تشن أجهزة الأمن
المصرية، منذ عدة أيام، حملة
اعتقالات موسعة في صفوف النشطاء السياسيين، طالت العشرات من أعضاء أحزاب وقوى سياسية معارضة لقائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي.
وفي تطور جديد، قررت النيابة في الجيزة احتجاز المرشح الرئاسي السابق والمحامي خالد علي، حتى استكمال التحقيق معه؛ بحجة ارتكابه فعلا "فاضحا"، بناء على بلاغ قدمه ضده المحامي المثير للجدل سمير صبري قبل خمسة أشهر، اتهمه فيه بالقيام بحركة "بذيئة" بإصبعه بعد قرار المحكمة الإدارية العليا بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، في كانون الثاني/ يناير الماضي.
وتعددت تفسيرات المراقبين لأسباب تلك الحملة، ما بين ربطها بمحاولة المعارضة الاتفاق على مرشح واحد ينافس السيسي، وبين من يرى أنها تأتي في إطار خوف النظام من تزايد رقعة الغضب تجاهه بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ووجهت السلطات للمقبوض عليهم تهما؛ تركزت حول التحريض ضد النظام الحاكم، وإهانة رئيس الجمهورية، وإثارة الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن داخلية الانقلاب أنكرت القبض على بعض المعتقلين أو الكشف عن أماكن احتجازهم، ما أثار المخاوف من تعرضهم، بحسب حقوقيين، للاختفاء القسري.
"قتل لفكرة البديل"
ورأى الباحث السياسي، جمال مرعي، أن حملة الاعتقال المستمرة للمعارضين سببها "حالة الذعر التي تسيطر على النظام؛ خوفا من وجود بديل مدني للسيسي، في ظل تردي الأحوال في البلاد"، مشيرا إلى أن "النظام يخشى أن يتم التوافق على مرشح يتحدى السيسي ويسبب له إحراجا في
الانتخابات المقبلة".
وأضاف مرعي لـ"عربي21" أن النظام الحالي أصبح لا يثق في أي شخص خارج المؤسسة العسكرية لمواجهة التدهور الاقتصادي والسياسي، "وهذا أمر واضح في كل تصرفاته"، متوقعا أن تتزايد حالة القمع في البلاد، وأن "يترك السيسي العنان للأجهزة الأمنية، ويعطيها صلاحيات واسعة لقمع المعارضة واعتقال أي شخص تشك في أنه معارض للنظام"، كما قال.
وأوضح أن "البلاد أصبحت تحت سيطرة جبهتين أمنيتين تعارضان تماما فكرة وجود بديل للسيسي، الأولى هي المؤسسة العسكرية، والثانية هي جهاز الشرطة، والاثنتان تصفيان حسابات قديمة مع السياسيين والنشطاء المشاركين في ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 ومعارضين للنظام الحالي، وفق تقديره.
حسم الانتخابات مبكرا
من جانبه، قال المحامي الحقوقي، إسلام مصطفى، إن "النظام الحالي وصل لمرحلة غير مسبوقة من الفجور في الخصومة، ولا يسمح لأحد بأن يعارضه"، مشيرا إلى أن الدور القمعي الذي يقوم به هو جزء من طبيعة تكوينه الفكري والعسكري، فهو يرى أن القمع شيء أساسي في التعامل مع معارضيه"، بحسب تعبيره.
وأضاف مصطفى، لـ"عربي21" أن السيسي لا يشن حملة الاعتقالات هذه بسبب خوفه من الفشل في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ "لأنه في أسوأ الظروف سيقوم بتزوير الانتخابات حتى يفوز بها، لكنه لا يريد للرأي العام أن يفكر ولو للحظة واحدة في مسألة وجود بديل للسيسي؛ لذلك فهو يعاقب المعارضة التي بدأت في مناقشة فكرة التوافق على مرشح بديل للسيسي، سعيا وراء تدمير فكرة وجود بديل مدني للسيسي من الأساس؛ لأن هذه الفكرة تمثل كارثة حقيقية له".
ورأى أن "النظام يرغب في حسم الموضوع منذ البداية؛ لأننا أمام شخص مستبد يريد أن يطيل فترة حكمه لأطول فترة ممكنة عبر تعديلات دستورية جديدة"، وفق تقديره.
تضامن
وأعلنت شخصيات مصرية رفضها واستنكارها للقبض على خالد علي "والتحقيق معه في تهم زائفة، حقيقتها الانتقام منه بعد تصديه القانوني للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وحصوله وبقية فريق الدفاع على حكم قضائي نهائي بمصرية الجزيرتين، ما عرض النظام للحرج أمام داعميه".
وقالت هذه الشخصيات في بيان: "القبض على المحامي خالد علي يكشف هشاشة النظام الحاكم، ورفضه لأي معارضة، وخشيته من أي منافسة حقيقية، وعدم احترامه للدستور والقوانين".
