كتاب عربي 21

"كلابشات صلاح دياب"!

1300x600
في مصر يطلقون عليه "الكلابش"، وهو مفرد "كلابشات"، و يقصدون به القيد الحديدي، الذي أعطى القانون لرجال الشرطة الحق في وضعه في يد المتهم، المقبوض عليه، لمنعه من الفرار، فصار يُستخدم في بعض الحالات للإهانة والحط من القدر والاعتبار.

وعندما شاهدت رجل الأعمال المصري "صلاح دياب"، عقب إلقاء القبض عليه، وفي يديه "الكلابشات"، قلت هذا الفيلم شاهدته قبل ذلك. وهو ما قلته عندما قرأت قبل يومين من واقعة القبض عليه، خبر التحفظ على أمواله وآخرين، بتهم الفساد، وسط تصفيق من أنصار السيسي، ومن وجدوا في الخبر فرصة ليعيدوا تقديم زعيمهم للرأي العام، على أنه الرجل القوي الذي يواجه الفساد، ويتصدى للمفسدين الكبار، وقد دغدغوا مشاعر البسطاء بذلك، كما دغدغوا مشاعر من يرون أن كل رجل أعمال فاسد، وكل غني يجوز أن يصلب في جذوع النخل، وكلما أهين، أسعدت إهانته هذا "الصنف من البشر".

يعمل بعض الصحفيين في صحيفة "المصري اليوم"، التي يعد "دياب"، هو صاحب الحصة الأكبر في رأس مالها، (80 %)، وعند أول أزمة يعلن الصحفي المختلف أنه رجل أعمال فاسد، وأنه يمارس التطبيع مع إسرائيل، وقد يعود مرة أخرى للعمل فيقفز على كل ما قال، ومن الذين كانوا يكتبون في المصري اليوم، وتقرر الاستغناء عن خدماتهم لسبب أو لآخر، من كانوا جزءا من "الزفة المنصوبة" عقب القبض عليه، فالسيسي يحارب الفساد، وهتفوا "اضرب يا سيسي"، وهو الأمر الذي دفعني للقول، إن هذا الفيلم أيضا شاهدته قبل ذلك.

لا علاقة لي بـ "صلاح دياب"، ولم يحدث أن التقيته قبل ذلك، كما لم يسبق لي العمل في "المصري اليوم"، وليس في يده من دنيا أريدها، وأنا في موقف المعادي للانقلاب الذي يحكم مصر. وكل ما بيننا هو اتصال هاتفي يتيم، بعد أن ذكرت اسمه في برنامج "سكرتير التحرير" على قناة "الجزيرة مباشر مصر"، قبل إغلاقها، وكان ذلك بمناسبة التعليق على خبر يخص وزارة البترول، منشور في جريدة "المصري اليوم"، وتحدثت بالشائع عنه، وقلت إن مؤسس الصحيفة على علاقة "بيزنس" بالوزارة. وفي اتصاله الهاتفي نفى هذا تماما، ولا أملك الدليل على صحة ما يثار، لكني على يقين بأن معظم رجال الأعمال كانوا جزءا من الفساد الذي أسس له نظام مبارك، ومع هذا فعندما تم التحفظ على أمواله، بقرار من جهاز الكسب غير المشروع، لم أرتح لما جرى، وقلت هذا الفيلم شاهدته قبل ذلك.

فمبارك، هو من وظف قضية التصدي للفساد في سياق النيل من الخصوم والتشهير بهم، وبدأ حكمه بذلك وانتهى به، وقد استخدم أعوانه هذه القضايا للفتك بخصومهم، فرجل الأعمال بمدينة نصر "فوزي السيد"، سعى أحد الكبار في نظام مبارك لابتزازه، ولكنه رفض الخضوع لهذا الابتزاز، فتم إلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، بتهم الفساد، وأطلقت عليه الصحف "حوت مدينة نصر"، وقد كان صاحب شركة للإسكان تخصصت في بناء العمارات في هذه المنطقة، ولم تكن عمارة واحدة من عماراته، مخالفة للمواصفات، كما لا توجد شكوى بأنه مارس النصب على مشتر لديه، ولا توجد شكوى أنه تأخر في تسليم الوحدات للحاجزين، أو باع الوحدة الواحدة لأكثر من مشتر، أو قام بزيادة السعر عند التسليم غير المتفق عليه عند الحجز، وهو ما تقوم به بعض شركات الإسكان!

