نشرت صحيفة "هافنغتون بوست" الناطقة بالفرنسية، تقريرا حول أبعاد التعديل الوزاري المفاجئ الذي أعلنه العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وتأثيره على مراكز السلطة في العائلة المالكة، وعلى السياسة
السعودية في المستقبل.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن سلمان بن عبدالعزيز، الذي أصبح في 23 من كانون الثاني/ يناير 2015 ملكا للسعودية، أجرى في 29 نيسان/ أبريل الماضي
تعديلات وزارية، تعكس رغبته في تسير المملكة بطريقة مختلفة تماما عن التي اعتمدها سلفه الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
واعتبرت أن السرعة التي أجرى بها الملك هذه التعديلات، من خلال تعيين محمد بن نايف وليا للعهد، بالإضافة لتوليه وزارة الداخلية، وتعيين ابنه محمد بن سلمان، وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع، كانت مفاجئة لكثير من الملاحظين، وعكست توجهات جديدة في السياسة السعودية.
ولاحظت أن هذين الأميرين ينحدران من فرع
السديريين، الفرع الأقوى داخل عائلة آل سعود، وذكرت أن محمد بن نايف يبلغ 55 سنة من العمر، وقد بنى سمعته كرجل أمن وأمان؛ من خلال قضائه على الخلايا "الإرهابية" خلال سنوات الألفين، أما محمد بن سلمان فهو يبلغ من العمر 34 سنة، وليست لديه أي تجربة سياسية؛ باستثناء مرافقته والده.
واعتبرت أن هذين الأميرين اللذين كانا أبرز المستفيدين من التعديل الوزاري، يمثلان الخط الجديد في النظام الملكي السعودي، مشيرة إلى أن محمد بن نايف حقق صعوده لمنصب ولي العهد على حساب الأمير مقرن، الحليف السابق للملك عبدالله، الذي لم يمكث في هذا المنصب أكثر من ثلاثة أشهر. أما محمد بن سلمان، ولي ولي العهد؛ فقد ترك موقعه في رئاسة الديوان الملكي ولكنه حافظ على بقية مناصبه.
وبحسب الصحيفة؛ فإن هذه القرارات الاستراتيجية ستمكن من تضييق دائرة اتخاذ القرار في المملكة، وتسليم زمام الأمور لمجموعة محدودة العدد من بين أعضاء العائلة المالكة؛ هي مجموعة السديريين. كما أن طريقة وسرعة التغيير تعكس القطيعة مع الطرق التقليدية في الحكم، التي تعتمد على التوافق وأخذ القرار برويّة، بعد أن تميزت فترة حكم الملك عبدالله بإدارة بطيئة للأمور، بسبب عدم انتمائه لفرع قوي من العائلة، وعدم وجود أي إخوة أشقاء له، ما جعله يصنع لنفسه نظام تحالفات معقد لصد نفوذ السديريين، الذين عمل على إضعاف مراكزهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه.
ورأت الصحيفة أن هذه
التغييرات المفاجئة يكمن اعتبارها "أخذا بالثأر" من طرف السديريين، ولكن يمكن أيضا اعتبارها "مجرد رغبة في ضخ دماء شابة، وتسليم المشعل للجيل الجديد، بالنظر للتحديات الداخلية والإقليمية الهائلة التي تواجهها المملكة اليوم".
وقالت إن أكثر ما لفت الانتباه في التعديلات الجديدة؛ هو الحضور القوي للكفاءات المستقلة أو "التكنوقراط"، في خطط وزراء أو وزراء دولة، مقارنة بحضور أبناء العائلة المالكة، "فمن جملة 22 حقيبة وزارية، تم إسناد 18 للكفاءات المستقلة، وإسناد 4 فقط لأمراء آل سعود، منها المناصب التي يشغلها محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ووزارة الحرس الوطني التي حافظ عليها الأمير متعب، ابن الملك الراحل عبد الله".
ولاحظت أن أربعة من أصل خمسة وزارات دولة؛ تم إسنادها لكفاءات، بالإضافة لتعويض الأمير سعود الفيصل، الذي بقي على رأس وزارة الشؤون الخارجية لمدة 40 سنة، بالسفير السابق للمملكة في واشنطن، عادل الجبير، الذي أثبت كفاءته خلال السنوات الماضية.
واعتبرت الصحيفة أن تواصل الأجيال الذي تمثله هذه التغييرات، يمثل مرحلة هامة في التاريخ السياسي للمملكة، كما أنه يأتي ضمن استراتيجية مرسومة بعناية من قبل السديريين، وخاصة
الملك سلمان والأميرين، لإرساء نظام حكم مضيق يقتصر على الأمراء المنتمين لهذا الفرع من العائلة، ويعتمد على مجموعة من الكفاءات المستقلة لضمان الفعالية والنجاح.
وذكرت أن الملك الراحل عبدالله قام بعدة خطوات تدريجية لجعل طريقة أخذ القرار أكثر انفتاحا، ولكن بعد ثلاثة أشهر فقط من حكم الملك سلمان؛ يبدو التوجه واضحا نحو الانفراد بالحكم من قبل تحالف يريد إقصاء جزء كبير من العائلة، ويضع حوله كفاءات مستقلة مجبرة على تنفيذ أوامر الثلاثي الحاكم؛ الملك وولي عهده وابنه.
وذهبت إلى أن صعود السديريين وإستراتيجيتهم الجديدة في التعويل على الكفاءات؛ تحتاج إلى دراسة معمقة، بالنظر إلى تزامن ذلك مع سياق اقتصادي صعب، سببه تناقص عائدات النفط، والفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت أن تاريخ الإعلان عن التعديلات الوزارية لم يكن من باب الصدفة، إذ إن الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان كثفا من ظهورهما الإعلامي في الفترة الأخيرة، لتقديم نفسيهما كأبرز الوجوه الشابة في الجيل الثالث من أبناء آل سعود، والاستفادة من المشاعر الوطنية التي تلت الإعلان عن انطلاق عاصفة الحزم، لصد تقدم المليشيات الحوثية المدعومة من إيران في اليمن. "وبينما يحتدم الصراع في المنطقة ويتزايد النفوذ الإيراني، يسعى الأميران لتجسيد صورة الأمن والسيادة، اللذين تحتاجهما المملكة لضمان الاستقرار".
ولكن رأت الصحيفة أن هذا الرهان على الملف الأمني لكسب شعبية؛ يعد سلاحا ذا حدين، فمن جهة يبدو الصراع الذي تورطت فيه الرياض باليمن بعيدا عن نهايته، والجميع يعلم أن استمراره يهدد استقرار المملكة، ومن جهة أخرى ينتظر أغلب السعوديين حلولا للمشاكل الاجتماعية قبل المسائل الأمنية.
وتساءلت عما إذا كان هذا التحالف الثلاثي الجديد في قصر آل سعود هدفه بكل بساطة ضمان مصالح السديريين وتقوية نفوذهم، كما يتهمهم البعض، أم أنه يهدف بالفعل إلى القيام بإصلاحات جذرية وواسعة لممارسة الحكم بأكثر فعالية ونجاعة، بالتعاون مع الكفاءات المستقلة التي خرجت من رحم المجتمع المدني، والتي رأت الصحيفة أنها "قادرة بلا شك على الاستجابة لانتظارات المجتمع السعودي الذي تبلغ أعمار 70 بالمئة منه أقل من 30 سنة، وتساوره مخاوف عديدة حول مستقبله".