نشرت صحيفة "جيوبوليس" الفرنسية تقريرا؛ حاورت فيه مدير المركز الألماني للبحوث والدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جينيف، حسني عبيدي، حول تطورات الوضع الاجتماعي في
تونس وانعكاساته على الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الباحث الجزائري حسني عبيدي؛ يعتبر أن التحركات الاجتماعية التي تحولت إلى فوضى في بعض المناطق التونسية، يمكن أن تمثل غطاء لتحركات التنظيمات الجهادية، خاصة على الحدود بين تونس وليبيا، التي لا تبعد سوى مسافة كيلومترات عن معاقل
تنظيم الدولة في "سرت".
وأضاف حسني عبيدي أن تنظيم الدولة يسعى للاستفادة من حالة الفوضى في أجهزة الدولة الليبية، ليتوسع تدريجيا نحو الأراضي التونسية، التي رفدت التنظيمات الجهادية بآلاف المقاتلين في مناطق النزاع في سوريا والعراق وليبيا خلال السنوات الأخيرة.
واعتبر حسني عبيدي أن الأرقام الرسمية التي يتم تداولها من طرف الدولة التونسية، حول منعها لأكثر من 12 ألف شاب تونسي من السفر إلى بؤر التوتر، لا تعكس حقيقة القاعدة الفكرية للتنظيمات الجهادية في تونس، حيث رجح أن تكون الأرقام في حدود خمسة آلاف شاب فقط، خلال السنوات الأربع التي تلت الثورة.
وذكر حسني عبيدي في سياق حواره مع الصحيفة حول الأسباب التي ساهمت في توسع الفكر الجهادي في تونس، أن الثورة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي؛ أربكت الأجهزة الأمنية التي كانت تفتقر للخبرة والأليات الكافية للتعامل مع التنظيمات الجهادية، وخاصة تنظيم الدولة الذي يعتمد على نسخة مطورة من العمل الجهادي.
وأضاف عبيدي أن توسع الفكر الجهادي في تونس، يرتبط أساسا بعوامل داخلية تتعلق "بالثقافة الأمنية"، التي تلخصت وظيفتها الرئيسية طيلة عقدين من الزمن في حماية نظام زين العابدين بن علي وعائلته، ما ساهم في خلق نظام أمني عاجز عن التأقلم مع طبيعة التهديدات الجديدة التي تواجهها البلاد، والتي تقتضي أيضا تعبئة كل الإمكانيات المادية والثقافية والاقتصادية في مواجهة الفكر المتطرف.
وأشار الباحث الجزائري إلى أنه لا يمكن فهم الأسباب الجذرية التي أدت إلى انتشار الفكر المتطرف في صفوف الشباب التونسي، بمعزل عن تطورات المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة، حيث أدت المرحلة الانتقالية في تونس إلى تشكل مشهد سياسي يقصي الشباب التونسي، الذي كان يطالب دائما بحقه في العمل والحياة الكريمة.
وأضاف حسني عبيدي أن التطورات السياسية كانت تحدث بمعزل عن القضايا الرئيسية التي شغلت الشباب التونسي، وهو ما ساهم بدوره في خلق قطيعة بين الدولة والشباب، الذي عملت التنظيمات الراديكالية على استقطابه واستغلاله لخدمة أجنداتها.
وفي سياق الحديث عن دور الدول الغربية في تونس خلال هذه المرحلة الحساسة، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، اعتبر حسني عبيدي أن الغرب خذل تونس اقتصاديا، رغم دعمه لها أمنيا وسياسيا، حيث توجهت الاستثمارات الأجنبية نحو المغرب، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة.
وأضافت الصحيفة نقلا عن حسني عبيدي أن التعاون العسكري والأمني بين الدول الغربية وتونس؛ يقلق الجزائر التي أثبتت دعمها لتونس في مواجهة التهديدات الأمنية، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن انضمام تونس لحلف الناتو بصفتها "حليفا استراتيجيا غير عضو".
واعتبر حسني عبيدي أن الدول الغربية وافقت على تصنيف تونس حليفا، لم تستطع الوفاء بالتزاماتها العسكرية بدعم الدولة التونسية في مواجهة الخطر المتزايد لتنظيم الدولة إلا في وقت متأخر، لذلك فإن هذا الاتفاق لم يخدم كثيرا مجهودات تونس في محاربة الإرهاب.
وردا على سؤال الصحيفة عن الآفاق السياسية والاقتصادية لتونس خلال المرحلة القادمة، ذكر حسني عبيدي أن الثورة التونسية خلقت ديمقراطية ناشئة بكل سلبياتها وإيجابيتها، لذلك فإن التحركات الاحتجاجية أثبتت أن الشعب التونسي لم يعد يخشى حرية التعبير، وهو ما أثبتته
الاحتجاجات الأخيرة في محافظة القصرين.
وفي الختام، قال حسني عبيدي إن "التحركات الاحتجاجية أثبتت القطيعة بين أحزاب السلطة والشعب، بينما أثبتت الحكومة التونسية للغرب من خلال تعاملها الواقعي مع الأحداث، أن الأنظمة العربية التي سقطت بسهولة كانت مبنية على مجرد وهم".