تقرير: الملاحقة والقمع دفعت الإخوان للعمل السري مرة أخرى- أرشيفية
كتب الباحث في جامعة جورج تاون دانيال بيمان ومديرة مركز "سابان" في واشنطن تمارا كوفمان تقريرا قالا فيه إن "جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة إرهابية، على الأقل حاليا، لكن التحرك لتصنيفها كجماعة إرهابية قد يكون نبوءة تنتظر التحقق".
واستعرض الكاتبان في التقرير الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست الأمريكية" قرار الحكومة المصرية التحرك ضد الجماعة في 24 كانون الأول/ديسمبر عقب تفجير المنصورة، واعتقال قادتها ومصادرة مؤسساتها وجمعياتها الخيرية التي كانت تقدم الخدمات للكثير من الفقراء، إضافة إلى قتل عشرات الإخوان في عمليات الملاحقة والقمع التي تنفذها قوات الأمن ضد مؤيديهم الداعين لعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو الأمر الذي دفع الجماعة مرة أخرى للعمل السري.
ويقول التقرير إن هذا الوضع قد يدفع بعض أعضاء الحركة لتبني خيار العنف، خاصة أن الأطاحة بمحمد مرسي أعطت قوة لخيارات القاعدة التي تعتبر المشاركة السياسية "عملية غادرة"، وترى أن خيار العنف هو الأفضل لتحقيق أهداف المشروع الإسلامي. وقد أدت سياسة الحكومة إلى دفع أتباع تيارين إسلاميين طالما انتقدا بعضهما البعض إلى التلاقي (الإسلام السياسي والتيار الجهادي)، ما يعني أن موجة جديدة من التجنيد للعنف المتطرف قد استفادت من هذه السياسة.
ويقول الكاتبان: "بات مسار مصر اليوم واضحا: إنه يتجه نحو القمع والنزاع وعدم الاستقرار، وهو ما يعني أن تحول الإخوان نحو الراديكالية والتشدد هو مسألة وقت، وأن السؤال المطروح الآن هو "متى" وليس "هل" سيتحول الإخوان للعنف. ويحذر التقرير من أن تداعيات ما حدث في مصر لن تظل مقتصرة على الداخل فقط، بل ستتعداه إلى غزة وليبيا وبقية دول شمال إفريقيا، مشيرا إلى أن هذه التداعيات قد تتضمن تدفق السلاح والمقاتلين على طول الحدود المصرية.
ويضيف الكاتبان إن الاستطلاعات أظهرت تراجعا لشعبية الإخوان في الأيام الاخيرة لحكم مرسي بسبب غياب التقدم في تطوير عجلة الاقتصاد وطريقة إدارة البلاد، لكن من الصعب تحديد عدد داعمي الإخوان اليوم. فإذا أخذنا بعين الإعتبار "أن 13 مليون مواطن انتخبوا مرسي في الجولة الثانية وأن نسبة ما حصل عليه الإخوان من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية هي 35%، فإن هذا يعني أن نسبة داعمي الإخوان قد تراجعت، ولكن بالرغم من هذا التراجع إلا أن من الواضح أن هناك ملايين لا يزالون يدعمون الإخوان في مصر".
ويستعرض التقرير الخطوات التي قام بها قادة الانقلاب من عمليات القمع والملاحقة واعتقال أكثر من 1000 من قادة الحركة على أمل محوها وتصفيتها، مشيرا إلى أن دعوات إدارة أوباما للمصالحة او القرار المتأخر لتعليق المساعدات السنوية لم تترك أي أثر على ما يعتبره أطراف الصراع حربا وجودية على مستقبل مصر.
فقد قدمت السعودية ودول الخليج دعما بالمليارات للنظام الجديد، وهو أكثر بكثير من المعونة الأمريكية، ووعدت هذه الدول بالتصدي لأي نقص في المال، فيما يواجه قادة الإخوان بمن فيهم الرئيس المعزول اتهامات ومحاكم ولا توجد أية إشارة عن محاولة للتصالح أو استقطاب بعض عناصر الإخوان مرة أخرى للعملية السياسية.
ومع أن جماعة الإخوان المعروفة بضبطها وقوة تنظيمها الهيكيلي لم تدع عناصرها لحمل السلاح، لكن هذا الموقف قد يتغير كلما زادت الحكومة من عمليات تجريم الإخوان.
