مفهوم المواطنة قد تطور وتحوّر عبر مسيرة الليبرالية ليتركز حول خيارات الفرد المطلقة وهواه كمرجع للخيارات الحياتية والسياسة اليومية في دوائر العمل، والمجتمع المدني، والمجال العام، ووقت الفراغ، وليصبح "المفهوم المفتاح" الذي لا يمكن فهم الليبرالية وجوهرها من دون الإحاطة بأبعاده المختلفة
إن الفرد دائما هو داخل في وحدة أو أكثر من هذه الوحدات الجمعية، والنظام يكتسب حيويته من قيام هذه الوحدات ونشاطها وتفاعلها، إنه درس الاجتماع الذي يندرج فهم المواطنة فيه؛ ودرس وحدات الانتماء العامة والفرعية الذي لا يتعارض مع مفهوم المواطنة وأصول الجامعية فيه
نظن أن أزمات فيروس كورونا كشفت أزمات فيروسات الاستبداد العولمي والطغيان الداخلي، وفضحت كثيرا من هذا الذي نرى ضمن حالة عنصرية متصاعدة حتى داخل البلد الواحد
إن "دولة الضد" الفاشية البوليسية المعسكرة؛ تفرز حالة من المواطنة تليق بها وتتوافق مع سياسات طغيانها في الترويع والتجويع.. مواطنة مقهورة في نفوسها والمهدورة في حقوقها ومستحقها. وما من شك أن دولة الضد أخطر ما تكون على المواطنة من دولة كأن، وفي كل شر مطلق؛ وضرر محقق
ممارسات تحايلية والتفافية وتلفيقية، وخداع وكذب، وتصبح هذه الأشياء من ضرورات اغتصاب السلطة وتغولها، وفي المقابل تتآكل المواطنة في جوهرها وحقائقها وحقوقها
هذا يدور بنا في حلقة مفرغة تتعلق بنظرة مختلفة لمفهوم المواطنة وأحوالها؛ ليس بالحقوقي أو التعاقدي، ولكن بمفهوم للمواطنة يستند للأسف الشديد إلى الترويج إلى شعارات الوطنية الفاشية الزائفة
هذه التصورات الخطيرة قامت على خلط متعمد بين مفهوم الدولة و"الدولتية"؛ وبين مفهوم السلطة المستبدة ومحاولة مرادفته بالدولة، وكذلك الخلط الفاضح والفادح بين الوطن وفكرة الوطنية، وما تبعه من أوصاف حول التخوين
هذه الحالة من "التغوُّل" على ساحة الفاعليات لا بد أن تجد مادتها في المواطنة، ومنتجها الوحيد "المواطن". أكثر من ذلك، هذه "الدولة- السلطة" احتكرت مفهوم "المواطنة الصالحة" في إطار يروج لمفهوم الدولتية؛ والحديث موصول
المواطنة من أكثر المفاهيم تعلقا بصياغة العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم، بين العلاقة بين السلطة والمواطن، بين مسألة هي ركن ركين في صياغة العلاقة السوية بين الدولة والمجتمع، وصياغة مفهوم للسلطة يتعلق بوظائفها وجوهر أدوارها، ومفهوم للمواطنة يتعلق بكامل حقوقها والتعبير عن التزاماتها
شكلت الثورات في حقيقة الأمر تجسيدا حقيقيا لفكرة المواطنة ومطالبها التي تتعلق بها. ومن الواضح في هذا المقام أن فكرة المواطنة قد أصابها مع الثورات شوق من القوى الثورية الحقة والنشطة، خاصة من الشباب الذي مثل وبحق أحد محركات الثورة وعملية التغيير الجذرية
إننا في حاجة لحالة من ترميم بل وإعادة بناء لكل ما أصاب هذا المجتمع من تصدعات وفجوات وشروخ وجروح غائرة، وما أصابه من تصدعات وأمراض جماعية واجتماعية مزمنة؛ فيكون ذلك في الحسبان ضمن استراتيجية كبرى تقوم على تقليل الخسائر في المجال المجتمعي والحفاظ على الخمائر في عمليات الإصلاح والاستعداد للتغيير القادم
إن هذه الأحوال التي تتوالى علينا تترى إنما تشكل فرضا واجبا علينا أن نتبصر بالبحث عن أسبابه ودواعيه. فليس هناك أحد يعلو على السؤال والمساءلة، ومن أمن المحاسبة استهان بكل شيء حتى النفس المحرمة والروح البشرية المكرمة. نعم نقول وبأعلى صوت إن كورونا ليس الفيروس الوحيد الذي تجب مواجهته!!