أمام جهات التحقيقات التي أسرفت في حبسه احتياطيا، قيل له إنه عليه بعض المحاضر الإدارية، ولأن حجم نشاطه كبير فإنهم يقومون بتقدير قيمة هذه المخالفات، وفي كل مرة يُمد له في الحبس الاحتياطي بهذه الذريعة فلم ينتهوا من المهمة بعد، وبعد أن خارت قواه، عرض عليهم أن يدفع مبلغا تحت الحساب مقابل الإفراج عنه، ولم يوافقوا على هذا الطلب بسهولة، فقد مدوا له خمسة عشر يوما ومثلها لأكثر من مرة، وفي النهاية طلبوا منه مبلغا كبيرا تحت الحساب، دفعه وخرج من السجن، وبعد عدة شهور قدرت اللجنة المبلغ المطلوب، ليصبح له في ذمتهم عشرين مليون جنيه كاملة، تم تحذيره من التجرؤ وطلبها.

لا أعرف ما إذا كان الرجل مات أم على قيد الحياة، لكنه كان واضحا أن غناه أعماه عن تقدير حجم نفوذ خصمه "زكريا عزمي"، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وقد خاض الانتخابات لعضوية البرلمان ونجح، وظن بالحصانة والعضوية أنه جمع المجد من أطرافه، المال والسلطة، فتقدم بطلب للجهات المختصة للحصول على ما له لديها بعد عدة سنوات، وفي لمح البصر أعلنت النيابة إعادة فتح التحقيق في قضيته، وطلبت من مجلس الشعب رفع الحصانة عنه، التي رفعت في لمح البصر أيضا. وبعد ثلاثة عشر عاما حصل على البراءة من أعلى محكمة في البلاد هي محكمة النقض، لكن ماذا تفيد البراءة؟!

وهناك قضية رجل الأعمال "حسام أبو الفتوح"، الذي أحرج جمال مبارك في حفل استقبال، بمطالبات مالية له عنده، وبصوت جهير، وكان لابد من تأديبه، ولأن السفير الإسرائيلي، كان قد أبلغ الأجهزة الأمنية، أن أجهزة خاصة رصدت عمليات تنصت في القرب من مكان إقامته، فقد تم تتبعها أمنيا ليتم اكتشاف أن رجل الأعمال يقومون بتسجيل علاقاته النسائية الخاصة في منزله، وعندما صدر الأمر بالتأديب، تم استخدام هذه التسجيلات في التشهير به، وبدلا من أن تمثل "أحرازا" للقضية، وجدت طريقها إلى الصحفيين لتصل إلى شبكة الإنترنت، وزاد من جرعة الإثارة أن "شريط فيديو"، كان له مع الراقصة الشهيرة "دينا"، وقد قدما للمحكمة ما يفيد أنهما في هذه الفترة كانا قد تزوجا عرفيا، وقد شاهدته في أحد الأيام، و"الكلابشات" في يده، ويتحرك بصحبة حراسه، في شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، بعد جلسة له ليستقل سيارة الشرطة، التي ستنقله للسجن، التي من العادة أن ترابط أمام دار القضاء العالي، لكن في حالته وقفت بعيدا، ليتسنى للناس رؤية رجل الأعمال الشهير والقيد الحديدي في يده.

ولم يسلم من السجن بتهمة الفساد، وزير المالية السابق، الدكتور "محيي الدين الغريب"، لأنه كان على خلاف مع زميله في الحكومة ووزير قطاع الأعمال "عاطف عبيد"، الذي بعد أن عينه مبارك رئيسا للحكومة وجدها فرصة للزج بكل خصومه في السجن بتهم الفساد، وكان من بينهم رجل الأعمال الفلسطيني "علي الصفدي"، و الوزير"الغريب" الذي كان قد خرج من الوزارة، وكانت العناوين البراقة عن محاكمة الفساد، تجذب وسائل الإعلام فتهتم بالتغطية، وفي النهاية فإن خبر البراءة، ينشر على عمود في الصفحة الأولى مع المجاملة!  

ولهذا فعندما قرأت خبر مصادرة أموال "صلاح دياب" ضمن رجال أعمال آخرين، قلت لقد شاهدت هذا الفيلم من قبل، وفي الواقع أنه لم يكن فيلما بل كان مسلسلا متعدد الحلقات لا يتسع المجال لذكر كل وقائعه.

مما قيل إن "صلاح دياب"، كان قد حصل على قطعة أرض من وزير الزراعة، بأرخص من سعرها، وهو أمر ليس مستبعدا، فمقدرات الوطن بيعت في عهد مبارك "بتراب الفلوس"، ومن الأراضي إلى الشركات، لكن قصة التصدي للفساد في حالة "صلاح دياب"، ذكرتنا بالفيلم الذي شاهدته من قبل، فلم يكن هو الحالة الوحيدة في هذا المجال، وقد نُشر أنه غير طبيعة الأرض من أراض زراعية، إلى أراضي مبان، فإن توفيق عكاشة حصل لجمعيته "شباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم"، من وزير الزراعة الأسبق "يوسف والي"، على عشرة أضعاف المساحة التي حصل عليها "دياب"، وقرار التخصيص كان بأنها أراض زراعية قبل أن تحولها الوزارة إلى أراض للبناء!.

