أثارت دعوة حملة "مجندة
مصرية" إلى تطوع الفتيات في صفوف
الجيش المصري العديد من علامات الاستفهام، بسبب انتشارها في أوساط المؤيدين للانقلاب العسكري، كما أنها تحظى بتغطية إعلامية وصحفية تعزز الشكوك حول أهدافها ومبرراتها ومصداقيتها.
وتقول حركة "مجندة مصرية" التي نشطت في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر، إنها جمعت 19 ألف استمارة موقعة من الفتيات على مستوى الجمهورية من أجل الالتحاق بالقوات المسلحة، وأنها تلقت وعودا بتعديل القانون الخاص بالتجنيد ليُسمح بدخول الإناث للجيش. وعلى خطى مؤسس حركة تمرد محمود بدر، تشارك شقيقته في الترويج للحملة.
ووصفت منسقة التحالف الثوري لنساء مصر، منال خضر، تلك الدعوات بـ"الزائفة والكاذبة والخداعة للالتفاف على إرداة الشعب المصري من خلال شعارات وعبارات طنانة".
النظام يسوق لنفسه
وقالت خضر في حديث لـ"عربي21": "يحاول النظام التسويق لنفسه في الخارج والداخل من خلال مشاريع وهمية، والترويج عبر وسائل الإعلام الموالية له لمشروع خاسر".
واستنكرت ما أسمته الحملة التي يقودها البعض للمتاجرة ببنات المصريين، وشددت على رفض "حرائر" مصر أن يكن وسيلة للعرض والاستعراض لصالح نظام ديكتاتوري.
وأضافت: "هناك علامات استفهام حول الغرض من هذه الدعوات المشبوهة للانضمام إلى الجيش تحت قيادات تفتقر عقيدتها للمروءة والشهامة والنبل"، بحسب تعبيرها، مشيرة إلى أن "الشواهد على ذلك كثيرة، بدءا من أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، وكشوف العذرية، والاعتداء بوحشية على الفتيات في الجامعات والمسيرات واحتجازهن والتعدي عليهن".
دعوات جوفاء تفتقر للدراسة
بدورها، انتقدت مستشارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عزة كريم، مثل تلك الدعوات المحمومة التي تفتقر للدراسة العلمية والمنهجية، طلبا للشهرة والاستعراض، وفق تقديرها.
وقالت لـ"عربي21": "لا توجد ضرورة تحملنا على قبول هذه الدعوات الجوفاء، فمجتمعنا قادر على تقديم الذكور بما يفوق قدرات أي جيش، فضلا عن اختلاف تكوين الإناث عن الرجال فسيولوجيا وسيكولوجيا"، داعية إلى إعطاء
المرأة فرصا في مجالات أخرى موازية تتناسب مع قدراتها الجسمانية والنفسية التي فطرت عليها".
وحول تداعيات تجنيد الفتيات في الجيش، أوضحت كريم أنه "طالما أن الدعوة مخالفة للطبيعة، فنتائجها ستكون سلبية على الفتاة والمجتمع والجيش، وستفشل لما يعتريها من تكلفة نفسية ومادية، ولا أستبعد وقوع حالات تحرش واغتصاب وحمل داخل المعسكرات ستضعف سمعة الجيش وتنال من مصداقيته"، وفق قولها.
قضية تتجاوز الواقع
أما الناشطة السياسية في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ليلى سويف، فقد رأت أن الطرح ليس له معنى في الوقت الراهن، لأن الجيش لا يقوم في الأصل بالدور الأساسي المنوط به.
وقالت في حديث لـ"عربي21": "الدعوة لتجنيد الفتيات تتخطى الواقع المأساوي الذي نمر به إلى واقع آخر ليس هو قضيتنا، فالصراع من أجل قضايا الحرية والديمقراطية لها الأولوية الآن".
واستنكرت تأييد المجلس القومي للمرأة لهذه الدعوات بينما أعضاؤه من
النساء تجاوزن "سن اليأس". وقالت: "من يريد أن يضحي فليضحي بنفسه وليس بغيره، ومن يريد أن يدفع فليدفع من حر ماله لا من مال الآخرين".
وانتقدت سويف أيضا فكرة
التجنيد الإجباري للذكور، وقالت: "أرفض التجنيد الإجباري لكلا الجنسين، إلا في حالة الحروب ضد أعداء خارجيين، والدفاع عن الوطن، وليس ضد ما يسمى بالإرهاب؛ لأنه يتم تسخير المجندين لدى الجيش في أعمال مدنية بعيدة عن مهام القتال والدفاع".
ورأت أن أسباب تلك الدعوة "قد تكون رغبة حقيقية في المساواة، أو نكاية في أطراف أخرى سببها الاستقطاب السياسي، أو طلبا للشهرة والدعاية، لا أكثر ولا أقل"، وفق تقدير سويف.
التجنيد من حقوق المرأة
في المقابل، شددت المديرة التنفيذية لمركز القاهرة للتنمية، نهال عمران، على حق المرأة "الأصيل" في التجنيد، ودعت إلى عدم استثنائها.
وقالت لـ"عربي21": "لا يمكن الحجر على حقوق المرأة من أجل نزوات الرجل، وينبغي تقبل المرأة في الموقع الذي تريده، وهناك من الفتيات من يتمتعن بمواصفات جسدية قوية، ومؤهلات نفسية تؤهلن للالتحاق بالجيش بقوة"، بحسب قولها.
وطالبت عمران بظهور المرأة المجندة والضابط في المجتمع بشكل تدريجي "من أجل دمجهن في الحياة وتقبل وجودهن بين الناس، ودراسة سلبيات التجربة، والاستفادة من تجارب الآخرين".
الشعور بالزهو والوطنية
من جهته، قال الخبير الاستراتيجي اللواء محي الدين نوح "إن هناك مجندات وضابطات في الجيش المصري يعملن في مواقع تتماشى مع طبيعتهن، كالمستشفيات وبعض الإدارات والأجهزة المختلفة، ولكن ليس كمجندات".
واستدرك قائلا: "لدينا من التقاليد والعادات الشرقية والإسلامية (ما) تتحفظ على مثل هذه الدعوات، لعدم ضرورتها في المرحلة الراهنة".
وعزا أسباب الدعوة إلى الشعور بالزهو والوطنية وحب القوات المسلحة، بالرغم من أنها لا تتماشى مع طبيعة المجتمع، "ولكن لا أستبعد قبول الفتيات في الجيش في مواقع لا تعرضهن للمشقة وبيئة التجنيد القاسية"، على حد تعبيره.
وحذر نوح في في الوقت نفسه من وقوع المجندات فريسة سهلة لـ"الكبت الجنسي" لدى البعض، وقال: "قد يثير تواجدهن غرائز البعض، ويتعرضن إلى أنواع من التحرش الجنسي تثير المشاكل والمتاعب للجيش فيما بعد".
المرأة كائن مستباح في المجتمع
وتقول مديرة مركز مساواة لحقوق الإنسان، إيناس المعصراوي، إن "فكرة تجنيد الفتيات بحاجة إلى منهجية تعتمد على احترام المرأة في الأساس ومنحها حقوقها أولا في المجتمع المدني".
وأضافت: "لا يوجد ما يمنع الفتاة من التجنيد، ولكن السواد الأعظم من النساء لا يوافقن على ذلك، فالمرأة غير ممكنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في مجتمعنا، وتتعرض للتميز والتحرش كأنها كائن مستباح الحقوق والحرمات"، بحسب تعبيرها.
وأشارت إلى غياب ثقافة الرأي الآخر، قائلة: "نحن في مجتمع غير مؤهل لحماية المرأة في الشارع، فكيف بها الحال إذا التحقت بالجيش، مع حقها في ذلك؟ فقد تتعرض لأنواع مختلفة من الانتهاكات، ومن لديه القدرة منهن فعليها خوض غمار التجربة بنفسها".