كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" البريطانية عن اختفاء مئات
المصريين الذين عذبوا وسجنوا وحرموا من الإجراءات القضائية المناسبة في سجون النظام المصري لعبد الفتاح السيسي.
وفي مقابلات مع ناشطين ومحامين وسجناء سابقين وعائلات المفقودين كشف باتريك كينغزلي مراسل الصحيفة في القاهرة عن الكيفية التي نقل فيها المعتقلون من منذ تموز/ يوليو 2013 معصوبي العيون لسجن أزولي ومن ثم اختفوا بدون أثر.
ولا يزال هناك 400 شخص معتقلين في
سجون سرية ويتعرضون للتعذيب وبعيدا عن الإجراءات القضائية في ظروف تصفها منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) "اضطهادا لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث".
ويقول التقرير إن السجناء في سجن أزولي يتعرضون للصعق الكهربائي ويعلقون عراة مقيدة أيديهم لساعات طويلة حتى يقدموا المعلومات المناسبة، ولم تعد الاعترافات الجاهزة مفيدة للمحققين.
ويعتبر السجناء في السجون السرية جزءا من 16.000 معتقل سياسي تم اعتقالهم منذ الصيف الماضي بعد الانقلاب، ولكن ما يجعل الألف سجين في أزولي مختلفين هو أنهم سجناء بدون معرفة القضاء بهم ولا يوجد محامون يترافعون عنهم أو محاكم تدرس أوراقهم. ويقول أيمن الذي كان مسجونا في أزولي "رسميا أنت لست هناك"، و"ليس مثل السجناء العادية ولا توجد سجلات فيه وإذا مت هناك فلن يعرف عنك أحد".
ولا يرى سجن أزولي من الخارج أو يمكن للمدنيين التعرف عليه لأنه يقع في قلب ثكنة
عسكرية كبيرة للجيش المصري الثاني في الإسماعيلية، شمال- شرق القاهرة، ولكن هناك المئات ممن يعرفون ما يجري في الطابق الثالث والطوابق العليا حيث يتم حجز السجناء في زنازين صغيرة.
وبحسب ثلاثة من المعتقلين السابقين الذي تمت مقابلة كل واحد منهم على حدة فمعظم سجناء أزولي هم من السلفيين المتهمين بالضلوع أو بمعرفة الهجمات التي حدثت بعد الهجوم على مؤيدي مرسي في معسكري رابعة والنهضة في آب/ أغسطس 2013. وهناك قلة من المعتقلين ممن ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، أما البقية فهم طلاب شاركوا في التظاهرات، وهناك طفل بين المعتقلين وصحافي.
ونقل التقرير عن محمد المسيري، الباحث في منظمة أمنستي "معظمهم اعتقلوا بطريقة عشوائية أو بناء على أدلة بسيطة، وبعدها قامت المخابرات باستخدام
التعذيب كي تكشف عن تورطهم في العنف".
وبالنسبة لخالد، الناشط الشاب، بدأ التعذيب في اللحظة التي وصل فيها للمعسكر، ويقول إنه تعرض للضرب وضرب بالعصي الكهربائية، وقام بالعمل جنود ورجال شرطة عسكرية في غرف مغلقة قبل أن ينقل بالسيارة لأزولي "استخدموا آلتين كهربائيتين"، و "أحضر فوطة وغرقوها بالماء ووضعوها على وجهي لمنعي من التنفس، فيما استمر الجنود بضربي، وبعد أربع ساعات من التعذيب كانت ملابسي قد تمزقت، وتورم وجهي ولم أعد قادرا على فتح عينيي، وأصبت بجرح غائر في فكي كان كافيا ليضع الجندي إصبعه فيه". وفي الطريق لأزولي حشره الجنود تحت مقعد كرسي مقيد اليدين في وضع سبب له الألم أكثر مما عاناه في الشهور التالية.
وفي أزولي وضع في الطابق الثالث مباشرة، حيث يتم اعتقال السجناء غير المسجلين.
وتحدث ناجيان من أزولي عن التعذيب فيه، حيث قالا إنهما استقبلا بالتعذيب من "لجنة الترحيب" وهم جنود "قاموا بعصب عيوننا عندما وصلنا السجن"، ويقول أيمن "اخذوا كل متعلقاتنا، وأحزمته وملابسه وأي شيء يشبه الحبل والدواء أيضا، وبعد ذلك صفونا أمام الجدار وبدؤوا يضربوننا بالعصي وأنابيب المياه وقبضات أيديهم واستمر التعذيب لمدة 10 دقائق"، وبعد ذلك وضعوهم في صفوف وأمروهم بالمشي نحو الطابق الثالث، واستمروا بضربهم في الممر.
وفي الطابق الثالث حيث أزاحوا العصائب عن عيونهم واستمروا بالضرب. وقال إن مسؤول العنبر واسمه جاد في الطابق الثالث استمر في إطلاق التهديدات ضدهم "أي شخص ينظر من النافذة او يحدث صوتا فسنضربكم"، وبعد ذلك "ضربونا على الوجه ثم وضعونا في الزنزانة".
ويقول التقرير إن الطوابق السفلية في المبنى كانت تستخدم لسجن الجنود الذين تعرضوا لمحاكم عسكرية، ولكن منذ تموز/ يوليو استخدم الطابق الثالث الذي يحتوي على عدة زنازين يمكن أن يسجن في كل واحدة منها ما بين 23- 28 سجينا، وفي المجمل يمكن أن تستوعب معا حوالي 300 سجين بل أكثر.