ويرى الباحثان أن الإخوان تجاوزوا وضع استبعادهم في الماضي من العملية السياسية بالتركيز على العمل المدني. ولكن النظام منع الإخوان في هذه المرحلة من كل شيء، وصادر كل أصولهم المالية، حارما الجماعة من منافذ كان يمكن لأعضائها العمل من خلالها. وبناء على ذلك، يرى الباحثان، أن "المصريين الذين دعموا الإخوان أو انضموا إليهم قد يضطرون لحمل السلاح نتيجة لحالة الإحباط من السياسة".
ويشير التقرير إلى أن الجماعات الجهادية، التي عادة ما انتقدت الإخوان لمشاركتهم في انتخابات تتحكم فيها الحكومة، ترى الآن في الانقلاب دليلا على رفض "الأمريكيين وأذنابهم المحليين السماح بازدهار المشروع الإسلامي"، مضيفا أن الإسلاميين في الدول العربية يراقبون ما يجري في مصر ويستخلصون منه الدروس.
وينوه الكاتبان إلى أن أحد مظاهر التهديد الإسلامي والتشدد في مصر هو بناء الظروف لولادة جيل جديد من المتطرفين، سيكون جاهزا للانضمام والدفاع عن قضية الجهاد العالمي.
ويضيف الكاتبان أيضا أن سجن قادة الإخوان ومحاكمتهم قد يضعف قدرتهم على ضبط خلايا الجماعة مما قد يدفع بعضها للتصرف فرديا، وقد يؤدي انخراط جزء صغير من ملايين الإخوان في العنف إلى رد عنيف من الدولة قد يطيل أمد القمع.
ويرى الكاتبان أن تبني خيار العنف ستكون له آثاره على أمن الولايات المتحدة، فقد يندفع المتشددون من الإخوان لسيناء التي تعتبر مصدر توتر الآن وينضمون بقدراتهم وخبراتهم للجماعات العاملة هناك. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة في الهجمات التي قد تطال إسرائيل، أو أمريكا التي يتهمها مناصرو مرسي بدعم الانقلاب عليه.
ويعتقد الكاتبان إن النظام الحالي في مصر منشغل الآن بتثبيت دعائم حكمه وتمتين سيطرته، بينما تركز الولايات المتحدة على استقرار مصر والمنطقة. وفي الوقت الذي لا يمكن للولايات المتحدة منع التشدد في قواعد الإخوان إلا أنها قد تكون قادرة على التخفيف من أثر هذا التشدد على أمنها القومي.
ويدعو الكاتبان والحالة هذه واشنطن للقيام بعدة خطوات: الخطوة الأولى التوضيح لقادة مصر العسكريين أن تحول الإخوان المسلمين الكلي للعنف ليس حتميا. أما الخطوة الثانية فهي ضرورة مواصلة الحوار الأمريكي مع السياسيين الإسلاميين وقادة الرأي من الملتزمين بالسلمية وهذا يشمل قادة الأخوان المسلمين في مصر وحول العالم الإسلامي. والهدف من هذا هو متابعة تطور الحركة والنقاش فيها والدفع نحو التزام واضح منها بخيار اللاعنف. وتأكيد استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع الإسلاميين الذين يعبرون عن التزامهم بالمباديء الديموقراطية.
وفي النهاية يقول الكاتبان إن مصر لديها مشكلة حقيقية مع الإرهاب ومدخل الحكومة المدمر للذات فيما يتعلق بالإخوان يجب أن لا يعمينا عن هذه المشكلة. وبناء على هذا يجب على الولايات المتحدة التأكيد للعسكر في مصر أنهم سيحصلون على دعمها للجهود التي تستهدف راديكاليين يخططون لضرب المواطنين الأمريكيين ومصالحها مثل أمن إسرائيل.
ويضيف الكاتبان إن على واشنطن التأكيد انها لا ترى كل الإسلاميين راديكاليين أو أن التهديدات الإسلامية هي في مستوى واحد من الأولوية. وعلى الولايات المتحدة توسيع جهودها الأمنية والتشارك المعلوماتي حول المتشددين الإسلاميين، كما ويجب عليها التعاون أمنيا مع مصر والدول العربية لمواجهة التشدد وليس فقط مكافحة الإرهاب. وأخيرا يجب أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على السلطات المصرية للإفراج عن السياسيين الإسلاميين الملتزمين باللاعنف، والسماح للأحزاب ذات المدى الواسع من الآراء الإسلامية التشكل والتنافس.
ويختتم التقرير بالقول إن جماعة الإخوان قد تتحول لصورة باهتة عما كانت عليه في الماضي، وبدون وسائل سلمية للمشاركة في تشكيل مستقبل البلاد فسيشعر ملايين المصريين ممن يدعمون الجماعة أن لا مكان لهم في بناء المستقبل، مما قد يدفع البعض منهم للبحث عن سبل لتمزيقه.