رغم هجرة محمد إلى سوريا "للجهاد" مع مقاتلي
تنظيم الدولة منذ أشهر.. فإنه لم ينقطع الاتصال بينه وبين صديقه عبد الله.
قال محمد -وهو طالب عمره 20 عاما- إن عبد الله صديق طفولته ورفيق سنوات دراسته الأولى يتصل به من حين لآخر ليقنعه بضرورة الالتحاق بالتنظيم "ويصور لي أن هؤلاء على حق وأن الحياة التي يعيشونها هناك مثالية لكل مسلم".
وأضاف: "حتى لما ارتكبت داعش مؤخرا عدة فظائع بررها، وقال قد تكون أخطاء ارتكبها بعض الجنود كما في كل حرب... لا تثق بما يصوره الإعلام من مغالطات".
عبد الله (22 عاما)، كما يقول محمد جاره في المضيق الواقع بضواحي تطوان على بعد 340 كيلومترا شمالي الرباط، ترك الدراسة في المرحلة الإعدادية "وكان يعاني ظروفا اقتصادية واجتماعية جمة".
لم يفاجأ محمد بالتحاق عبد الله بتنظيم متشدد، نظرا لما بدا عليه في السنوات الأخيرة من علامات تدين شديدة الوضوح ومساندته الدائمة للجماعات المتطرفة.
ويقول حقوقيون إن ثلث المغاربة الذين التحقوا بتنظيم الدولة هم من منطقة الشمال، خاصة من مدينة تطوان وضواحيها.
وفي آذار/ مارس الماضي أعلنت السلطات
المغربية أن 1354 مغربيا يحاربون في صفوف جماعات مسلحة في سوريا والعراق، اعتقل منهم 220 عند عودتهم إلى المغرب وقتل 286 آخرون.
وقالت السلطات إن التنظيم يضم أيضا نحو 158 امرأة مغربية و135 طفلا.
ويقاتل مئات من المغرب ودول أخرى بشمال أفريقيا مثل تونس والجزائر، إلى جانب فصائل إسلامية في سوريا. ويقول خبراء في مجال الأمن إن بعض هؤلاء بدأوا يعودون إلى بلادهم ويشكلون ساحة قتال جديدة.
وقال محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، وهي منظمة محلية غير حكومية، إن عدد الملتحقين بتنظيم الدولة من مدينة تطوان ونواحيها كان نحو 35 ملتحقا في الشهر خلال عام 2013، لكن العدد تراجع إلى 13 في الثلاثة الأشهر الأولى من العام الحالي.
وتابع قائلا، إن عدد المنضمين تراجع بسبب "فضح الإعلام لوحشية الجرائم التي ارتكبها التنظيم".
لكنه أضاف: "مدينة تطوان رغم ذلك تعتبر بؤرة تصدير ثلث المقاتلين المغاربة إلى سوريا والعراق منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، إلا أن العدد تراجع بسبب مجهودات السلطات المغربية لتفكيك خلايا إرهابية وتنسيقها مع السلطات الإسبانية"، حيث تنشط خلايا أيضا في مدينة سبتة المتاخمة لتطوان.
وتقول السلطات المغربية إنها فككت أكثر من 130 خلية إرهابية منذ التفجيرات الانتحارية التي شهدتها الدار البيضاء في 2003.
وتشير نتائج بحث ميداني أنجزه مرصد الشمال لحقوق الإنسان في كانون الأول/ ديسمبر الماضي حول مقاتلي سوريا والعراق المنحدرين من شمال المغرب، إلى أن أغلب المنضمين إلى تنظيم الدولة من أبناء المنطقة هم من الفئة العمرية بين 15 و25 عاما، وأنهم في الغالب من الطبقة الفقيرة ومن ذوي المستوى التعليمي المتدني مع وجود بعض الاستثناءات.
وقال بن عيسى: "
الاستبداد والفساد يغذي هجرة الشباب إلى داعش أيضا"، مشيرا إلى أن الأمر لا يقتصر على الدوافع الدينية وحسب، وإنما أيضا على "أسباب دنيوية كتحقيق الذات والبحث عن البطولة والمغامرة مقابل الجهاد ونصرة المستضعفين".
يضيف أن ما يبثه المقاتلون من شمال المغرب على شبكات التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو "يظهر رغد العيش الذي ينعم به ‘المجاهدون‘، وهو من بين محفزات الشباب للالتحاق أيضا".
وهو يرى أن عقود التهميش التي عانتها المنطقة وأبناؤها وراء هجرة عدد من الشباب للقتال في سوريا والعراق بحثا عن حياة أفضل.
ورفض مسؤولون بوزارة الداخلية المغربية التعليق.
ويقول محمد بن علي، وهو ناشط حقوقي من المنطقة، إنه يشعر بالذنب لأنه ثنى عددا من أصدقائه عن الهجرة إلى أوروبا في أواخر التسعينيات "بحجة أن المستقبل هنا وليس في الخارج لكن الضبابية تلف مستقبلنا".
وعانت منطقة شمال المغرب سنوات من التهميش وغياب المشاريع التنموية وضعف البنية التحتية بسبب عوامل سياسية وتاريخية. وتنتشر بالمنطقة مختلف أنشطة التهريب بحكم قربها من سبتة ومليلية الخاضعتين للنفوذ الإسباني.
ويقول محمد حلحول، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة بجهة المضيق ضواحي تطوان: "مع ضيق فرص الشغل والتنمية لا يجد أبناء المنطقة بدا من الهجرة للقتال في العراق وسوريا".
وفي انفعال شديد، عبر أحد أبناء المنطقة اكتفى بذكر الحرف الأول من اسمه (ن)، عن استعداده للانضمام لتنظيم الدولة مثلما فعل عدد من أبناء المنطقة بسبب "ضيق العيش".
(ن) سبق وأن اعتقل في قضية متاجرة في "كميات صغيرة" من المخدرات بحسب روايته، وقال إنه لما خرج من السجن منذ أربعة أعوام تزوج ورزق بطفل وأراد أن يبدأ "حياة حلالا بإيجاد عمل نزيه" يعيل به عائلته، لكنه فشل.
ويقول إنه تقدم بطلب استخراج رخصة لقيادة سيارة أجرة، لكنه قوبل بالرفض والعراقيل بحجة أن له سوابق.
وقال مصدر أمني لـ"رويترز": "احتياطات منح رخص القيادة لأصحاب السوابق العدلية واجبة". ونفى أن تكون هناك أي محسوبيات في منح الرخص.
قال حلحول: "في الماضي كانت الهجرة لمعانقة الفردوس الأوروبي.. لكن بعد الأزمة التي ضربت أوروبا اتجهت الأنظار إلى داعش لأنها تمثل لعدد منهم الفردوس الحقيقي الذي لا يرتبط بالدنيا ونعيمها المؤقت برأيهم".