تدخل السجينة إيناس على مأمور السجن بمكتبه.
المأمور (بوجه بشوش): مبروك يا إيناس. حتخرجي بكره.
إيناس (والمفاجأة على محياها): أنا يا بيه؟ حخرج بكره؟
المأمور: أيوه. قرار الإفراج لسه واصل حالا، وأنا حبيت أبشرك.
إيناس: لكن أنا فاضل لي ثلاث أشهر. أنا حسباهم.
المأمور: وأنا كمان حاسبهم زيك بالضبط. لكن أهو بقا، ده قرار من الوزارة. ومش إنت وبس، ده فيه مجموعة كبيرة حتخرج بكره.
إيناس: بس إيش معنى بكره؟ لا هو عيد ولا مناسبة وطنية.
المأمور: مش عارف. يمكن محتاجين ليكم (وهو يبتسم).
كان هذا مشهدا من فيلم (الهجامة) المنتج في العام 1992 لمخرجه محمد النجار. وكان يوم "الإفراج" عن السجناء مصادفا للانتفاضة الشعبية التي شهدتها
مصر يومي 18 و19 يناير 1977 ضد قرارات الحكومة برفع الأسعار.
في ليلة 28 يناير من العام 2011، لم يحتج النظام المصري في عهد محمد حسني مبارك قرارا مكتوبا من الوزارة ولا تبشير السجناء بالإفراج، بل فتحت أبواب السجون على مصراعيها وقتل المعترضون على الأمر من الضباط والسجناء وتكفلت القنوات التلفزيونية بالباقي.
مكالمات هاتفية مباشرة تحمل استغاثات من المواطنين الآمنين وجو من التخويف والترويع اجتاح القنوات الفضائية إعلانا عن قمقم مارد خرج من محبسه يهدد أمن وسكينة المصريين. قبلها بساعات، كان ميدان التحرير وكثير من ميادين مصر شهودا على فصول أولى من (جمعة الغضب) التي كانت باكورة "جمعات" متتالية انتقل صداها إلى أقطار عربية أخرى، قبل أن يفقد المد الثوري السلمي وهجه ويخبو تاركا المجال فسيحا لحروب أهلية طاحنة وقودها مصالح إقليمية ودولية متباينة. لقد كان النظام وأجهزته في حاجة إلى فتح السجون وإطلاق النزلاء في الفضاء العام خلطا للأوراق في محاولة لاستنساخ وصفة نجحت قبلها ومكنت السادات من تسمية انتفاضة الخبز "ثورة حرامية".
إلى السجن عادت إيناس بعد اعتقالها مع من ألقي القبض عليهم في شوارع القاهرة من المتظاهرين. ومع الناشطات وضعت في زنزانة واحدة وبينهن كانت سحر.
إيناس: إنتو بتوع سياسة وأنا حرامية.. أنا هجامة.. أنا هجامة
سحر: كنت بسأل نفسي ليه جابوكي معانا؟
إيناس: مش مصدقين أني حرامية.
سحر: لا يا نوسة. حاجة زي ده يقدروا يتأكدوا منها في ساعة زمن. دول عايزين يشبهونا. حاطينك معانا علشان يقولو أننا زيك. عايزين يأكدوا للعالم كله أن للي طلعوا في اليومين دول حرامية.
بعد يومين من المظاهرات، تم فيها اقتحام عدد من أقسام
الشرطة وتحطيم بعض المحلات التجارية والمنشآت العامة بل وصل الأمر لاستراحات الرئاسة مخلفة سقوط ما يقرب من ثمانين شخصا، أعلن الحاكم العسكري حالة الطوارئ وأقر حظرا للتجوال قبل أن يتراجع السادات عن قرار رفع الأسعار. قيل وقتها أن الرئيس كان على وشك استقلال طائرته مغادرا البلاد لولا تدخل الجيش الذي فرض سيطرته على الشارع بعد سقوط الأجهزة الشرطية وفشلها في ضبط الأمن.
من فيلم (الهجامة) مشهد يجمع المعلم عطية العزبي، أحد رموز الانفتاح الساداتي، بمجموعة من صبيانه وصبيّاته، وهم في غاية القلق والارتباك، ينتظرون أن ينهي المعلم مكالمة هاتفية مع حماة تجارته في الدعارة والممنوعات.
المعلم عطية العزبي: (موجها كلامه للحاضرين) خلاص، خُلصت! الجيش نزل والحرامية تمسكوا والراجل قاعد مش حيسافر.
بعدها بأربع سنوات غادر السادات الدنيا مسلما البلد إلى حرامية حقيقيين، عاثوا فيها فساد ونهبا بالشكل الذي هيأ لانتفاضة جديدة في الخامس والعشرين من شهر يناير 2011..
