وصف مؤسس ورئيس منظمة "رحمة حول العالم"
(أمريكية غير حكومية)، الدكتور شادي ظاظا، تسييس إدخال
المساعدات الإنسانية إلى قطاع
غزة، وربط ذلك بملف صفقة المفاوضات، بأنه "جريمة أخلاقية كبرى في حق الإنسانية".
وقال، في حديث خاص مع "عربي21":
"أهل غزة الأبرياء يدفعون ثمن هذه المخالفات الجسيمة للأعراف الدولية والإنسانية
من أرواحهم وأعمارهم وأبنائهم ومنازلهم، بينما هم لا زالوا ثابتين على أرضهم يطالبون بحقوقهم ويقولون: نحن فقط بحاجة ماسة إلى ما يسد رمقنا"، مطالبا بضرورة "إزالة
جميع العراقيل والصعاب لتسريع عملية إدخال المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة".
وشدّد ظاظا، الذي دخل إلى قطاع غزة عدة مرات
خلال الحرب الراهنة، على أن "الوضع الإنساني في القطاع مُعقّد جدا ولم يسبق له أي مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني –
الإسرائيلي منذ نكبة 1948 في فلسطين، بل لم
يكن بهذه الدرجة الكبيرة من التدهور وعدد الضحايا طوال تاريخ الشعوب الحديث".
وأوضح أنه
"بعد إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر تم تحديد آلية لإدخال بعض المساعدات
إلى غزة عن طريق الأردن بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي عن طريق معبر كرم أبو سالم،
لكن لا يتم تفعيل هذه الآلية في كثير من الأحيان"، موضحا أن "قطاع غزة
أصبح الآن مفصولا بين الشمال والجنوب، بمعنى أن ما يدخل إلى الشمال لا يمكن أن يصل
للجنوب والعكس صحيح".
تفاقم
معاناة غزة
وزاد: "هذه
التقسيمات والإغلاقات المُشدّدة، وأوامر الإخلاء المتكررة، تزيد المشهد تعقيدا وبؤسا
وتفاقم بشدة معاناة الناس داخل غزة، ونحن رصدنا نزوح بعض العائلات 14 مرة خلال أقل
من 11 شهرا منذ بدء العدوان، وهؤلاء النازحون يتنقلون مع أسرهم وأغراضهم من مكان
إلى آخر، لمحاولة البقاء على قيد الحياة وبحثا عن مأوى لهم".
وأكمل:
"العاملون في الشأن الإنساني والإغاثي ربما لم يمر عليهم أبدا مثل هذا الذي
يجري في غزة. هذه ظروف مأساوية جدا وأوضاع بشعة للغاية لا يمكننا وصفها، لكننا لم
ولن نيأس بل سنستمر في عملنا دون كلل أو ملل، ورغم كل العراقيل والتحديات الكبرى
التي تواجه عملنا، وفي الوقت الذي نقر فيه بأنه أصابنا التعب والنصب، نشدّد على
أننا لا نستطيع إيقاف تحركاتنا وجهودنا؛ لأن الوضع الإنساني كارثي بكل المعايير".
وتابع رئيس منظمة "رحمة حول العالم": "نحن نؤمن لأبعد مدى بعدالة القضية الفلسطينية،
ونؤمن بأن هذا الشعب الصامد يستحق العيش على أرضه بحرية وكرامة وعيش كريم، وهدفنا
هو مساعدة الإنسان"، منوها إلى أنهم يعملون على "إعداد شراكات مختلفة مع
منظمات دولية حول العالم من أجل محاولة المساهمة في إنقاذ أهل غزة".
وأضاف:
"المواطن الغزي لا تصله المساعدات المطلوبة وغير قادر على تلبية احتياجاته
بنفسه، خاصة في ظل انهيار القدرات المادية لهم، والمنظمات الإنسانية أصبحت في حالة
عجز ولم يعد بيدها فعل شيء، والناس هناك بحاجة حتى لأبسط الأشياء الضرورية".
