استعرض محرر الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل في تحليل له، الإثنين، ما أسماها "مفتنة
اليمن بين الشيعة والسنة"، متوقعاً أن تجد الولايات المتحدة نفسها تتعاون مع ميليشيات وقبائل محلية وليس مع الحكومة من اجل تنفيذ سياستها في الحرب ضد "الارهاب".
وقال: "كما حدث في العراق، أفغانستان وفي سوريا، من الممكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها تتعاون مع ميليشيات وقبائل محلية وليس مع الحكومة من أجل تنفيذ سياستها في الحرب ضد الإرهاب".
وأوضح برئيل في تحليله أن "الصراعات الداخلية، وبشكل أساسي الفقر المدقع، من شأنها أن تبرز كحجر عثرة في الصراع المشترك ضد المنظمات الارهابية".
وفيما يلي تحليل برئيل الذي يعبر عن وجهة نظره:
حتى قبل الربيع العربي كان وضع اليمن، الدولة الأفقر في الشرق الأوسط، سيئا، ولكنها الآن تمثل منطقة صراعات بين الشمال والجنوب، بين
الحوثيين والقاعدة، وبين
السعودية وإيران.
في جنوب شبه الجزيرة العربية توجد دولة اسمها اليمن. يعيش فيها حوالي 24 مليون نسمة، نصفهم يعيش تحت خط الفقر. وحوالي 60% من أطفالها يعانون من سوء التغذية، و70% من العائلات تحتاج للمساعدات من الحكومة ومن المنظمات الدولية. هذه هي الدولة الأكثر فقرا في الشرق الأوسط، والتي تقع تحت رادار دول الغرب واهتمامات الإعلام.
ضمن قائمة الدول التي بدأت في التفكك في أعقاب الربيع العربي، تقع اليمن في أسفل هذه القائمة بعد ليبيا وسوريا. وعلى الرغم من وقوعها على محور استراتيجي على مدخل البحر الأحمر، ولها احتياطي نفطي يقدر بحوالي 4 مليار برميل، إلا أنها تعتمد على مساعدات سعودية منذ العام 2012 قيمته 4 مليار دولار. وتفكر السعودية الآن بتقليص هذه المساعدات -التي تذهب بمعظمها لدعم الوقود للمواطنين- القطاع الذي يقبض على عنق اليمن آخذ بالتشدد.
ويدور في الدولة التي يسود فيها نظام مركزي من ناحية نظرية فقط، منذ شهر تموز/ يوليو الماضي ملحمة ملطخة بالدم بين الأقلية الشيعية، والتي تعادل 45% من السكان، وبين الأغلبية السنية. إلا أن هذه ليست حربا دينية، بل حرب سياسية. إنها صراع على الحقوق، على تكافؤ الفرص، وعلى المشاركة في الحكومة والميزانيات.
الشيعة في اليمن ليسوا من شيعة
إيران وليسوا من علويي سوريا. وأغلبهم محسوبون على الطائفة الزيدية، التي هي جناح بعيد عن الشيعة، والتي تعد من قبل الشيعة الإيرانين كتيار منحرف. إلا أنها ايضا ليست حربا بين الطائفة الزيدية -ويرجى عدم الخلط بينها وبين الطائفة الإزيدية الموجودة في العراق التي تلاحق وتذبح من قبل تنظيم الدولة الاسلامية- وبين التيار السني المركزي في اليمن أو التيار الوهابي المتطرف. وأغلبية الزيديين مخلصين لقبيلة الحوثي التي تتمركز في منطقة صعدة شمال اليمن على الحدود السعودية.
وعلى الرغم من أنه بداخل "العائلة" الحوثية نشبت مواجهات عنيفة، ولكن يبدو أنه يسيطر عليهم حاليا من قبل قيادة، عبد الملك الحوثي ابن الـ35 عاما، الذي يقود المعركة الأخيرة ضد السلطة اليمنية. في هذه المعركة يندمج مع الحوثيين، الذين يلقبون حركتهم "داعمي الله"، منظمة القاعدة السنية وحزب المؤتمر الشعبي، والذي هو الحزب الذي سيطر على الدولة والتي عالجت بنفسها الخلاف الشخصي بين الرئيس المقال، علي عبد الله صالح وبين الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي.
وفي إطار الصراع الداخلي تتورط السعودية، التي تقف إلى جانب السلطة، ضد إيران، التي على ما يبدو تدعم وتساعد القوات الحوثية. ويطيرون فوقهم في السماء طائرات بدون طيار مقاتلة تابعة للولايات المتحدة، التي تواصل قصف قواعد تنظيم القاعدة في اليمن. على ضوء ذلك، فإن اليمن تعكس نموذج الدول التي تولدت نتيجة الثورة في الشرق الاوسط. ولكن عمليا فإن اليمن كانت دولة مفككة حتى قبل الثورة. فهي تعتمد على تحالف مجموعة من العشائر، وعلى موافقات تم شراؤها بالمال الوفير، وعلى العداء التاريخي بين الجنوب والشمال.
اليمن، التي أيقظت وميضا من الأمل بعد ثورة الربيع العربي بعد أن تم فيها استبدال للسلطة، تحولت في العام الأخير إلى ساحة قتال متشعب في أعقاب التمرد المسلح للحوثيين الذين نجحوا بسرعة في السيطرة خلال شهر ايلول/ سبتمبر على العاصمة صنعاء وعلى أقاليم كثيرة في الدولة. وفشلت محاولات المصالحة مع الحوثيين أو لإدارة حوار معهم.
