أمست
فرنسا تعيش
أزمة سياسية متواصلة بدأت منذ حل الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون للبرلمان وأجرى انتخابات مبكرة، بالتزامن مع حجب الجمعية الوطنية الثقة عن الحكومة المُشكلة.
ويثير حجب الثقة تساؤلات عن المستفيد من هذا القرار، وما هي خيارات الرئيس الفرنسي، خاصة أنه أصر على تكليف شخصية ليست من إحدى الكتل التي حازت على مقاعد أكثر عددا من غيرها.
وتتزامن هذه الأزمة السياسية مع أخرى اقتصادية، حيث ارتفعت توقعات عجز الميزانية لهذا العام من حوالي 5 في المائة إلى أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي.
وسعى رئيس الوزراء ميشال بارنييه إلى تمرير خطة اقتصادية بالارتباط مع التصويت على الثقة، إلا أن مسعاه فشل في ظل الخلاف بين الكتل البرلمانية مع الرئيس ماكرون الذي صدم هذه الكتل بتعيينه شخصا من خارجها كرئيس للوزراء.
رفض جماعي لماكرون
ومن ضمن الأسئلة التي تُثار الآن، من المستفيد من حجب الثقة، هل أقصى اليسار الفائز في
الانتخابات أم أقصى اليمين الذي فاز بانتخابات البرلمان الأوروبي؟
الصحفي المتخصص بالشأن الأوروبي وسام أبو الهيجا قال إن "ظاهر الأزمة التي أطاحت بحكومة بارنييه هو الخلاف حول الميزانية التقشفية لعام 2025، التي حاول رئيس الوزراء الفرنسي أن يقنع بها سيدة فرنسا القوية من اليمين المتطرف مارين لوبان".
وتابع أبو الهيجا في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "أما باطنها فهو رغبة لوبان في استغلال تراجع شعبية الرئيس ماكرون إلى حدها الأدنى وفق آخر الاستطلاعات، والحالة الاقتصادية المتردية في البلاد لخلق فوضى سياسية في فرنسا تجبر الرئيس ماكرون على التنحي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل موعدها المحدد عام 2027".
وأوضح أن "لوبان تأمل في الوصول إلى قصر الإليزيه والحصول على الحصانة الرئاسية قبل نهاية آذار/ مارس القادم، هرباً من الحكم بالسجن وحرمانها من المشاركة في الحياة السياسية في حال إدانتها في قضية اختلاس أموال البرلمان الأوروبي التي تلاحقها".
ويكمل: "أما على الجانب الآخر، فتأمل الكتلة اليسارية في الجمعية الوطنية في أن يؤدي انعدام الفرص أمام الرئيس ماكرون في إيجاد سياسات توافقية بين الكتل الثلاث التي تقود الجمعية الوطنية إلى تنحيه مبكراً، حيث يطمح اليساري المخضرم جان لوك ميلانشون في لوصول إلى قصر الإليزيه بدعم من تحالف اليسار بعد الفوز الكبير الذي حققه في الانتخابات الأخيرة، وهو ما أدركته لوبان حينما دعمت طلب الكتلة اليسارية إجراء تصويت على سحب الثقة من حكومة ميشيل بارنييه.
شخصية توافقية أو حل البرلمان
ولم يعلن الرئيس الفرنسي حتى الآن ما إذا كان سيكلف بارنييه بتصريف أعمال الحكومة أم إنه سيكلف شخصية أخرى بتشكيل حكومة جديدة، ما يطرح تساؤلات عن خيارات ماكرون.
المحلل السياسي حسام شاكر قال: "إن ما حصل هو حدث تاريخي في السياق السياسي الفرنسي، لأنها أول مرة تُسحب فيها الثقة من الحكومة منذ 62عاما، وبلا شك فإن هذا الحدث تجاوز التوقعات، وهو يؤكد أن فرنسا تعيش أزمة سياسية وليس مجرد حدث سياسي عابر".