وعندما يأخذ "صلاح دياب" وعدد من رجال الأعمال الآخرين، بهذه القضية ويترك جيشا ممن في حكمه، فلا لوم إذا قلت إنني شاهدت هذا الفيلم من قبل. ولا ننسى أنه تحت عنوان: السيسي يواجه الفساد، ووسط صراخ: "اضرب يا سيسي" تم القبض على وزير الزراعة بشكل مهين من ميدان التحرير بعد حمله على تقديم استقالته، وتمت إقالة حكومة إبراهيم محلب وسط زفة إعلامية بأن الفساد هو السبب في حلها، وأن ثلاثة عشر وزيرا متورطون معه، لتشكل الحكومة الجديدة ويبقى كل في مكانه. 

ويبدو أن من أراد الانتقام من "صلاح دياب"، لم يشف غليله قرار التحفظ على أمواله، فكانت "حملة كليبر" على منزله، استخدمت فيها قوات "تسد عين الشمس" ومن كل التشكيلات الأمنية، بما في ذلك "خفر السواحل"، وشرطة المسطحات المائية، التي اقتحمت المنزل المطل على النيل من النهر، لمساعدة القوات المنقولة برا في إحكام قبضتها، ولا ندري لماذا لم تستخدم الطائرات في هذه المعركة الحربية؟!

لكن هذه الحملة الكبرى، لم تنس أن تصطحب معها "مصورا" من موقع "اليوم السابع" ليلتقط صور "صلاح دياب" ونجله بـ "الكلابشات"، وكان الفيلم القديم نسبيا الذي شاهدته، هو عملية القبض على خيرت الشاطر، وعدم مراعاة حرمة منزله، في بداية الانقلاب، وكانت حركة كاشفة لي مبكرا على أن مصر وقعت في قبضة عصابة من قطاع الطرق.

في اليوم التالي لواقعة اقتحام منزل "الشاطر"، كنت في استوديو "سكاي نيوز" بالقاهرة، مناظرا للراحل "عزازي علي عزازي"، وللباحث بمركز الأهرام "حسن أبو طالب"، ولأنهما كانا يصفان بيان السيسي بأنه ثورة، وكنت أقول بل انقلاب مكتمل الأركان، فقد ضربت مثلا كاشفا على صحة ما أقول وهو اقتحام منزل "خيرت الشاطر"، وتعمد تصويره لحظة الاقتحام، وزوجته بملابس النوم، وفي المقابل كان "أبو طالب" رئيس مؤسسة دار المعارف الصحفية الآن، يرد بأن "أمن مصر في خطر وأنت تتكلم على طريقة القبض على الشاطر وغرفة نومه".

في واقعة "صلاح دياب"، هتفت جماعات الحب العذري من جديد "اضرب يا سيسي"، وباعتبار أن الفاسدين لا حقوق قانونية لهم، واعتبر البعض أن ما جرى أكبر دليل على شجاعة السيسي "الدكر"، الذي سجن "شريك ديك تشيني"، هكذا قالوا ولا أعلم صحة هذه الشراكة. وهناك من طربوا بما جرى بأنه ضربة لرجل يشارك الإسرائيليين في مشروعاته، وأيضا لا دليل عندي على صحة هذه الكلام الرائج!.

في حملة السعادة لم يهتم أحد بالتفاصيل، فصلاح دياب قبض عليه ليس لأنه فاسد أو لأنه صديق الإسرائيليين، والاتهام الموجه له وابنه هو حيازة أسلحة دون ترخيص!

ولم ينتبه، أعضاء "فرقة حسب الله للأفراح والليالي الملاح"، أنهم يستندون على جدار مائل، وأنه في اللحظة التي كانت فيها الخارجية الأمريكية تعلن أنها تتابع قضية "صلاح دياب" عن كثب، كانت النيابة تعدل عن قرارها بحبسه وتخلي سبيله، وكانت محكمة الجنايات، تلغي قرار مصادرة أمواله.

 السياق، يقول إن محاربة الفساد، لم يكن هو السبب في القبض على "دياب" ومصادرة أمواله، فربما كان السبب، أن مصر الآن تحكم من قاطع طريق "يأخذ كل سفينة غصبا"، وقال من قبل: "هتدفع يعني هتدفع"، وليكن "دياب" هو رأس الذئب الطائر أمام رجال الأعمال الآخرين، وربما ما جرى له هو بسبب أداء جريدة "المصري اليوم"، التي تحاول الاحتفاظ بالحد الأدنى من المهنية، وربما يكون السب هو ما تردد من أن "صلاح دياب" تحدث مع آخرين عن حكم السيسي بشكل سلبي.

ومهما يكن، فقد هُزم السيسي في "موقعة صلاح دياب"، كما هُزم في موقعة الحقوقي "حسام بهجت"، مع أن أنصاره يطلقون عليه "الدكر".

"صلاح دياب" ليس هو "حسن مالك".