قدم استطلاع للرأي أجراه خبير الاستطلاعات في الشرق الأوسط والزميل في
معهد واشنطن، منقذ داغر، نتائج غاية في الإثارة لمناطق واقعة تحت سيطرة ونفوذ
تنظيم الدولة، خلاصتها أن التنظيم يكسب معركة القلوب والعقول في مناطق السنّة
العراقية، في الوقت الذي لا يجد سنّة العراق أي بديل عن التنظيم الذي يعبر عن مصالحهم، أو بالأحرى يحميها من الشيعة والأمريكان والأكراد الذين فقد سنّة العراق الثقة بهم جميعا.
وفي التفاصيل أكد الزميل في معهد واشنطن منقذ داغر، الذي يتمتع بسجل بارز في إجراء اقتراعات ذات بصيرة نافذة في الشرق الأوسط، أن إجراء استطلاع للرأي في مناطق خاضعة لتنظيم الدولة هو أكثر صعوبة من إجرائه في ظلّ ظروف عاديّة، إلّا أنّ النتائج تمنح الثقة بأنّ الناس يُجيبون بآرائهم الحقيقية. وقد أعرب معظم الذين شملهم للاستطلاع عن كرههم لتنظيم "الدولة الإسلامية"، الأمر الذي يشكّل أمرا لافتا.
وبالرغم من أنّه لا يمكن اعتبار النتائج دقيقة تماما، إلّا أنّ كيفية إجابة الناس عن الأسئلة نفسها مع مرور الوقت هي نقطة مثيرة للاهتمام إلى حد كبير.
وقال داغر إنه في استطلاع أُجري في مطلع هذا الشهر، ونشر نتائجه معهد واشنطن، على سبيل المثال، قال 55 بالمئة من المستجيبين في
الموصل إنّ حياتهم أفضل مما كانت عليه قبل عام ونصف، بينما أعرب 21 بالمئة فقط عن مثل هذا التحسّن عندما سُئلوا في حزيران/ يونيو 2015.
ولا يدلّ ذلك على أنّ سكّان الموصل يستلطفون تنظيم "الدولة الإسلامية" - فـ 39 بالمئة فقط قد اعتبروا التنظيم ممثّلا لآرائهم ومصالحهم. إلّا أنّ هذه النسبة هي أعلى بكثير من نسبة الـ10 المئة التي سُجّلت في حزيران/ يونيو من عام 2014. وبالإضافة إلى ذلك، في حين يفضّل 57 بالمئة منهم رحيل تنظيم "الدولة الإسلامية" عن الموصل، اختار 39 بالمئة بقاء التنظيم. ومن نسبة الـ39 بالمئة المذكورة هنا، علّل ثلثهم دافعهم الرئيسي بالدعم لهذه الجماعة، في حين ذكر آخرون الخوف من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، أو عدم ثقتهم بالولايات المتحدة، أو الجيش العراقي، أو القوّات الكردية.
وشدد الباحث أن غالبية المستطلَعين ذكروا أنّ الولايات المتحدة تتآمر لدعم تنظيم "الدولة الإسلامية"، زيادة بنسبة 50 بالمئة مقارنة، بما كانت عليه قبل ثمانية عشر شهرا. كما اعتبر المزيد من المستطلعين أنّ ضربات التحالف هي الخطر الأكبر المحدق بأمن عائلاتهم (45.8 بالمئة)، في حين اعتبر 37.5 بالمئة منهم أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" هو الخطر الأكبر. وعارضت الغالبية الضربات الأمريكية، في حين أنّ ثلاثة أرباع المستطلَعين قلقون من "وحدات الحشد الشعبي" والمليشيات الشيعية الأخرى.
وفي الوقت نفسه، لا يرى معظم السكّان أنّ سياسيي الموصل أو السياسيين السنّة أو الحكومة العراقية المركزية يمثّلون وجهات نظرهم ومصالحهم.
وخلص الباحث إلى أن هذه النتائج تدلّ على أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" يكسب حرب القلوب والعقول في المناطق التي يسيطر عليها، في حين أنّ الرأي العام يتحوّل في الوقت نفسه ضدّ الذين يعارضون التنظيم. إنّ غالبية سكّان الموصل لا يزالون يرفضون تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلّا أنّهم يفتقرون إلى البدائل الموثوقة. فهم لا يثقون بمؤسسات الدولة العراقية، بما في ذلك الحكومة المركزية، والجيش، والشرطة، والبرلمان، والمسؤولين المحلّيين، والسياسيين في بغداد. ويعتقدون أنّ المعارضة المسلّحة ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" غير فعّالة.
وأضاف داغر، من هذا المنظور، أنه يبدو أنّ الاستراتيجية العسكرية للتحالف تساعد تنظيم "الدولة الإسلامية". فجهود التنظيم في الحوكمة ليست السبب الرئيسي لازدياد الدعم المحلّي الذي تحظى به أو ازدياد المعارضة العامّة لنشاطات التحالف. غير أنّ الأضرار الجانبية هي الإثم الأكبر. ولكي تكون ناجحة، يتعيّن على استراتيجية التحالف أن تضم الدعم الشعبي كمحور جاذبية، فتنظيم "الدولة الإسلامية" لن يُهزم بالتدخّل العسكري فقط.
السنّة غير راضين
وأكد الاستطلاع الذي أجراه داغر أنّ العراقيين السنّة غير راضين عن بغداد منذ وقت طويل، وكان هناك الكثير من إشارات التحذير في المناطق ذات الغالبية السنّية عندما كان تنظيم "القاعدة" يسيطر عليها ما بين عامي 2006 و2009. ويشير ذلك إلى أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" هو من أعراض مشكلة هيكلية أكثر من كونه المرض بحدّ ذاته. فعندما أطلق على نفسه اسم تنظيم "القاعدة في العراق"، بدا أنّ الجماعة كانت قد هُزمت بالفعل في عام 2009، إلّا أنّ إعادة تجسّدها الحالية هي أسوأ مما كانت عليه آنذاك. يجب إقناع السنّة بمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" بأنفسهم.
ويختم داغر بالقول: "باختصار، تظهر الاستطلاعات في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" استياء محلّيا من البدائل لهذه الجماعة. وفي حين أنّ أقليّة فقط تفضّل التنظيم، إلّا أنّ هذه الأقليّة آخذة بالتزايد".
من الجدير بالذكر أن الوقت الذي أجري فيه الاستطلاع كان في 14 كانون الأول/ ديسمبر، وفقا لمعهد واشنطن، الذي لم يفصح عن الآلية أو الطريقة التي تم فيها استطلاع آراء العراقيين بمناطق نفوذ لتنظيم الدولة، ولا يمكن أن يعمل فيها الصحفيون الأجانب ببساطة بهذه السهولة!