شهدت
الليرة التركية
الأسبوع الماضي انخفاضا ملحوظا فور التوجه نحو المزيد من السياسة النقدية
التيسيرية التي يتبعها البنك المركزي التركي، بتخفيض سعر الفائدة وفقا
للمدرسة
التي يتبناها الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، حيث تم تخفيض سعر الفائدة إلى 15 في
المائة، بنسبة انخفاض 1 في المائة.
وقد وصل سعر صرف الليرة
مقابل الدولار الأمريكي 13.45 بانخفاض تجاوز 15 في المائة في أيام معدودات، لتسجل
أدنى مستوياتها أمام الدولار، ثم شهدت ارتفاعا حذرا تحت حاجز 12 ليرة مقابل
الدولار، وذلك بعد زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لتركيا وما نتج عنها من
تعهدات
اقتصادية من جانب الإمارات تصب في دعم الاقتصاد التركي؛ باقورتها استثمارات
بقيمة 10 مليارات دولار. وظل سعرها يتسم بالتذبذب ما بين الانخفاض والارتفاع خلال
هذا الأسبوع.
وقد ذكرت وكالة أنباء
الأناضول السبت الماضي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
أمر بفتح تحقيق في تلاعب
محتمل في العملة، وأنه كلف مجلس الرقابة الحكومي، وهو جهاز تدقيق تابع للرئاسة،
بتحديد المؤسسات التي اشترت كميات كبيرة من العملات الأجنبية وتحديد ما إذا كان قد
حدث أي تلاعب. وقال الرئيس أردوغان: "إن
تركيا تخوض حربا اقتصادية من أجل
الاستقلال ولن تخضع للضغط.. نشهد الألعاب التي يتم لعبها حول سعر الصرف وأسعار
الفائدة وارتفاع الأسعار من قبل أولئك الذين يريدون إخراج بلادنا من المعادلة".
تصريحات الرئيس التركي تكشف عن ثقته في رؤيته الاقتصادية، علما بأن المدرسة التي ينتهجها لخفض سعر الفائدة هي مدرسة لها ما يبررها، وتركيا ليست بدعا عن دول أوربا والولايات المتحدة التي لا يكاد سعر الفائدة فيها يذكر. كما أن رفع سعر الفائدة لن يكون سوى مسكن لسعر صرف الليرة لتستمر سياسة التبعية، فهو في حقيقته لن يفيد في ظل عدم الثقة بالليرة لحفظ الثروة
وقد ربط الرئيس أردوغان بين
الماضي والحاضر، كاشفا بوضوح عن خطته المستقبلية فقال: "بمجرد تولينا السلطة،
وضعنا خطط صندوق النقد الدولي جانباً، وسددنا ديونه في أيار/ مايو من عام 2013.
وارتفع احتياطي النقد الأجنبي من 27.5 مليار دولار إلى 127 مليار دولار.. مع كل خطوة
خطوناها رفعنا مكانة تركيا، وسوف نستمر في نفس المسيرة الاقتصادية.. دخلنا في
مشكلات منذ توقفنا عن الاستدانة من صندوق النقد، وأصبحوا يتبعوننا منذ ذلك اليوم..
لن يتمكنوا من تحييدنا عن طريقنا، ولا عن أهداف الإنتاج والتوظيف، وميزان الحساب
الجاري.. يحاول بعض الاقتصاديين والسياسيين أن يرسموا تركيا وكأنها تعاني من أجل
التحرر الاقتصادي، ولكن الحقيقة غير ذلك.. رؤية رفع أسعار الفائدة وتحركات العملة
على أنها نهاية بلدنا هو أمر بائس، سوف نتجاوز هذا.. وأؤكد على أننا ننظر للبنية
التحتية، والتوظيف، والإنتاج كما فعلنا لـ19 سنة، ولن نستسلم.. معدلات الفائدة
ستظل منخفضة، من يتحدث عن ضرورة رفعها يحاول إثارة الهلع للأمة، بالهجوم على
معدلات الصرف.. معدلات فائدة عالية أو منخفضة، لا يهمنا شيء سوى الحياة والعمل
ومستقبل الناس.. اتخذنا خطوات لإيقاف المتربحين من معدلات الفائدة المرتفعة".