وفي ليلة الثامن والعشرين من الشهر ذاته، وبعد أن فتحت أبواب السجون، أُحرقت المباني الحكومية ومراكز الشرطة ومقرات الحزب الوطني وعمت الفوضى مختلف المدن المصرية فقٌتِل من قتل وأصيب من أصيب، وظن النظام أنها الفرصة مواتية مرة أخرى ليبدأ في تفعيل نفس الخطة بإعلان الحاكم العسكري عن حظر التجوال ودعوته الجيش لتأمين المنشآت وما تلاه من إجراءات من قبيل إقالة أحمد نظيف والتخلي عن أحمد عز وتعيين عمر سليمان إلى أن وصل الأمر لصورة طائرة تغادر القصر الرئاسي باتجاه منتجع شرم الشيخ وإصدار بيان التخلي الذي بموجبه تسلم المجلس العسكري تسيير شؤون البلاد.
هي الحكاية ذاتها تكررت وانتهت بتسليم الرئيس العسكري الحكم إلى الجيش ومجلسه العسكري، فعاد الشعب و"الثوار" إلى بيوتهم محتفلين بتحقيق النصر وبحماية الجيش للثورة، زادهم ذكريات وصور وشعارات أبلغها "الشعب والجيش أيد واحدة" تاركين أصحاب الشأن ليتداولوا فيه كما فعلوا منذ خمسينيات القرن الماضي.
وإلى اليوم، لا يزال سؤال فتح السجون وإطلاق من فيها دون جواب حيث اكتفت السلطة وإعلامها بإلصاق التهمة بحماس وحزب الله، قبل أن يجدوا في الرئيس المنتخب محمد مرسي كبش الفداء الوحيد ومعه الجماعة "الإرهابية". وعندما تطرقت السينما المصرية للموضوع في فيلم (فرش وغطا)، المنتج في العام 2013 لمخرجه أحمد عبد الله السيد، آثرت أن يكون فيلما بلا حوارات، فبنت أحداثه على شريط صوت يحمل تعاليق مراسلي القنوات الفضائية ومواد فيلمية حقيقية من تسجيلات النزلاء بسجن "القطا" المُدِينة للضباط ومشرفي السجون تاركة للمتفرج حرية الربط والاستنتاج. الرغبة في كتم الأصوات المنادية بالكشف عن الحقائق جعلت بطل الفيلم مجرد فتى بلا اسم ولا هوية ولا عنوان.
في فيلم (الحرافيش) المنتج سنة 1986 لمخرجه حسام الدين مصطفى عن قصة للكاتب نجيب محفوظ صدرت في العام 1977، يدخل عتريس ومعه جمع من الحرافيش وكالة الفتوة سليمان الناجي الذي أجهدته سنوات الفتونة الطويلة وأعياه تقدمه في العمر.
عتريس: سليمان يا ناجي! رد على فتوة الحرافيش يا سليمان يا ناجي.
سليمان الناجي: من ايمتا كلابها عوت على اسباعها يا عتريس؟
عتريس: لما سباعها وقعت أسنانها وتقطم وسطها يا سليمان.
سليمان الناجي: إنت عاوز تعمل فتوة وانا موجود يا واد؟
عتريس: وجودك زي عدمه. لو عايز تفضل فتوة على الحرافيش ارفع نبوتك وخش علي.
سليمان الناجي: الفتونة مش بالنبوت بس يا عتريس.
عتريس: امال بالنية يا سليمان؟
سليمان الناجي: الفتونة شرف وأخلاق وشهامة. وده حاجات اتولدت في عائلة الناجي ومش حتخرج منها.
عتريس: مخرجت خلاص ونبوت الناجي ايلي يا ما خوف ناس بقا عكاز يتسند عليه المكسحين. حتى شوف (يضرب العكاز برجله فيسقط سليمان الناجي أرضا ويضحك الجميع) كل وقت وليها دان يا ابن الناجي. وانا الوقت بقا وقتي والزمن زمني. حد عنده كلام غير كده يا رجالة؟
جمع الحرافيش: عتريس عتريس اسم الله عليه ...
لكن (خضر) ابن سليمان الناجي واجه عتريس واستعاد الفتونة دونما حاجة لمجهود بل اعتمادا على جبن الغريم عتريس. عادت الفتونة إلى بيت الناجي قبل أن تخرج منه فبدأ جمع الحرافيش، ومعهم عتريس، يهللون باسم خضر الناجي، سليل عائلة الفتوات.
خضر الناجي خضر الناجي اسم الله عليه...
بعد كل هذا يأتي من يسأل أين
الثورة كما سئل عادل صدقي (أحمد زكي) في فيلم (البداية) للمخرج صلاح أبو سيف.
مساعد الطيار 1: راحت فين الثورة يا زعيم؟ مش كانت في إيدك.
مساعد الطيار 2: لازم اتنشلت.
عادل: ده بيحصل في أحسن العائلات يا صديقي.
مساعد الطيار 1: نبيه بيه كان عنده حق. إحنا مننفعش في حاجة أبدا. هي ده العيشة ايلي إحنا نستحقها وفضوها سيرة بقا.
الفلاح سليم: صح.
عادل: الثورة مستمرة. إذا كنا غلطنا أو أنضحك علينا مرة فده مش معناه يعني نيأس.
الفلاح سليم: وإنت يا خويا بتقول لنا الكلام ده ليه. ما تقول له هو. أنا عايز أتوضأ ألحق الظهر ممكن ربنا يتوب علينا.