سيطرت حالة من الحزن والخوف من المجهول على عدد من
الكتاب المصريين، في
الذكرى الثانية لمظاهرات 30 حزيران/ يونيو، التي استغلها العسكر تكئة للقيام بانقلابهم في الثالث من تموز/ يوليو 2013، وهو ما عبروا عنه في مقالاتهم التي نشروها في عدد من الصحف المصرية بهذه المناسبة.
وشكا هؤلاء الكتاب من أن الدولة لم تستكمل مؤسساتها، وأن التصورات غائبة، والسياسة منحاة، والدستور معلق، مؤكدين أن إعادة أوضاع البلاد إلى ما كانت عليه في 2010 سيقود البلاد لنتائج مريرة، لأن تلك الأوضاع هي ذاتها التي أخذت البلاد إلى ثورة 25 يناير 2011.
وطن يعني "حزن"
هذا ما عنون به حسام السكري مقاله في "الشروق"، مبديا اندهاشه من اختفاء نائلة عمارة من شاشات التليفزيون، وهي التي شاركت في إجراء حوار مع المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي منذ أكثر من عام، وسألته: يعنى إيه كلمة وطن؟ فأجاب: وطن يعني حضن!
ومشيرا إلى الانتهاكات التي وقعت خلال عهد السيسي سخر من أن "الوطن فتح ذراعيه، فاحتضن مبارك وولديه، بعد أن احتضن قبلهما سوزان التي غابت في حضنه، فلم يسمع عنها أو بها أحد منذ قامت ثورة يناير. كما احتضن أحمد عز، وحبيب العادلي، وغيرهم كثيرون".
وأضاف السكري: "لكن الوطن الكريم بأحضانه أحيانا، كان ضنينا على 269 مصريا وثقت حالاتهم المفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي أعلنت أنهم حصيلة القتلى في أماكن الاحتجاز على مدى
عامين منذ الثلاثين من يونيو عام 2013.
ولم يكن الوطن حضنا للعشرات من الضحايا الذين وثق حالاتهم مركز النديم لمكافحة التعذيب.. وضاق الحضن عن البائع المتجول الذي انتشر مقطع فيديو له، وهو يحاول أن يدافع عن رزقه.
ولم يتسع الحضن للطالب بيتر جلال الذي بدأ يفقد نور عينيه داخل السجن، كما لم يكن أيضا حضنا
للشاب محمود حسين الذي قضى نحو عامين في السجون، لأنه جرؤ على ارتداء تي شيرت يحمل عبارة "وطن بلا تعذيب".
كما لم يكن حضنا للمصور الصحفي شوكان الذي قاربت مدة احتجازه عامين دون جرم واضح سوى ممارسته لوظيفته.
واختتم السكرى مقاله بقوله: لو قدر للزمن أن يعود، ولنائلة عمارة أن تكرر سؤالها: يعني إيه كلمة وطن، فربما تكون الإجابة الأدق: وطن يعني حزن".
ماذا تبقى من 30 يونيو؟
هكذا تساءل أحمد عبد ربه في مقاله بجريدة الشروق، أيضا، قائلا: كانت اللحظة الأولى لاختطاف يونيو وتحويل مسارها يوم 3 يوليو، الالتفاف حول المطلب الرئيسي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتحول إلى عزل مباشر للرئيس دون استفتاء.
ثم كانت الخطوة الثانية للقضاء على يونيو في الدعوة التي أطلقها وزير الدفاع آنذاك، الفريق عبد الفتاح السيسي، لتفويض الجيش للقضاء على الإرهاب، لتخلى مسؤولية القيادات من أي مسؤولية سياسية أو جنائية لما تبع التفويض من أحداث عنف.
ومع فض الاعتصامات في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقوة، لم يكن هناك مجال أبدا للحديث عن يونيو، فالقتل الجماعي، والفاشية، وإماتة الضمائر، والانتهاكات الفجة لحقوق الإنسان، أنهت السياسة، وفتحت الباب للعنف والإرهاب، والدخول في دوامات لا منتهية من سفك الدماء الذي طال الجميع للأسف.
