من خصائص الحالة "الجهادية"
التونسية، بشقيها القاعدي والداعشي، هو الحث على العمل الارهابي بداعي "الثأر للمرأة المستضعفة". إذ إن انحسار نفوذ التيار خاصة منذ منتصف سنة 2013 والضربات التي تلقاها أدت إلى تركيزه على محور ثأري مفضل للعقلية الذكورية المميزة له.
المفارقة هنا أن التيار السلفي الجهادي الذي يتمحور هاجسه الفقهي والفكري من ضمن ما يتمحور على مبدأ التقليص من الحقوق النسوية ومن ثمة استضعاف المرأة كمكون أساسي للمجتمع يستعمل تحديدا مبدأ "المرأة المستضعفة" كحامل اساسي للعملية التعبوية "الجهادية".
في بيان "كتيبة عقبة بن نافع" (التابعة لـ"تنظيم
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي") لتبني العملية الإرهابية في منطقة بولعابة (محافظة القصرين) يوم 18 شباط/ فبراير الجاري والتي ادت الى استشهاد اربعة من أعوان الحرس الوطني نقرأ في الخاتمة ما يلي: "تأتي هذه العملية النوعية ضمن سلسلة عمليات الثأر لمستضعفي المسلمين وعلى رأسهم شهيدات وادي الليل".
تتم الاشارة هنا الى الحادثة الارهابية عشية الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014 في أحد الضواحي الغربية للعاصمة تونس، والتي تمت فيها لأول مرة مواجهة بين "جهاديات" تونسيات كانوا في خلية متحصنة بأحد المنازل مع أطفالهم بعد الفرار من ملاحقة قوات الأمن على خلفية قتل أحد المواطنين في الجنوب التونسي من قبل أحدهم. انتهت العملية بمصرع شقيقتين أمينة وإيمان العامري المنحدرتان من محافظة توزر والأخيرة زوجة قائد الخلية.
شعار "الثار للمرأة المستضعفة" عنوان دعائي رئيسي ومركزي شديد التواتر في العملية التعبوية "الجهادية" في تونس. ليس الأمر جديدا فأول مجموعة تشكلت بهدف ممارسة الإرهاب بعد الثورة كانت في علاقة مباشرة بهذا الشعار.
"سرية أم يمنى" كان الإسم الذي تواضع عليه العناصر التي شكلت المجموعة المكلفة بالاغتيالات في تونس بين سنتي 2013 و2014، وهي عمليا المجموعة الأهم للجناح المسلح السري لتنظيم "أنصار الشريعة" (عرف الجناح بين اعضائه باسم "كتيبة المتبايعون على الموت"). تعود تسمية "أم يمنى" لزوجة رضا السبتاوي وهو أحد القيادات المحلية في منطقة دوار هيشر (ضاحية غربية للعاصمة) وكان يشتبه فيه في علاقته بتخزين أسلحة في منزله، قبل أن تقتل في عملية الاقتحام بالخطأ زوجته وام ابنته يمنى وذلك يوم 30 ديسمبر 2012.
هناك عمليا "أدبا" كاملا ومتواترا من التعبئة لدى "الجهاديين" في تونس حول مقتل "أم يمنى". أحد اكثر الفيديوات انتشارا بين انصار التيار "الجهادي" في تونس ويتم تبادل نشره خاصة على حسابات تويتر القريبة منهم فيديو يوثق للحالة التي عليها منزل السبتاوي بعد اقتحامه ويركز خاصة على اثار الدماء التي تحيط بقارورة حليب للاطفال (قارورة الرضيعة يمنى على الارجح) واناشيد تعبوية. الفيديو يتم تداوله عادة تحت وسم (هاشتاغ) #تونس_السليبة، والذي يجعل تونس نفسها في شكل المرأة المختطفة والمسلوبة والأهم "الأسيرة".
المحور الثاني الرئيسي في التعبئة التي تستعمل شعار "المرأة المستضعفة" اذا بعد "المرأة الشهيدة"، هو "المرأة الأسيرة"، وخاصة تداول روايات لما يمكن ان تتعرض اليه عند الايقاف. هنا يوجد على تويتر محور خاص لتغريدات في أحيان كثيرة لحسابات تدعي أنها لنساء لهذا الموضوع. في احداها، لحساب باسم "ميعاد" يبدو من تغريداته أنه موالي لداعش وليس القاعدة، نجد رواية لعملية ايقاف لاحد الناشطات في التيار من قبل الأمن التونسي وتتضمن ما وصفه النص بـ"انتهاكات". النص ينتهي بجملة تبدو ما يشبه النجدة المكررة في هذا النوع من النصوص: "أخبرهم ان ثكلى تونس تستغيث". وتعلو التغريدة الجملة التالية: "اللهم مكن لجنود الدولة ليثأروا للعفيفات".
