رأى معهد واشنطن أن السلفيين
المصريين "أعادوا تصنيف الأحزاب السياسية كوسيلة لتسويق معتقداتهم، بعد أن كانت محرّمة في المبادئ السلفية، إذ إنها لم تكن قائمة في زمن النبي محمد، وبالتالي هي محرّمة وفق العقيدة السلفية التقليدية".
وحول سلوكيات وتصرفات السلفيين المصريين السياسية، كتب الخبير في تاريخ وفكر الحركات السلفية يعقوب أوليدروت، قائلا: "تختلف آراء الأحزاب السلفية في مصر حول التخندق بشكل أوثق مع النظام العسكري العلماني، وذلك لضمان بقائها، وهي خطوة ستؤدي إلى المساومة على عقائدها وولاءاتها لجماعات إسلامية محلية أخرى".
ورأى الباحث الذي نشر تقريره على الموقع الالكتروني لمعهد واشنطن أنه "لكي تنال الأحزاب السلفية مصداقية تجاه كل من نظام
السيسي والناخبين المصريين، ينبغي عليها أن تثبت أنها تمثل مصالحهم، حتى لو كانت تتعارض مع جوانب من الفكر السلفي أو قد تؤدي إلى عزلها عن باقي الأحزاب الإسلامية".
وبالإشارة إلى وجود جدل داخلي بين الأحزاب السلفية المصرية حول موضوع المصالح والأفكار، ذهب الكاتب أوليدروت بالقول إنه "يمكن إدراج الجدل الداخلي الحالي بين الجماعات السلفية اللاعنفية في مصر في سياق إقليمي أوسع وأقدم عهدا، فنظرا إلى التقارب الإيديولوجي بينها وبين «داعش»، الذي يُعرف أيضا باسم تنظيم «الدولة الإسلامية»، من غير المستغرب أن تكون هذه الجماعات قلقة بشأن مراقبة الدولة المتزايدة لأنشطتها، كما حدث في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، عندما تم جمعها مع السلفيين الجهاديين باعتبارهم يشكلون خطرا يهدد الاستقرار، وكونهم مصادر للإرهاب بسبب رؤيتهم المشتركة مع تنظيم «القاعدة» فيما يتعلق بالتعاليم الدينية".
وفي ذكر بعض الأحزاب السلفية البارزة التي لها نشاط على أرض الواقع، قال الباحث: "يبدو حتى الآن أن حزب النور، الذي هو أبرز جماعة سلفية في مصر، الأكثر نجاحا في بناء شراكة مع حكومة السيسي لحماية نفسه، ففي 3 تموز/ يوليو 2013، افترق حزب النور عن جماعة
الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي السائد، باصطفافه إلى جانب السيسي في إطاحته برئيس البلاد محمد مرسي".
وواصل أوليدروت في تقريره: "منذ ذلك الحين، أظهر حزب النور نفسه تدريجيا حليفا للسيسي، سواء في توفير خدمات أفضل للمصريين، أو في مساعدة الحكومة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية التي يطرحها الجهاديون بشكل عام وتنظيم الدولة الإسلامية بشكل خاص".
واعتبر أنه "إلى جانب رغبته في البقاء في ظل نظام السيسي، يرتبط الاستشراف العملي لحزب النور بتعزيز التحالف الأمني الإقليمي بين المملكة العربية السعودية -راعيه الأساسي- ومصر"
وتابع التقرير ذكر أمثلة من الأحزاب السلفية في حركتها المتغيرة، حيث تطرق إلى حزب الوطن الذي أُنشئ في كانون الثاني/ يناير 2013 من قبل العضو المؤسس لحزب النور عماد عبد الغفور، الذي انشق عن حزب النور بسبب رفضه التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين خلال العام الذي قضته في السلطة.
ورأى أن الحزب "استمر في سعيه لكسب هوية وقاعدة ناخبين مميزتين، ليس فقط عبر تقديم نفسه حزبا إسلاميا، بل أيضا ممثلا للشعب المصري".
ولفت أوليدروت إلى أنه "على الجانب الآخر من الطيف السياسي يقف حزب الأصالة، الذي، مَثَله كمثل حزب النور، أُنشئ بعد انتفاضات عام 2011، ولكن على عكس حزبي النور و الوطن، يؤيد حزب الأصالة جماعة الإخوان المسلمين، ويدعو جهارا للإطاحة بالسيسي".
