ديسمبر 2015 في الصخيرات، ولا يستطيع عقيلة صالح أن يلغي هذه الصفة ولا هذا الاختصاص إلا بتوافق تام بين مجلسي النواب والدولة، ثم يتم تعديلها دستوريا، كما أن الجلسة التي اتخذت هذه القرارات لم تصل النصاب القانوني للتصويت، فقد حضر فقط حوالي 40 عضوا".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "المجلس الرئاسي لم يباشر أي اختصاص فيما يتعلق بالقائد الأعلى للجيش، وهي صفة أخذها دون أي فاعلية، ولم يستفد منها أي شيء، فهي مجرد قرارات شكلية وتحصيل حاصل، وفعليا وواقعيا هم لا يمارسون هذه المهمة"، حسب قوله.
وأكد أن "الحكومة في طرابلس ما زالت مستمرة، وما زال معترف بها محليا ودوليا، وتنتهي فقط باتفاق سياسي جديد بين الأطراف المختلفة أو بانتخابات، غير ذلك لا يمكن إنهاء الحكومة، ولا يملك عقيلة منفردا إعفاءها، كما أن تشكيل أي حكومة جديدة لا بد أن يكون عبر حوار سياسي وتوافق تام بين مجلسي النواب والدولة، وهذا لم يتحقق حتى الآن".
وفي تعليقه على ترحيب حفتر بالقرارات، قال معزب: "بالتأكيد حفتر سيرحب بقرار عقيلة؛ لأنه عزز السلطات لديه، على اعتبار أن عقيلة قريب منه وطوع يديه، ويستطيع أن يحصل منه على ما يشاء، وصفة القائد الأعلى رمزية بالنسبة لعقيلة، لكنها في الحقيقة تصب في مصلحة حفتر"، وفق تقديراته.
"قفزة في الهواء ولن تطبق"
في حين رأى مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، شريف عبدالله، أن "قرارات مجلس النواب ورئيسه، عقيلة صالح، هي قرارات مستعجلة وغير مدروسة، وهي قفزة في الهواء؛ كون سحب الثقة من حكومة الدبيبة هو قرار سابق، ولم يكن له فحوى، واستمرت الحكومة، والجديد فقط هو سحب صفة القائد الأعلى من الرئاسي، وهو ردة فعل من عقيلة صالح بعد البيان الذي أصدره رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بصفته القائد الأعلى للجيش بخصوص التحركات العسكرية شرقا وغربا".
وأكد في تصريحه لـ"عربي21"، أن "كل ما يحدث الآن من قرارات وردود فعل عليها هي مناكفات سياسية بين الشرق والغرب، وهو تصعيد غير مسبوق، خاصة بعد ردود الفعل من حكومة الدبيبة ومجلس الدولة، لكن كلها قفزات في الهواء من قبل الجميع، ولن يلتزم أحد بالقرارات ولا يطبقها لا شرقا ولا غربا"، حسب رأيه.
وتابع: "ترحيب حفتر بقرار سحب صفة القائد الأعلى من الرئاسي هو أمر طبيعي، كونه يرى في نفسه أصلا هو القائد الأعلى، وهو الأحق بها، ويرى أنه الفصيل العسكري الوحيد الذي يرى أنه التشكيل المسلح الوحيد الذي له الأحقية في قيادة المؤسسة العسكرية في ليبيا"، كما قال.
"حسابات إقليمية ودولية جديدة"
الأكاديمي الليبي وأستاذ علم الاجتماع السياسي، رمضان بن طاهر، قال من جهته إن "البرلمان قد يرى في هذه الخطوة فرصة لاستعادة الشرعية وإعادة توازن السلطات لصالحه، ما قد يعكس الطموحات السياسية الشخصية لبعض أعضائه في تعزيز نفوذهم، كما لا يستبعد وجود ضغوط خارجية ناتجة عن حسابات إقليمية وسياسية معينة لدفع البرلمان لاتخاذ هذا القرار.
وأشار إلى أنه "من الناحية الأخرى، سيؤدي ذلك إلى تعميق الانقسام والصراع السياسي في ليبيا، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال ردود حكومة الدبيبة والمعارضة التي أبداها عدد من الأطراف الرئيسية في الغرب الليبي على قرارات البرلمان، ومن المؤكد أن هذه التطورات ستؤثر بشكل كبير على المسار السياسي والأمني في البلاد"، كما صرح لـ"عربي21".