وأضاف: "كانت الخطوة اللاحقة هي مناداة وزير الدفاع بالترشح لرئاسة الجمهورية، استجابة لما سماه في حينها "استدعاء الشعب"، بحجة أنه "مرشح الضرورة"، بمثابة تأكيد أنه لا مستقبل للدولة المدنية في مصر، وأننا مقبلون على حكم عسكري بالفعل".
وخلص عبد ربه للقول: "يونيو أصبحت من التاريخ، ونحن الآن نعيش في ظل نظام 26 يوليو 2013 (يوم التفويض). هذا النظام رهانه الكبير هو الحفاظ على ثقة المفوضين (الشعب) فيمن قاموا بتفويضه (الرئيس/ النظام)، وهذه الثقة بدورها رهينة إنجازات النظام اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، فهل يستطيع تحقيق هذه الإنجازات في وقت قليل، وبالتالي ستتحدد فرص النظام في البقاء بقواعد لعبة 26 يوليو ذاتها، أو إحداث تغييرات جذرية في المعادلة!".
أسئلة الدولة المأزومة
هذا ما أكده عبد الله السناوي، المقرب من السيسي، في مقاله بجريدة "الشروق"، مقرا بأن مفهوم الدولة ذاته مأزوم، وأنه لا يمكن الادعاء أن لدينا دولة مدنية ديمقراطية حديثة على ما طلبت (30) يونيو.
وأضاف: نحن بعيدون تماما عن هذا الطلب الشعبي الذي سجله دستور (2014)، وفق قوله.
وتابع: أشباح الدولة البوليسية حاضرة على المشهد، وهذه ردة للخلف لم تتعلم شيئا من الدروس القاسية.. إهدار القيم الدستورية في إدارة الدولة ينذر بغياب أية قواعد حديثة، وهذه ردة أخرى لا تحتمل للبناء الوطني كله.
واستطرد: الاصطفاف يصنعه التنوع لا القهر، وتصوغه دولة العدالة لا دولة الأمن.. الدولة البوليسية عبء لا يحتمل في الحرب مع الإرهاب فالغطاء الشعبي لا يمكن الوثوق به إذا لم تصن كرامات الناس، ويعتدل ميزان العدالة.
وخلص السناوي إلى القول: "لا يمكن بأي حال أن تستمر الأوضاع الحالية على ما هي عليه، الدولة لم تستكمل مؤسساتها، والنظام الجديد لم يعلن عن خياراته ورجاله، والتصورات غائبة، والسياسة منحاة، والدستور معلق.. ما تحتاجه مصر أن تعلن الدولة قوة حضورها وفق قيم عصرها، أن تقنع مواطنيها أن القانون يحكمها، والعدل سيفها".
أزمة "30 يونيو" في ذكراها الثانية
هذا هو التوصيف الذي اختاره الإعلامي الموالي للسيسي، "ياسر عبد العزيز" لحال "30 يونيو"، بأنها "أزمة"، في مقاله بهذا العنوان، بجريدة "المصري اليوم".
وقال عبد العزيز: "في حال قرر بعض القائمين على مسار "30 يونيو" الانفراد به، وتحويله إلى عملية سياسية إقصائية تعيد بناء دولة مبارك، وتتغول على "ثورة يناير" باعتبارها "مؤامرة"، فإن النتائج ستكون مريرة".
وحذر من أن إعادة أوضاع البلاد إلى ما كانت عليه في 2010 لا يمكن أن تكون هدفا قابلا للتحقق والنجاح والاستمرار، لأن تلك الأوضاع ذاتها هي التي أخذت البلاد إلى ثورة في يناير 2011، على حد قوله.
عامان على ثورة 30 يونيو
هذا ما عنون به هاني رسلان مقاله بجريدة "المصري اليوم"، الذي رأى فيه أن 30 يونيو أصبحت في الوقت الحالي محل تنازع ومثار شد وجذب بين تيارات عدة في الداخل.
واعتبر أن "30 يونيو" لم تقدم حتى الآن المشروع البديل الذي يعتمد على الشعب كفاعل لا يمكن تجاهله، وليس إعادة إنتاج أوضاع ما قبل يناير وكأنه لم يحدث شيء"، وفق قوله.