الحوثيون أقاموا خلال وقت قصير سلطة موازية للسلطة اليمينة الرسمية -ونصبوا الحواجز في العاصمة، ولهم مؤسسات قضائية خاصة بهم وشرطة مستقلة، إلا أنه وفي نفس الوقت يوجد لهم 6 وزراء يديرون وزارات حكومية رسمية. وهم يسيطرون على نظام الدفاع الجوي- والعديد من كبار الضباط في الجيش اليمني موجودون رهن الاعتقال، وقواعد عسكرية هامة سقطت بأيديهم، وبالأمس قاموا بخطف رئيس المخابرات الداخلية في جهاز الامن السياسي، يحيى المراني، الذي كان يشغل في السابق قائد المخابرات في مقاطعة صعدة، مركز الحوثيين.
اضطرت حكومة اليمن التي أدت اليمين القانونية في بداية شهر تشرين ثان/ أكتوبر وضمت 36 وزيرا، إلى العمل وفقا لتعليمات الحوثيين، الذين طالبوا بفحص مجدد لميزانية الدولة، بعد أن أجبروا رئيس الحكومة على إلغاء أمر تقليص الدعم للوقود الذي دخل حيز التنفيذ في شهر تموز/ يوليو الماضي.
تحول التمرد الذي بدأه الحوثيون في المقاطعات الشمالية، في بداية العام 2004 ضد التمييز العميق الذي عانوا منه، تحول الآن، إلى حركة شعبية واسعة بإمكانها أن تملي على الحكومة مطالب والتي يحيط الشك قدرة موارد الحكومة على تمويلها. وفي المقابل، فإن الحوثيين هم الخصوم الالداء لأعضاء القاعدة في اليمن، وعملوا سويا مع السلطات اليمنية من أجل كبح تأثير التنظيم. ولهذا فإنه ينظر إليهم من قبل الولايات المتحدة كعنصر إيجابي، ولكن في المقابل فإنهم متهمون بأنهم ممثلون لإيران في اليمن، بسبب القرابة الدينية.
ومن هنا ينبع القلق العميق للسعودية ودول الخليج التي تتخوف من تمرد شيعي في مناطقها، على غرار ما حصل في البحرين في العام 2011.
الخوف من التأثير الإيراني تعزز في أعقاب سيطرة الحوثيين بدون مقاومة على ميناء الحديدة، الذي يبعد حوالي 200 كلم، جنوب غرب صنعاء، والذي تستورد اليمن عن طريقه حوالي 70% من احتياجاتها. والسيطرة على مدينة الميناء هذه، منحت الحوثيين منفذا على البحر، والذي عن طريقه بإمكانهم تلقي المساعدات العسكرية من إيران.
على ما يبدو فإن الحوثيين وبشكل مؤقت، لا يعتزمون توسيع سيطرتهم على مضيق باب المندب، وذلك بسبب تواجد أغلبية سنية في المنطقة الجنوبية من اليمن التي تنشط فيها الحركة الوهابية إلى جانب نشطاء من القاعدة. كما ترسو في المنطقة قطع من الاسطول الأميركي، والكندي، والبريطاني والفرنسي التي يمكنها التدخل بالقوة العسكرية من اجل منع سيطرتهم على المضيق.
حتى الآن يحاول الحوثيون الامتناع عن عرض صراعهم كصراع طائفي أو ديني، وحصر صيغة مطالبهم بالبيان الاجتماعي – الاقتصادي، والذي من خلاله تسعى لحماية المهمشين والمحبطين وجزء من موارد الدولة بالعدل وبدون تمييز. كما ينفون بشدة أنهم مدعومون من قبل إيران. ويطالبون بإلغاء تقسيم البلاد إلى أقاليم، هذا التقسيم الذي تقرر في شباط من هذا العام، والذي حسب ادعائهم أنه ينأى عن المناطق النفطية ويسلبهم حقوقهم الطبيعية. كما أوضح الحوثيون أنهم لا يعارضون قرار الامم المتحدة الذي يدعوهم إلى الانسحاب من صنعاء، ولازالة الحواجز التي اقاموها ولإعادة الاسلحة التي سيطروا عليها. وتعهد قادتهم انهم يعتزمون الاستجابة لهذا المطلب، ولكن دون تحديد موعد لذلك.
امتنعت الدول العظمى الغربية، في هذه المرحلة من التدخل بما يدور في اليمن. فالولايات المتحدة التي منحت اليمن منذ العام 2011 حوالي 900 مليون دولار، تنتظر لترى كيف ستتطور السلطة في اليمن التي التحق بها الحوثيون كعنصر رئيسي. والخوف الأميركي هو من فقدان التعاون مع الحكومة اليمنية الجديدة في المعركة ضد تنظيم القاعدة، على ضوء سيطرة الحوثيين على مراكز القوة العسكرية . وفي المقابل، فإنه على ما يبدو فإنه وبسبب قوة الحوثيين وعدائهم لتنظيم القاعدة، والحركات الاسلامية المتطرفة، فمن الممكن أن يكونوا حلفاء فاعلين. وكما حدث في العراق، افغانستان وفي سوريا، من الممكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها تتعاون مع ميليشيات وقبائل محلية وليس مع الحكومة من اجل تنفيذ سياستها في الحرب ضد الارهاب. ولكن، كما في هذه الدول، الصراعات الداخلية، وبشكل اساسي الفقر المدقع، من شأنها ان تبرز كحجر عثرة في الصراع المشترك ضد المنظمات الارهابية.
ومن المشكوك فيه أن تأخذ دولة عظمى أو تحالف على عاتقه وظيفة الراعي الاقتصادي لليمن. فالاهتمام بالعراق وسوريا اكبر، وتشكلان خطرا اكبر. وعلى اليمن الانتظار في الطابور.