بورتريه

محمد دحلان.. حروب بالوكالة

محمد دحلان
 أينما حل تلاحقه علامات الاستفهام والتعجب ولائحة طويلة من الاتهامات.

تاريخه المثير للجدل و للغضب أحيانا، لا يحمل اللون الرمادي، إما أبيض أو أسود، كما ذهب الفنان نظيم شعراوي في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة".

 فهو عند أعوانه مناضل وقائد ومستقبل فلسطين، وعند أعدائه قاتل وفاسد وعميل لـ"إسرائيل".

وذات مساء قال وزير العدل الإسرائيلي الأسبق يوسي لبيد: "نتطلع إلى أن يتولى دحلان قيادة السلطة في غزة ويكون قادراً على ضرب حماس والجهاد، لكن يتوجب علينا ألا نقوم بمعانقة دحلان عناق الدببة، حتى لا تظهر حركته كما لو أنها كانت فيلماً إسرائيلياً". 

لكن علاقة دحلان مع غزة وعدوه اللدود "حماس" كانت أكثر تعقيدا من طموح دحلان السياسي، فقد خسرت قوات الأمن بقيادته معركة مختصرة مع "حماس" عام 2007. وعززت تلك الهزيمة الشرخ السياسي في فلسطين، وتركت حكومتين واحدة تديرها "حماس" في غزة وأخرى يديرها محمود عباس في الضفة وكانت تلك الهزيمة لدحلان أكبر وصمة في سجله.

كان على دحلان، أن يواجه الانتقادات من مناضلي " فتح" التي اتهمته بالمسؤولية عن أحداث غزة.. سيل جارف من التوبيخ، أكثرها عمقا في العظم تصريحات مستشار رئيس السلطة الفلسطينية الإعلامي آنذاك نبيل عمرو الذي قال إن فتح: "أعطت غزة مقاولة لمحمد دحلان ليفعل ما يريد.. النتيجة كانت فوز حماس". أما عضو اللجنة المركزية لـ" فتح " هاني الحسن، فقد قال بأنه يجب "التخلص من دحلان" وكل ما أسماهم ب"المتورطين والمتساوقين مع المشروع الأميركي". 

 أدرك دحلان ومعه محمود عباس بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بأن مرحلة قديمة قد طويت، وأن صفحة جديدة ستفتح، فعملا لتحديد معالم المرحلة الجديدة، وحاول دحلان تقديم نفسه كممثل لجيل الشاب في"فتح" ومناهضا للحرس القديم في الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني (يناير) 2006، وتمكن من الفوز بمقعد في المجلس التشريعي عن دائرة خان يونس، التي فاز بباقي مقاعدها مرشحو "حماس" التي سمحت لدحلان بالفوز في معقلها. 

وبعد تشكيل "حماس" للحكومة، وتعثرها نتيجة الحصار الدولي، تعهد دحلان بأن يجعلها "ترقص على واحدة ونصف" حسب تعبيره، وأخذ ينظم صفوف "فتح" في قطاع غزة لمواجهة ما وصفها "عصابة حماس"، لكنه ترك جنوده في غزة وذهب إلى رام الله لإدارة معركته مع "حماس" التي دفعته إلى "الرقص على الوحدة ونص".

وواصل إدارة معركته مع "حماس" وذهب في حديث لمجلة "نيوزويك" في آب/ أغسطس 2004 إلى القول أن "غزة يمكن أن تكون مثل كابول ويمكن أن تكون مثل دبي"، مضيفا :" علينا أن نغير كل شيء". 

لم يخف كراهيته لقادة "حماس" وذهب الشهيد عبد العزيز الرنتيسي بعد نجاته من محاولة الاغتيال الأولى في حزيران/ يونيو 2003 إلى اتهام دحلان شخصيا بهذه المحاولة، دحلان لم يُخفِ عداءه للرنتيسي، حيث هاجمه أكثر من مرة في تصريحاته، وقال عنه في اجتماع لرجال الأعمال في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2002: "الرنتيسي هذا رأس الفتنة المتحركة، يظنّ نفسه الملا عمر".. 

  ومما قاله أيضاً في محادثة هاتفية مع الصحفي جهاد الخازن نشرها في صحيفة الحياة اللندنية في زاويته "عيون وآذان" في تشرين الأول/ أكتوبر 2002، أنه مستعد لإرسال عشرة رجال لقتل عبد العزيز الرنتيسي ومن ثم يقوم باعتقالهم، وقد أكد الخازن في تموز/ يوليو 2004 صحة هذه المحادثة، وأن دحلان هدّد فعلا بقتل الرنتيسي. دحلان ينفي هذه الرواية على لسان الخازن.