وأوضح شاكر خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه الأزمة لا تنفك عن مُقدمات واضحة كالتي استدعت من الرئيس الفرنسي ماكرون أن يعلن التوجه إلى انتخابات مبكرة في شهر حزيران الماضي، وإذ بالبرلمان يأتي مجزأ على ثلاثة كتل أساسية تعجز كل منها بمفردها عن تشكيل أغلبية تصويتية وبالتالي تشكلت حكومة أقلية انهارت في أول اختبار لها".
وتابع: "المشكلة الأخرى أن هذا الانهيار الحكومي يأتي مشفوعا بأزمة المديونية الفرنسية، والتي تُمثل مؤشرات تهديدية للاقتصاد الفرنسي إن لم تتدارك القيادة الفرنسية ذلك سريعا وتتخذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها، وتدير حوارا توافقيا بشأنها في الساحة السياسية والمجتمعية.
وحول خيارات ماكرون قال شاكر: "عموما نستطيع القول بأن هذه أزمة سياسية جادة والكرة الآن في ملعب الرئيس الفرنسي وكيف سيتصرف؟ طريقة تصرف الرئيس الفرنسي ثم أيضا كيفية تعامل الكتل البرلمانية مع الحكومة المقبلة ومع ما سيُعرض على البرلمان من مشروعات وقوانين سيكون على المحك، أيضا سيفرض على فرنسا اختبارات جادة".
ولفت إلى أن "الاحتمالات القائمة هي بين تكليف رئيس الوزراء الحالي ميشيل بارنييه بالاستمرار في تصريف الأعمال حتى إشعار آخر، وهذا الخيار سيمثل مشكلة لفرنسا، لأن مجرد تصريف الأعمال لن يجعل الحكومة قادرة على اتخاذ قرار تحتاجه البلاد على وجه السرعة للتعامل مع أزمة المديونية".
وأما الخيار الآخر وفق شاكر، فهو "تكليف شخصية أخرى لرئاسة الحكومة، وهذا ما سيكون الخيار الأرجح والأكثر واقعية، شرط أن تكون هذه الشخصية قادرة على كسب إحدى الكتلتين البرلمانية في أقصى اليمين وأقصى اليسار، حتى تستطيع أن تحظى بثقة البرلمان ويمكنها أن تضمن تعاونه معها".
وتابع: "لكن إن لم تتمكن الشخصية التي سيختارها ماكرون لتولي رئاسة الحكومة من الحصول على ثقة البرلمان، فهذا يعني أنها رسالة موجهة لماكرون ذاته الذي عليه أن يختار بين إما تكرار المحاولة وعقد حوارات أكثر مع القوى السياسية أو أن يلجأ إلى خيار صعب يتعلق بمصيره السياسي أو بمصير البرلمان وبالتالي الذهاب لحل المجلس في حال تعذر تشكيل حكومة".
خيارات محدودة
الصحفي وسام أبو الهيجا يرى أن "الرئيس الفرنسي لا يملك الكثير من الخيارات للتخلص من المأزق السياسي الذي بات يهدد وجوده في الإليزيه بشكل أو بآخر، فهو لا يملك أغلبية برلمانية تمنحه حرية تشكيل الحكومة والمضي بالإصلاحات".
ويعتقد أن "ماكرون سيحاول إيجاد شخصية توافقية لرئاسة الحكومة خلال الفترة القادمة للتعايش مع كتلتي اليمين واليسار في الجمعية الوطنية، كما أن الرئيس الفرنسي لا يملك صلاحية حل البرلمان قبل تموز/ يوليو القادم وفق الدستور".
وتوقع أبو الهيجا أن "يستمر ماكرون بالتجديف نحو بر الأمان بحكومة عرجاء وبميزانية العام السابق دون إصلاحات اقتصادية وخطط تقشفية وديون مرتفعة، حيث تسمح التشريعات الفرنسية للحكومة باستمرار العمل بميزانية العام السابق في حال تعثر إقرار الميزانية الجديدة".
وخلص إلى القول: "لضمان نجاحه في تخطي الأزمة، يحتاج الرئيس ماكرون وكتلته في الجمعية الوطنية إلى توافقات تبدو صعبة المنال مع كتلة اليسار لمواجهة الفخ الذي نصبه اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان".