تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط تجد نفسها بين خيارين أحلاهما مر؛ فهي وسط أنظمة قمعية وجماعات متشددة.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه
"عربي21"، إلى قرية القاع في جنوب
لبنان، التي دخلها الجيش السوري عام 1978، وارتكب فيها انتهاكات، وتمت فيها جرائم قتل. وهو ما يسميه سكان هذه القرية المسيحية بمجزرة عام 1978. واليوم يقف مسيحيو القرية في صف النظام، الذي لاموه على المجزرة.
وتجد الصحيفة أن السبب هو وجود مقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة على المناطق الجبلية التي تفصل بين البلدين. وتقف بين القرية والمقاتلين المتشددين القوات اللبنانية المدعومة من حزب الله اللبناني، الذي يدعم النظام السوري.
وينقل التقرير عن مواطن في القاع قوله: "نعم أفضل النظام السوري على هذه الجماعات الإرهابية، ولكنه خيار بين مرين".
وتبين الصحيفة أنه في ظل غياب الدولة التي كانت توفر الحماية للأقليات، فإن أبناءها يواجهون خيارات صعبة في ظل نزاعات ذات طابع طائفي. ولهذا تقوم بعض الجماعات المسيحية بدعم طرف على آخر، وبعضها تقوم بحمل السلاح.
ويوضح التقرير أنه في
سوريا والعراق يقاتل
المسيحيون إلى جانب
الأكراد ضد
تنظيم الدولة، مع أن الأكراد يحاولون ضم المسيحيين إلى مناطقهم التي يريدون رسم دولتهم عليها.
وتنقل الصحيفة عن الأب القسيس الماروني والباحث في اللاهوت المسيحي فادي ضو، قوله إن نتائج الصراع وآثاره مختلفة على المسيحيين والمسلمين، مع أن الطرفين يعانون من العنف الذي يرتكبه المتطرفون، ففي لبنان يعتمد الشيعة على حزب الله والجماعات الأخرى المدعومة من إيران لحمايتهم، أما السنة، وهم غالبية سكان المنطقة، فيجدون دعما من الجماعات المتشددة.
ويضيف الأب ضو أن المسيحيين في لبنان، الذين كانوا أقوياء، هم اليوم أضعف بعشر مرات مما كانوا عليه في عام 1975. فلا يزال منصب الرئيس الذي يحتله مسيحي من الطائفة المارونية شاغرا منذ عام.
ويفيد التقرير بأنه بالنسبة لمسيحيي لبنان فقد يكررون ما فعلوه مع بداية الحرب الأهلية قبل 40 عاما، وهو تنظيم أنفسهم على شكل مليشيات. ونظرا لضعف الحكومة؛ فإن الخيارات المتوفرة للمسيحيين هناك قليلة، فقد يهاجرون أو يعتمدون في الحماية على حزب الله، أو ينتظرون تدخل القوى الإقليمية لدعم لبنان ومنعه من الانزلاق نحو دوامة حرب طائفية.
وتذكر الصحيفة أن مسيحيين في قرية رأس بعلبك القريبة من القاع، قد نظموا أنفسهم في مليشيات مرتبطة بحزب الله، ويدعون السكان إلى تنظيم أنفسهم من أجل مواجهة المتشددين السنة.
وتورد "ستريت جورنال" أن الجيش اللبناني كان قد اعتقل قائدا سوريا من المعارضة الإسلامية لبشار الأسد العام الماضي، وبعدها هاجم تنظيم الدولة بلدة عرسال ذات الغالبية السنية، وقتل في المواجهات 150 شخصا.
وينقل التقرير، الذي ترجمته
"عربي21"، عن قائد المليشيات المسيحية في بلدة رأس بعلبك، قوله إن من حقه البحث عن ترتيبات أخرى للحماية، ويضيف أن "العالم كله يعرف أن مواقع الجيش اللبناني انهارت أثناء الهجوم على عرسال من المتشددين". لكن قائد الجيش اللبناني جان قهوجي أكد الشهر الماضي أن قواته قادرة بمساعدة من الولايات المتحدة ودول أخرى على حماية لبنان وأراضيه.
ويعتقد بعض المسيحيين في الشرق وقادتهم أن الحكم العلماني، وإن كان شموليا، فإنه يقدم لهم الحماية في منطقة تعاني من النزاعات القبلية والطائفية، وغير مهيأة للنظام الديمقراطي على الطريقة الغربية، بحسب الصحيفة.
وتذكر الصحيفة أن البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية، قد قال: "لا نريد محاضرات من الولايات المتحدة حول الديمقراطية والأخلاق". ويدعم البطريرك إصلاحا ديمقراطيا في سوريا، ولكن ليس من خلال الإطاحة بالأسد.
ويلفت النقرير إلى أن الكثير من الأقباط في مصر دعموا الجيش والجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح رئيسا لمصر بعد انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي. ودعا أسقف الكنيسة القبطية البابا تواضروس الثاني أتباعه للتصويت لصالح السيسي، الذي اعتبره منقذ البلاد.
وتشير الصحيفة إلى أن مديرة المركز القبطي للدراسات الاجتماعية في القاهرة فيفيان فؤاد ترى أن الكثير من الأقباط دعموا السيسي، لكنهم لم يرتاحوا لتدخل البابا في السياسة.
ويذهب التقرير إلى أنه في شمال العراق يواجه المسيحيون الخيارات ذاتها في لبنان، حيث كان مسيحيون، مثل باسم بيلو، يعارضون منطقة الحكم الذاتي للأكراد، وقبل وصول تنظيم الدولة كان الأكراد يسيطرون على سهول نينوى، ويحظون بدعم من القساوسة والساسة، الذين فضلوا حكمهم على بغداد.
وتختم "ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن بعد تهجير تنظيم الدولة لمعظم المسيحيين فقد لجأوا إلى مناطق الأكراد، ويقاتل رجالهم إلى جانب قوات البيشمركة. ويقول بيلو إن وضعهم "مثل من وقعت عليه صخرة، اليوم العدو هو تنظيم الدولة، ولكنني أعرف أن الأكراد سيسيطرون على مناطقنا".