وأضاف البيان: "القبض على الأستاذ خالد علي يأتي استكمالا لحملة منظمة ضد النشطاء السياسيين ورافضي الحكم الحالي، سواء من التيارات الإسلامية أو الليبرالية أو اليسارية أو حتى المستقلين، وهي اعتقالات لا تستند لأي أساس قانوني، بل تعبر فقط عن هلع السلطة الحاكمة من هؤلاء المعارضين السلميين".
وطالب الموقعون على البيان "بسرعة الإفراج عن الأستاذ خالد علي"، كما طالبوا "أيضا بالإفراج عن بقية الشباب الذين اعتقلوا مؤخرا بسبب كتاباتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، كما نطالب بالإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين الآخرين الذين تم حبسهم بسبب رفضهم للحكم العسكري ولم تتوفر لهم محاكمات عادلة".
ووقع البيان كل من: إبراهيم يسري، أيمن نور، محمد محسوب، طارق الزمر، سيف الدين عبد الفتاح، الشاعر عبد الرحمن يوسف، طاهر عبد المحسن، حاتم عزام، أيمن عبد الغني، أسامة رشدي، نيفين ملك، محمد كمال، وصفي أبو زيد، محمد المتبولي، محمد مجدي، أحمد عامر، أبو بكر خلاف، محمود هشام، الشيخ عصام تليمة، منذر عليوة، قطب العربي، إسلام الغمري، حسام الشاذلي، غادة نجيب، أسماء شكر، أحمد البقري، محمد إسماعيل، أحمد عطوان، هشام إسماعيل، عمر الشال، سامي كمال الدين، محمود هشام، عز الدين عبده، المهندس أحمد سالم، مختار كامل، أشرف توفيق.
من جهته، عبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عبد الله الأشعل، عن أسفه لما أسماه المستوى الحقوقي الذي وصلنا إليه في مصر، آخره التحرش بالمحامي الحقوقي خالد علي، وأضاف أنه إذا كانت التهمة صحيحة، فلماذا أثيرت بعد عدة أشهر من حدوثها، متسائلا: "أين هذا الاتهام من الجرائم والانتهاكات الخطيرة، التي يدافع عنها خالد علي؟".
وأضاف الأشعل في بيان وصل "عربي21": "أرجو ألا يكون التحرش بعلي جزءا من سياسة التنكيل بالمدافعين عن حقوق المصريين في أرضهم وحقهم في تداول السلطة والترشيح للرئاسة".
وتابع: "لهذا السبب، أعلنت أنني لن أترشح لمنصب لا تتوافر فيه الضمانات لتداوله، ولا يأمن المرشح من الملاحقة". وقال: "ظني أن خالد علي تتم ملاحقته لأنه دافع عن مصرية تيران وصنافير، وأنه يرغب في الترشح مرة أخرى للرئاسة".
الاحتقان الشعبي يتزايد
ولأول مرة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، شملت حملة الاعتقالات، بجانب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، نشطاء في أحزاب الدستور، والعيش والحرية، والمصري الديمقراطي، وحركتي الاشتراكيين الثوريين، و6 أبريل.
وأصدر 13 حزبا وحركة سياسية وعشرات الشخصيات العامة بيانا، يوم الأحد الماضي، نددوا فيه بحملة الاعتقالات الأخيرة، جاء فيه: "إن هذه الحملة الأمنية المسعورة تأتي تزامنا مع مشروعات قوانين تقدم إلى مجلس النواب؛ لتغليظ عقوبات ما يسمى إهانة رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة ورموزها، وفرض الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن السلطة بحاجة لمزيد من القوانين المقيدة للحريات، لتضمها إلى ترسانتها الممتلئة بهذا النوع من القوانين".
وأضاف البيان أن الحملة الأخيرة تكشف "زيف وكذب ما يتردد عن كون التشريعات التي تصدر والإجراءات التي تتخذ هي في إطار مواجهة الإرهاب، بل هي في إطار رغبة السلطة في فرض هيمنتها الكاملة على المجتمع، وإسكات أي أصوات مختلفة ومعارضة، وإجهاض أي فرص أو احتمالات لمساحات من الحراك السياسي والمجتمعي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018".
وأصدرت حركة "الاشتراكيين الثوريين" بيانا يوم الاثنين الماضي، قالت فيه إن النظام قام باعتقال الشباب والطلاب؛ استعدادا لموجة جديدة من رفع أسعار السلع الأساسية والخدمات، وكذلك استعدادا لانتخابات رئاسية تبدو مختلفة عن سابقتها؛ نتيجة لارتفاع حجم الاحتقان الشعبي".
وتوقع القيادي بالحركة، هشام فؤاد، زيادة هذه الضربات الأمنية واتساع رقعتها كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو 2018؛ للتغطية على فشل النظام، ومنع المعارضين من تحريك الشارع للتعبير عن غضبه من تدهور الأوضاع بالبلاد.