في الاسابيع والاشهر الاخيرة بدى محور "المرأة الأسيرة" يتصاعد بشكل خاص بسبب تعدد الايقافات لناشطات على الإنترنت من التيار حتى انه تم توجيه نداءات بتجنب استعمال الإنترنت لنساء التيار في تونس. أحد الايقافات الاخيرة لفتاة تسمى "أم خباب" نشرت نصا تفصيليا لما حصل لها خلال الإيقاف، ويختتم النص بالإستنجاد لحماية "الثكالى". نص اخر مماثل تم تداوله بكثرة في الاسابيع الاخيرة بعنوان "قصة وعبرة ونداء من حفيدات أهل التوحيد والإباء، للأخت ب. أ. الغريبة" يروي تفاصيل ايقاف فتايتين وما تعرضتا له في احد مراكز الاياقف في العاصمة ويؤكد في الخاتمة على ما يلي: "أمّا رسالتنا للمجاهدين عموما وخليفة المسلمين خصوصا: إنّ هدم تلك الثكنات سابقة الذّكر وتقتيل كلّ من يعمل فيها أمانة في رقابكم ومسؤوليّة نحمّلكم إيّاها أمام ربّ العالمين، فلا ناصر لنا بعد العزيز المقتدر غيركم، فلا تخذلونا وأرونا فيهم يوما يخلع قلوب من يواليهم رعبا."
لكن الشخصية المحورية في "الاسيرات" هي بلا شك فاطمة الزواغي التي كانت تلعب على ما يبدو دورا محوريا في النشاط الافتراضي على الانترت، وتساهم حتى في العمل التنظيمي. الزواغي التي اعتقلها الامن التونسي في شهر اكتوبر 2014 والتي كانت على ما يبدو بعلاقة بالفتاتين التين قتلتا في عملية وادي الليل، طالبة متفوقة في الطب عمرها لا يتجاوز الواحد والعشرين سنة، وكانت متمكنة من الاعلامية مما اهلها ان تلعب دورا قياديا في ظل الفراغ القيادي للتيار. هناك قصص عديدة يرويها انصار التيار حول ما تعرضت اليه الزواغي في الايقاف بما جعلها تمثل نموذجا مفضلا لـ"المرأة الأسيرة".
في الحقيقة ليس من الاستثنائي أن تلعب "جهاديات" تونسيات دورا قياديا في العمل التنظيمي وحتى القتالي. وربما افضل الامثلة على ذلك خارج تونس وتحديدا في احد أهم مراكز
داعش، مدينة الرقة. هناك في احد النزل قرب مقرات الأمن العسكري القديم تقع "كتيبة الخنساء" والتي تتشكل اساسا وفقا لمصادر متقاطعة خاصة من تونسيات وشيشانيات. حسب بعض المصادر الاخبارية فإن قائدة الكتيبة تونسية معروفة باسم "أم ريان". وفقا لذات المصدر "فتحت داعش أيضا باب الانتساب إلى الكتيبة والبيعة لـ أم ريان، ويتم استقطاب العازبات اللواتي يتراوح عمرهن بين 18 و25 سنة؛ مقابل راتب شهري لا يتجاوز 200 دولار بشرط التفرّغ الكامل." ومن مهام الكتيبة "الكشف على النساء المنقبات للتحقق من هوياتهن، وتعقب نساء الرقة في كل حركة وسلوك".
هنا ايضا اصبحت "كتيبة الخنساء" محورا اساسيا لأغلظ انواع الثأر. اذ انه ربما ليس معروفا بشكل واسع ان مكان حرق الطيران الاردني معاذ الكساسبة تم اختياره حسب شهود عيان في مدينة الرقة بعناية. اذ انه يحاذي تماما مقر الكتيبة الذي تعرض لعملية قصف حصلت في اواخر شهر اكتوبر الماضي وانتهت بمقتل حوالي 30 من عضوات الكتيبة.
عموما يجب الانتباه بشكل خاص الى هذه النقطة. بلا شك لا يحتاج العقل المدبر للإرهاب إلى ذرائع لإشاعة الفوضى والتقتيل. هناك اسباب عقائدية وأخرى ظرفية عميقة لذلك. لكن من الواضح أن الجهاز التعبوي للتيار يستعمل بعض التجاوزات او الإدعاء بتجاوزات (لا يمكن التأكد من حدوثها جميعا) لشحذ الرغبة في الثأر والقيام بأشنع أنواع التقتيل لدى المحارب الميداني المسكون بعقلية ذكورية مؤسسة عقائديا، أو خاصة لمن لايزال مترددا ولم يقنتع بعد بالالتحاق بهذه المجموعات. تبدو هذه المنهجية اي التعبئة على قاعدة "الثأر للمرأة المستضعفة" متناسبة بشكل خاص مع وضع التيار الراهن المحاصر والملاحق والذي لا يبدو أنه يجد ما يكفي من الأتباع لتفعيل خطته في الإرهاب الشامل.