ونوه أوليدروت أن الحزب "انتقد دعم السعودية لعملية الإطاحة بمرسي عام 2013، ووصفها بأنها انقلاب، كما أن اجتماعات الحزب وتظاهراته تتمحور حول عزل الرئيس الحالي من منصبه".
ويعتقد الكاتب، من خلال تقريره ومراقبته لسلوك الأحزاب السلفية المصرية السياسية، أن عاملين داخليين وآخرين خارجيين يقفان وراء المواقف واسعة التباين لهذه الأحزاب السياسية السلفية التي تلتزم بالإيديولوجية ذاتها المتزمتة عقائديا".
وأشار إلى أن "العامل الداخلي الأول، هو أن المواقف السياسية ليست مبنية دائما على العقيدة. على الرغم من أن أسس السلفية، لا سيما فيما يتعلق بالقانون والعقيدة، لا تقبل المساومة في الواقع -وهي بمثابة الأساس الذي يعتمد عليه
السلفيون لتبرير تكفيرهم للشيعة، والأحمديين، وبعض الجماعات غير السلفية- إلا أن المواقف السياسية للجماعات السلفية تختلف إلى حد كبير، ولا تستند دائما على العقيدة".
أما العامل الداخلي الثاني، بحسب الكاتب، فهو "المواقف السياسية المبنية غالبا على مبدأ البقاء، لا على العقيدة. فإن الحسابات السياسية للأحزاب السلفية، على المستويين المحلي والإقليمي، ليست مبنية في الغالب على العقيدة السلفية أو القانون السلفي في حد ذاته، بل على الموقف الذي يضمن بقاء الجماعة السلفية، وبالتالي القدرة على تحويل باقي المسلمين إلى المذهب السلفي.
وفي الميدان السياسي، لا سيما نظرا إلى موقف السيسي العدائي ضد الإسلاموية، عادة ما تعني هذه المقاربة اتخاذ جميع الخطوات التي تؤدي إلى حصول هذه الأحزاب على عدد أكبر من الأصوات، وبالتالي التقرب بصورة أكثر من الحكومة".
وفي الحديث عن العامل الخارجي الأول، أشار الكاتب إلى أنه "يتكيف السلفيون مع المتغيرات المحلية والإقليمية ويستجيبون لها. على الرغم من التزاماتهم العقائدية والقانونية، يستجيب السلفيون بشكل مدهش إلى التغيرات المحلية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص إلى الأعمال التي يرتكبها الجهاديون، نظرا لأن التيارين يتشاركان الجذور الإيديولوجية ذاتها. فالجهات السلفية التي نجحت في المحافظة على مصداقيتها وقاعدة ناخبيها أفلحت في ذلك، ليس بسبب مواقف أيديولوجية متشددة، بل بفضل قدرتها على التكيف سياسيا، تلك القدرة التي تسمح لها بفهم مصالح أتباعها والبيئة المحلية والاستجابة لكليهما".
وفي ختام ذكره للعوامل، ذكر الكاتب أوليدروت العامل الخارجي الثاني، الذي هو عبارة عن "سياسات المملكة العربية السعودية وقطر وتصريحاتهما مهمة، ولكن ذلك لا يعود دائما لأسباب أيديولوجية. في الوقت الذي تستجيب فيه المواقف السياسية السلفية في بلد معيّن، وإلى حد كبير، إلى المجتمعات المحلية، فإنها تعتمد أيضا على المناورات السياسية لقطر والمملكة العربية السعودية.".
إلى ذلك، ختم التقرير سطوره بالقول: "يجب أن يأخذ المرء في عين الاعتبار بأن التموضع السياسي السعودي والقطري ليس فقط ضروريا لفهم ديناميات الجماعات السلفية المصرية وغيرها من الحركات السلفية، بل بالإضافة إلى ذلك، لأن ردود الفعل السلفية على السياسات السعودية والقطرية مرتبطة عادة بهوية الجماعة التي يدعمها كل بلد، بدلا من التشابه الأيديولوجي المحض فقط".