إن تصريحات الرئيس التركي تكشف
عن ثقته في رؤيته الاقتصادية، علما بأن المدرسة التي ينتهجها لخفض سعر الفائدة هي
مدرسة لها ما يبررها، وتركيا ليست بدعا عن دول أوربا والولايات المتحدة التي لا يكاد
سعر الفائدة فيها يذكر. كما أن رفع سعر الفائدة لن يكون سوى مسكن لسعر صرف الليرة
لتستمر سياسة التبعية، فهو في حقيقته لن يفيد في ظل عدم الثقة بالليرة لحفظ
الثروة، ومن ثم فلا أمل في توجه الناس لاستبدال مدخراتهم الدولارية وحيازة الليرة
مع رفع سعر الفائدة عليها، كما أن خفض
التضخم لن يكون سوى ذي أثر وقتي قصير؛ نتيجة
لتقليل المعروض من حجم الليرة، ولن ينال الاقتصاد في النهاية سوى تقييد الائتمان وارتفاع
تكلفة الاستثمار وتغذية التضخم من جانب آخر.
وحلول مشاكل سعر الصرف لا تتوقف على الحلول والمسكنات
الوقتية، ولكن يجب أن ينظر إليها نظرة شاملة في ظل سياسة الدولة الاقتصادية، حيث إن
سعر الصرف يتأثر بعوامل متعددة؛ من أهمها وضع ميزان المدفوعات وظروف السوق وسلوك
المتعاملين فيه وأسعار الفائدة ومستوى التضخم.. والليرة التركية وفقا للمعطيات
الاقتصادية التركية لا يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه من هبوط في أيام معدودة إلا
بحرب ممنهجة من خلال حمى المضاربات الموجهة لعرقلة المشروع التركي المستقل. وقد لاحظ
البنك المركزي التركي الأسبوع الماضي "تكوينات أسعار غير صحية في أسواق
الفوركس، وغير واقعية ومنفصلة تماماً عن الأساسيات الاقتصادية". كما أنه إذا
نظرنا للعجز في الميزان التجاري في وقتنا الحالي نجده أفضل حالا مما كان عليه
حينما كانت سعر صرف الليرة التركية أفضل حالا.
تبقى مشكلة التضخم من أكبر المشاكل أمام الحكومة التركية، وهو ما يتطلب رفع الحد للأجور وتحسين الدخول، ودخول الحكومة من خلال مؤسساتها وداعميها من رجال الأعمال بائعين للسلع الأساسية في السوق بأسعار تنافسية لمواجهة جشع التجار الملحوظ، واستثمار انخفاض الليرة في فتح أسواق جديدة للصادرات
إن مستقبل الليرة التركية
يعكس أنها مستهدفة في ظل مرحلة الاستقلال الاقتصادي لتركيا، وستظل تقلباتها في
الفترة القادمة هي عنوان المرحلة، لا سيما وأن هناك
انتخابات قادمة وأيادي داخلية
وخارجية وضعت كل جهدها لهزيمة الرئيس أردوغان وحزبه من خلال الحرب الاقتصادية الممنهجة،
بعد أن عجزوا عن مباراته في ميدان السياسة والاقتصاد بنزاهة وشفافية..
وتبقى مشكلة التضخم من أكبر
المشاكل أمام الحكومة التركية، وهو ما يتطلب رفع الحد للأجور وتحسين الدخول، ودخول
الحكومة من خلال مؤسساتها وداعميها من رجال الأعمال بائعين للسلع الأساسية في
السوق بأسعار تنافسية لمواجهة جشع التجار الملحوظ، واستثمار انخفاض الليرة في فتح
أسواق جديدة للصادرات، والاستفادة من
العلاقات الدولية التي يجيدها الرئيس أردوغان
بدقة لتحييد على الأقل من يمكن تحييدهم ممن رفعوا لواء الحرب الاقتصادية على تركيا،
إضافة إلى رفع الوعي لدى الأتراك بأهمية تحمل تبعات معركة الاستقلال الاقتصادي.
كما أنه قد يكون من المناسب في الوقت الحالي عمل مجلس للعملة مستقلا عن البنك
المركزي، يتولى إدارة سعر الصرف بصورة تحقق له الثبات، مع أهمية الرقابة المستمرة
على سوق الصرف.
twitter.com/drdawaba