واستدرك ظاظا، قائلا:
"رغم أننا كمنظمة أمريكية لدينا بعض الامتيازات في العمل داخل غزة من خلال
تسهيل عملية إيصال المساعدات، لكننا في الوقت ذاته تأثرنا بشكل كبير في ظل
التعقيدات المستمرة بسبب طول أمد هذه الحرب اللعينة".
مشاريع
الأمن الغذائي
وأشار إلى أن
"عدد المستفيدين من خدمات
منظمة رحمة حول العالم في قطاع غزة خلال شهري تموز/
يوليو وآب/ أغسطس الماضيين بلغ 554587 مستفيدا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي
يعاني منها أهل غزة"، مؤكدا أنهم "يعملون في غزة منذ عام 2017، وأنهم
بعد الحرب الحالية بدأوا مباشرة بالاستجابة الطارئة، ثم انتقلوا إلى عملية التشبيك
بين مختلف القطاعات والمؤسسات الفاعلة في قطاع غزة".
وقال:
"نحن ندعم الجهود الدولية والإقليمية في تخفيف المعاناة الإنسانية للأطفال
والنساء من خلال مشاريع الأمن الغذائي التي تقدمها رحمة حول العالم بالتعاون مع
أهم الشركاء الدوليين والمنظمات الأممية، ومن خلال إطلاق مشاريع إنسانية عاجلة في
الدعم المجتمعي والصحة النفسية، وتقديم مشاريع الخيم التعليمية للأطفال
الفلسطينيين للمساهمة في عدم تخلفهم عن السنة الدراسية المقبلة".
ولفت ظاظا إلى أنهم يجهزون حاليا "البعثة الطبية رقم 16 لإرسالها إلى غزة ليصبح
إجمالي الأطباء الذين شاركوا في دعم المنظومة الصحية المُنهارة تماما في غزة 318
طبيبا وممرضا منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة".
كما نوّه رئيس منظمة "رحمة حول العالم"، إلى أن "منظمة رحمة حول العالم" تقوم بتقديم "خدمة المياه الصحية
الصالحة للشرب، وتوزيع السلة الصحية للنظافة الشخصية للعوائل النازحة".
عملية إعادة إعمار غزة
ودعا إلى ضرورة انطلاق عملية إعادة
الإعمار في غزة بشكل مبكر دون الانتظار حتى تنتهي الحرب، ويجب العمل على تقديم
دراسات وتصورات عن عملية إعادة الإعمار، وكذلك عن عملية البدء في مرحلة التعافي
بعد وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أنه اطلع على العديد من التجارب في هذا
الصدد.
وقال ظاظا إن دورهم الآن يتمثل في "تشبيك
وتشجيع الشركاء الدوليين من خلال حركتنا الخارجية بالتنسيق مع الجهات القائمة
والمسؤولة داخل غزة من خلال فريقنا العامل على الأرض"، مُشدّدا على
"ضرورة إيجاد حلول مبتكرة وعملية لعملية إعادة إعمار غزة".
وذكر رئيس منظمة "رحمة حول العالم"، أن "هناك عددا كبيرا من المؤسسات الدولية والمنظمات الأهلية تنتظر الظروف
المناسبة، وتنتظر وقف الحرب، حتى يمكنها المساهمة في إعمار غزة، وبسبب وضعهم
السياسي والسياسة الخارجية لبلدانهم لا يستطيعون التدخل الآن في غزة".
وطالب بمواكبة "كل الجهود وكل
التطورات من أجل تسريع عملية إعادة الإعمار في القريب العاجل، ونسأل الله أن
يُفرّج عن أهل غزة، وأن ينهي هذه الحرب الظالمة، وأن يعود أهلنا النازحون إلى
بيوتهم وبلادهم، وأن نكون عونا لهم ولعوائلهم".
واختتم ظاظا حديثه بالقول: "هناك دول أجنبية تنتظر وقوف الحرب حتى يشاركوا مع
الشركاء ومع العاملين في الأرض بتقديم ما يمكنهم فعله، وهذا أمل واعد، وهناك دائما
مبادرات، وهم جديون في عملية دعم وإعادة إعمار غزة سريعا إن شاء الله".
وتشنّ إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر
2023، حربا مُدمّرة على غزة خلّفت قرابة 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال
ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب
متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير
لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.