ليس الأمر تصفية حساب، ولا لأهمية الأمثلة المذكورة غير المسمّاة، وإنّما هو لبيان ممكنات الكشف في شهادة الرجل، على نحو من شأنه أن يغوص في أعماق كلّ واحد فينا، ولدفع النقاش في زوايا أخرى، نكون فيها أكثر تواضعا، وكذا أكثر رحمة برجل مظلوم عظيم كهذا الرجل
ثمّة حلّ مثاليّ، بتحويل تدريجيّ لوظيفة السلطة في إطار وحدة وطنية أعلى، كما تحدّث عن ذلك كثيرون. وإذا كان هذا الحلّ غير ملائم لنخبة السلطة، فيبقى أن تراعي في سياساتها، وهي لا ترغب في المواجهة، تعزيز صمود الفلسطينيين، وأن تجري قدرا من التحوّل في مسلكها السلطوي
تصحيح مسار السلطة، بوضعها على مسار نضاليّ جديد، هو مساهمة في حلّ مشكلة الفلسطينيين جميعا، فصلاح أيّ فاعل سياسي، واهتداؤه للخط السياسي الصحيح، هو مصلحة الجميع التي تعلو على الرغبة في تدفيع الآخرين ثمن أخطائهم
تغيير إرادات الآخرين ليس أمرا سهلا، ولكن تعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم ممكن، وتطوير أدوات النضال في كل المواقع ممكن، وإمكانه لا يعني سهولته، وهو ممكن بغض النظر عن إرادات الآخرين، لكن هل من برامج فعليّة تدور في أوساط مجمل الفاعلين الفلسطينيين لأجل ذلك؟
يجري الحديث الآن عن الضمّ في ذكرى النكبة، هذه الذكرى تساعد على فهم الأسباب التي تجعل من هذه النتيجة حتميّة، وأنّ الوصول إليها يخلو من عنصر الصدمة والمفاجأة، وعلى الأقل في السنوات الأخيرة. كان ينبغي الاستعداد للحظة كهذه
النظر إلى المحتلّ الإسرائيلي من جهة ديانته فحسب، هو مسلك مروّجي التطبيع الآن، وهذا القدر من النظر لا يخلو من العداء للساميّة، لأنّه يقارب المعتدي من زاوية يهوديّته فحسب، لا من زاوية سياسيّة، حتّى لو كانت الغاية التطبيع معه وخدمة أهدافه الاستعماريّة
الخلط الذي قد ينمّ عن سذاجة، ذلك لأنّ الوعي لا علاقة له بشهرة الإنسان أو بمكان عمله، ينطوي على خلل أخلاقي عميق، وذلك بطمس العدالة الأصيلة للقضيّة للتساؤل عن نزاهة ممثليها. وهنا لا فرق بين من يتهم الفلسطينيين ببيع أرضهم وبين من يشكّك في كلّ المناضلين الفلسطينيين ليسوّق للتطبيع
الدعايات التي تستهدف الفلسطيني، وتصلّ في بعض أعتى حالات الفجور فيها تبنّى السرديّة الصهيونية بالحرف، تافهة في مضمونها إلى حدّ لا يستحقّ الردّ، ولكنها محزنة للغاية،
بعد أنْ فرغ الفلسطينيون في الضفّة الغربيّة من جدل إغلاق المساجد الذي لم يطل (أي الجدل) كثيرا بينهم، التفتوا لمنفَذَيْن لا سيطرة حقيقيّة لهم عليهما، من شأنهما أن يفتحا بابا واسعا للجائحة عليهم، وهما المعابر مع العالم الخارجي، والعمّال الفلسطينيون من الضفّة الغربية الذين يعملون داخل كيان الاحتلال
لأنّ أخذ العبرة غير متوقع كما سلف قوله، فإنّ ما يجري الآن استثمار للجائحة للترويج لقوى الأمن، لا بالدعايات المتلفزة فحسب، ولكن أيضا بالتركيز على دورها في عمل أمنيّ صرف
وهؤلاء الذين يحاولون إدانة الإسلام بمواربة كهذه مكشوفة، أو يجتهدون في تكريس تبعيتنا للغرب، أو يعانون من نقص مزمن إزاءه.. أطياف لهم منطلقات متفاوتة، بل إنّك قد تجد منهم من يُدرج نفسه في سلك الاشتغال الديني، أو يصنّف نفسه إسلاميّا، لكنه مهجوس باستنارة زائفة
إنّ الثروات الهائلة التي راكمها البشر، والقدرات العلميّة التي فاقت الخيال نفسه، وأنظمة التدبير السياسي والاجتماعي التي قيل إنّها ذروة الممكن ونهاية التاريخ.. مرتبكة للغاية أمام فيروس صغير شلّ البشرية، التي لم تجد لها بدّا من قطع قدميها والانحباس عن الحركة مؤقّتا في إعلان عمليّ عن قصور الإنسان
اجتاحت البشرية في أعمارها المديدة أوهام أسكرتها بإمكانية التخلّي عن الإيمان، لصالح قدرة الإنسان على التحكّم في الوجود، ثمّ ما كانت تلبثُ تلك الأوهام حتّى تتراجع لصالح الحقيقة التي تقول إنّ هذا الوجود أكثر تعقيدا من أن تفكّكه