وتقول منظمة أمنستي أن 20 شخصا أطلق سراحهم فيما "ظهر" عدد آخر من جديد في سجون مدنية، ووجهت لهم تهم بالقيام بعمليات إرهابية، بناء على تهم انتزعت منهم.
ويشير التقرير إن التعذيب والتحقيق يجري في مبنى مختلف عن سجن أزولي، ويعرف باسم "أس-1" ولا يبعد إلا دقائق عن سجن أزولي. ويتم نقل 10 سجناء يوميا لهذا المكان للتحقيق معهم. ومن يذهب هنا يتعرض لحفلة تعذيب ويطلب منه عصب عينيه حيث ينقل لمركز التحقيق هذا وينتظر على كراسي خشبية حتى يطلب منه الدخول للغرفة.
ويتذكر خالد عندما طلب منه الدخول للغرفة كيف ظل المحقق يلعب بولاعة السجائر لعدة دقائق قبل أن يوجه له أسئلة عن المنظمة ونشاطاته "ثم بدأ التعذيب حيث استخدمت صعقات كهربائية على كل جزء من جسمي، ثم نادى الضابط الشرطي العسكري وطلب منه نزع ملابسي، وأخذت خارج الغرفة ونزعت كل ملابسي باستثناء سروالي الداخلي، وطلب مني الشرطي التعري كاملا فقلت لا، ثم أخذت مرة أخرى للضابط وبدأت أقدم له أسماء وشعر أنني أكذب عليه، ونادى الجندي مرة أخرى وطلب منه تعريتي، وبدأ باستخدام العصا الكهربائية في كل نقطة من جسدي خاصة الأجزاء الحساسة".
ويقول خالد إنه علق ويداه مقيدتان بعلاقة نافذة لمدة ساعتين ونصف، أعيد بعدها للزنزانة.
وقدم آخران نفس التفاصيل عن تجربة التعذيب مع أن صلاح، وهو شاب في العشرين من عمره قال إنه سمح له بارتداء ملابسه أثناء التعذيب. "سألني الضابط إن كنت أعرف أي شخص على القائمة وإن كذبت فاضرب بالعصا الكهربائية، ومررت على ملابسي وفوق أعضائي الحساسة".
ولا يعرف الثلاثة من عذبهم، ولكنهم يعتقدون أن من حقق معهم هم الأمن العسكري- الجهاز الذي كان يديره عبدالفتاح السيسي قبل تعيينه وزيرا للدفاع عام 2012.
وبحسب المحامي أحمد حلمي الذي دافع عن معتقلي أزولي، فقد تعرض المعتقلون للتعذيب وأجبروا على حفظ اعترافات حول أعمال إرهابية معينة وتم نقلها للسجون الأمنية والتي يطلب فيها منهم تكرار ما حفظوه في أزولي. وأكد معتقلون في السجون المدنية أنهم قابلوا سجناء من أزولي.
وفي حالة تكرار ما قالوه بشكل جيد فـ "سيظهرون" من جديد في السجون المدنية حيث التعذيب أقل وتيرة، كما ويسمح لهم بزيارة من المحامين أو أقاربهم، ولكن كما يقول حلمي "إن لم يحفظوا الاعتراف جيدا ويكرروه كما يريده المحققون فيعادون مرة ثانية لسجن أزولي".
ورافع حلمي عن عدد من الأشخاص الذي نقلوا من أزولي للسجون المدنية وقال "لا يمكن أن تعرف إن ارتكب هؤلاء هذه الجرائم أم لا"، مضيفا: "تحت الضغط والتعذيب يمكن أن تعترف بأي شيء، ومن الواضح أن بعضهم يعترف على شيء لم يفعله".
وتقول والدة أحد المعتقلين إن ابنها عمر قضى أربعة أيام بين التعذيب وغرف التحقيق حتى حفظ الاعتراف المطلوب منه، واعتقدت أنه توفي لأن أي مؤسسة من مؤسسات الدولة لم تعترف بوجوده لديها.
ولم تعرف عن مصيره إلا بعد أن ظهر من جديد في سجن مدني، وتتذكر لقاءهما الأول وكيف لاحظت الجرح على أنفه ورقبته والذي جاء بسبب استخدام آلة حديدية حيث أخبرها بأنهم استخدموا العصي الكهربائية، وهددوه بالاغتصاب وعلقوه من الحبل عاريا، وقال إنهم منعوه من الذهاب للحمام لمدة 6 أيام، وظلت العصابة على عينيه لمدة عشرة أيام".
وأشارت إلى أنه "سألني إن جاء الأمن لزيارتنا لأنهم هدوده باعتقال عائلته، خاصة الإناث واغتصابهن وتصوير العملية وعرضها على الفيديو".
وبالمقارنة مع عمر فالثلاثة الذين قابلتهم "الغارديان" لم يتعرضوا للتعذيب وتم إطلاق سراحهم بعد أن فقد المسؤولون الاهتمام بهم.
ويقارن حلمي بين سجن العقرب سيئ السمعة وأزولي، بالقول إن الأول معروف وخاضع للإجراءات القانونية، أما أزولي فليس واضحا، فهو في قاعدة عسكرية، وعندما نطلب من المدعي المدني التحقيق في قضايا متعلقة به، كان الجواب أنه ليس خاضعا لسلطتهم، وعليه فهو مكان تحقق فيه المخابرات العسكرية بطريقتها. واعترف مسؤول بارز بوجود المعتقل، لكنه لم يرد على أسئلة محددة وجهت إليه عنه.