هذه الحادثة أكدت ما ذهبت إليه التحقيقات التي قامت بها شرطة دبي إلى أن الفلسطينيين أحمد حسنين وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية، وأنور شحيبر ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، المتورطين في عملية اغتيال القيادي في "حماس" محمود المبحوح كانا يتبعان للموساد، وأن الاثنين يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة للعقيد دحلان الذي حاول التوسط لدى السلطات في دبي للإفراج عن عميلي الموساد ولكن طلبه جوبه بالرفض، دحلان ينفي هذه الرواية أيضا.

صعد محمد يوسف شاكر دحلان، المولود في مخيم خان يونس، بغزة عام 1961، وأصلا من قرية حمامة، سلم المناصب في "فتح" بسرعة مدهشة.

بدأ دحلان الطفل ينضج في ظل واقع نكسة حرب حزيران (يونيو) 1967 وساعد على تشكل ميوله الوطنية هذا التوجه أن أخواله قد قضوا على أيدي القوات الإسرائيلية ما بين عامي 1969 – 1971 وكان عمه قد سبقهم وقتل عام 1947 الشيء نفسه الذي جعل من علاقة هذه الأسرة مع الاحتلال علاقةً عدائية شخصية وثأرية.

لم يكن يبلغ سن الـ19 من العمر، عندما حزم حقيبته واتجه إلى مصر، للالتحاق بكلية التربية الرياضية بين عامي 1979-1980. 

و ما أن وصل الطالب دحلان للقاهرة، حتى بدأ في التعرف على الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية، دون أن يدري أن هؤلاء الطلاب سيأخذونه فيما بعد إلى لقاء مع أحد كوادر " فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، فذهب معهم وإذ به يجلس ليس ببعيد عن الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، وبدأ حينها الاهتمام والتحول الحقيقي له نحو السياسة والانتماء، قرر بعدها العودة إلى قطاع غزة، والعمل في خان يونس بعد أن انتمى " فتح".

وقبض عليه من قبل الاحتلال وقضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية في الفترة ما بين عامي 1981-1986 قبل ترحيله إلى الأردن عام 1988.

مبكرا ارتمى في حضن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ظروف غامضة حين نفته تل أبيب خارج فلسطين، فوجد نفسه، في رعاية أبو عمار، الذي قربه إليه. 

وخلال مفاوضات أوسلو 1993، اطلع بدور غير واضح المعالم في المفاوضات الأمنية، وروى رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يعقوب بيري، في مذكراته، أنه هو من اختار دحلان وزميله جبريل الرجوب ليكونا المسؤولين الأمنيين في الطرف الفلسطيني، وأنه اقنع اسحق رابين بذلك.

اختارته السلطة الفلسطينية عضوا في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بدءا من مفاوضات القاهرة عام 1994، ومرورًا بمفاوضات طابا والمفاوضات على إطلاق سراح الأسرى. و "واي ريفر" و"كامب ديفيد الثانية " وانتهاءً بقيادته للمفاوضات التي أفضت إلى ما يسمى بـ"بروتوكول العبور والحركة" في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد تطبيق خطة الإخلاء الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1995.

كُلف دحلان عام 1994 بتأسيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، وهو الجهاز المتهم بشكل مباشر بممارسة التعذيب ضد معارضي "أوسلو" مثل أبناء "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وقد أقر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زئيف بويم بمسؤولية "رجال" دحلان عن قتل أربعين من معارضيه في لقاء سٌجل عام 2004. وفقا لموقع (الجزيرة نت).

 واجه حملة عنيفة من الفصائل الفلسطينية بعد توليه رئاسة جهاز الأمن الوقائي تتهمه بالفساد المستشري في المجتمع الفلسطيني، وحاول كبح جماح الفصائل الفلسطينية التي تسيطر على الشارع الفلسطيني، مطبقاً اتفاقات "أوسلو" بالتعاون مع "إسرائيل" من أجل الحد من المقاومة عبر التنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

عام 1997 نُشرت تقارير عما عرف بفضيحة "معبر كارني" عندما تم الكشف أن 40% من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم المعبر والمقدرة بمليون شيكل إسرائيلي شهريا كانت تحول لحساب "سلطة المعابر الوطنية الفلسطينية" التي اتضح فيما بعد أنها حساب شخصي لمدير جهاز الأمن الوقائي في حينه دحلان، وفقا لادعاءات من أطراف عدة.

 لعب الدور الأبرز في إسقاط نظام عرفات و عمل على تهميشه بسبب تمتعه بتأييد "إسرائيل" التي كانت معنية بنقل السيطرة في غزة إلى دحلان، عوضا عن انتقالها إلى "حماس" أو أية جهة أخرى يكلفها عرفات.

