كثيرون لا يريدون أن يصدقوا أن
حزب الله لا يستطيع إقناع حليفه الراسخ رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان
اللبناني نبيه بري بالتراجع وزعيم الدروز النائب وليد جنبلاط عن السَّير بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية الشاغرة منذ نحو سنتين ونصف، واستبداله بترشيح الجنرال ميشال عون المتبنّى إعلاميا من قبل الحزب.
بل أكثر من ذلك، يصعب على معظم الأوساط تصديق أن حزب الله والنظام السوري لا يستطيعان إقناع فرنجية نفسه بسحب ترشيحه وإخلاء الساحة لمنافسه الأوحد ميشال عون، ليؤمّن له وصولا سلِسا إلى القصر الجمهوري. علما أن رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري أعلن مرارا أنه ملتزمٌ بترشيح فرنجية، وأن انسحابَ الأخير لصالح عون سيحمل كتلة المستقبل على انتخاب الجنرال.
لكنَّ مقربين من صالونات ترشيح فرنجية يؤكّدون أن نبيه بري مختلفٌ فعلا مع حزب الله على الاستحقاق الرئاسي اللبناني، فهو يرى بوصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية تعريضا للبلاد للخطر بسبب طباع الرجل الحادة التي ستُفجّر مُبرِّدات الوضع اللبناني التي تعمل ليل نهار على وقايته من لهيب
سوريا والعراق، وضمنيا فإن إيصال حزب الله مرشحه إلى القصر الرئاسي قد يكون مقدمة لتعميمه التجربة على رئاستَي البرلمان والحكومة.
إذا صحّ وجودُ اختلافٍ بين بري وتوأمِ حركتِهِ الشيعي، فهذا يُعيد إلى الأذهان مرحلة مضت كان النظام السوري فيها يسمّي رئيس جمهورية لبنان بمباركة سعودية وموافقة إيرانية. وكان بري مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائبين جنبلاط وفرنجية وآخرين، يتولّون لبنةَ الأمر الرئاسي السوري بسلة محاصصة سياسية طوائفية متكاملة، تحفظ ما أمكن من التوازنات والمصالح. لقد تعوّد المسؤولون اللبنانيون على هذا الأمر فكانوا يعيشون الظلم بالسوية ويبررونه للرعية بأن حكم الخارج "الشقيق" أفضل من استفراد فريق لبناني بالحكم على حساب بقية الأفرقاء.
خرجت سوريا النظام من لبنان فدخلها حزب الله كواحد من جيوش الولي الإيراني الفقيه الذي مدّد عُمرَ نظام البعث، ومن باب الوجوب فإن نفوذ إيران على الأسد يشمل نفوذها على نفوذه الذي لم تملأه في لبنان أية جهة عربية أو أية تركيبة حكمٍ محلية فخلت الساحة لإيران، وهذا يعني باللبناني أن الساحة خلت لحزب الله، وهذا وضعٌ استفرادي بالحكم غادره اللبنانيون منذ نشوب حربهم الأهلية عام 1975 في أعقاب سيطرة حزب الكتائب وحلفائه على مفاصل الدولة.
مفَوّضو الأسد السابقون المناطقيون في لبنان اجتمعوا دون الأسد على اسم سليمان فرنجية رئيسا لجمهوريةٍ، يمكن أن تحفظ تقاسمَ أمراء الأحزاب والطوائف حكمَها على الطريقة اللبنانية التوافقية، بدل التزامها بالكامل من قبل أمير الحزب والطائفة و"المقاومة" والوكيل الشرعي للإمام علي خامنئي في لبنان، لأن هذا الالتزام سينهي حُكما زمنَ الأساتذة والشيوخ والبكوات ليبدأ عهدُ السيد الأوحَد ومُريديه من الطوائف والأحزاب. فهُرع المتضررون لاستيلاد روحية النظام اللبناني السوري من جديد وطريقته في حسم الاستحقاقات، في محاولةٍ منهُم لاستبعاد تعميم المشهد العراقي على لبنان حيث لا صوت يعلو فوق صوت الجنرال قاسم سليماني.
لقد تنبه العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز باكرا للتمدّد الإيراني في بلاد الشام على حساب حكامها فتناسى خلافاته مع الرئيس السوري بشار الأسد، وتأبط ذراعه في زيارةٍ تاريخية إلى بيروت عام ألفين وعشرة أي بعد واقعة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بخمس سنوات، قافزا فوق كل المطالعة السياسية لقوى 14 آذار في تجريم الأسد ونظامه، لأن الملك كان يرى أن القادم أكثر خطرا على الجميع.
اليوم باتت هذه النظرية حقيقة راسخة عند قيادات من الفريقين 8 و14 آذار، لكن الزمن لا يعود إلى الوراء ولن يجد اللبنانيون أسدا بعد اليوم يحكمهم، لقد فرّطوا بأنيابه بعد ثلاثين عاما من الترويض، فالأسد لم يعُد ملِكا في حضرة الشاه.