وفي 5 نوفمبر 2001 كانت المرحلة الفاصلة سياسيا في حياة دحلان حيث قدم استقالته للحكومة الفلسطينية من منصبه كمسؤول للأمن الوقائي الفلسطيني ولكن هذه الاستقالة رفضت من قبل الرئيس عرفات مما أدى إلى نشوب خلاف بين الطرفين.

وفي صيف 2000، اصطحب أبو عمار، دحلان، معه إلى مفاوضات كامب ديفيد التي أراد منها بيل كلينتون، أن يضع "حلولاً" للقضية الفلسطينية، وعندما عاد من أميركا، أخذ يتحدث بلهجة منفرة و"قليلة أدب" عن أبو عمار. وبدأ ينتقد أبو عمار علانية وبمباركة إسرائيلية.
 وبدأت الحرب الصامتة بين دحلان وعرفات، عندما رفض الرئيس الفلسطيني في البداية مطلب أبو مازن بتعيين دحلان وزيرا للأمن الداخلي في حكومته التي شكلها في أيار/ مايو2003، لكن مع إصرار أبو مازن ووصول الأمر لحد الأزمة وافق عرفات على هذا المطلب.

ورغم تقلد دحلان وزارة الأمن الداخلي فقد باتت هناك حالة من القطيعة بينه وبين عرفات، حيث لم يلتقيا لمدة 6 أشهر تقريبًا بعد تقلده هذا المنصب. 

غادر فلسطين إلى مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة عام 2010، وبقيت علاقاته بعباس وببعض قيادات "فتح"متوترة تركد أحيانا ثم ما تلبث أن تشتعل نارها. 

وبدأ الصراع المرير بين عباس ودحلان في غالبه شخصيا، ولكنه يعكس أيضا الخلل في "فتح" التي تشلها الصراعات الداخلية وعدم استعداد عباس لتقبل الانتقاد. 

وجاء تصاعد حدة التراشق الإعلامي والتلاسن بين عباس ودحلان، ليكون الفصل الأخير في المواجهة الأخيرة بين الطرفين بعد الهجوم الشديد الذي شنه عباس على دحلان، ولمح لمسؤوليته عن وفاة عرفات، فضلا عن الهجوم على المستشار الرئاسي السابق خالد إسلام، والمفاوض والوزير السابق حسن عصفور، واتهم ثلاثتهم ضمنا بـ"التخابر" لصالح "إسرائيل"، وضلوع دحلان في اغتيال القيادي في حماس صلاح شحادة عام 2002.


وألمح رئيس السلطة إلى معلومات تضمنها التحقيق حول علاقات دحلان بقيادات إسرائيلية وتخابره مع "إسرائيل"، منها وجود خلية تابعة له تتجسس على "حزب الله" في الجنوب اللبناني، وأخرى في سيناء للتجسس على "حماس".

في المقابل، أعلن دحلان حربًا مفتوحة علنية على عباس، معلنا أنه سيكشف ملابسات اغتيال عرفات قريبًا، في تلميح منه إلى ضلوع عباس في الأمر.

وأطلق دحلان وعدا في تصريح له على صفحته في "فيسبوك" بأن يكشف لماذا أطلق أبو عمار لقب "كرزاي فلسطين على عباس".

واعتبر دحلان خطاب عباس الأخير "وصمة عار في تاريخ حركة فتح، وقد أهان الحركة ودمرها ولا يمثلها وهو مسكين لا يعرف سوى المفاوضات، ويعلم أنه وأبناءه مجموعة من اللصوص".

وطالب بتشكيل لجنة تحقيق "لفحص سلامة عباس النفسية والعقلية والمهنية".

وعلى مسافة من هذا التراشق الكلامي والردح، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أخيرا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أوفد المحامي يتسحاق مولخو مبعوثا عنه إلى دبي للقاء دحلان. وذلك "توطئة لاحتمال اعتزال عباس منصبه. وانه بإمكان دحلان أن يكون شريكا لعملية السلام بخلاف عباس"، وفقا للصحيفة.

ويتهم كثيرون دحلان بتآمره على العديد من الدول العربية ووضع المخططات الانقلابية في مصر وليبيا وتونس واليمن بصفته المستشار الأمني لولي العهد محمد بن زايد.. ويتهم أيضا بأنه وراء تحريك عناصر جهادية في سيناء.

الاتهامات المنسوبة له اتهامات كبيرة وخطيرة وربما تكون أكبر من قدرته وسلطته، وربما يكون بعضها نكاية وكيدية، لكن كما يقال "لا دخان من غير نار" فالرجل يجهز لمرحلة ما بعد عباس، ولأمر ما أجهز عباس ودحلان على ما تبقى من قيمة معنوية للقضية الفلسطينية في الوجدان العربي بموجة الردح الأخيرة.