يتأجل النقاش العربي
والدولي في تفاصيل الملف
اللبناني إلى ما بعد القمّة العربية في جدة، التي سيكون
نجمها لهذا العام رئيس النظام السوري بشار
الأسد، العائد للحضن العربي الرسمي مع
مصالحة سعودية- إيرانية. لكن المطلعين يؤكدون أن كل الضغوط التي تمارس من قبل الدول
الخمس وتحديدا واشنطن والرياض والدوحة، تهدف لعقد جلسة انتخاب رئيس من الآن وحتى
نهاية الشهر القادم، بهدف حسم الملف الرئاسي والذهاب لتسوية حكومية، يمكنها أن
تتفعل بعد انتهاء جلسات قمّة.
بالتوازي، يبدو أن
رسائل خارجية وصلت إلى القوى السياسية المحلية، تشير إلى استعداد الخارج وتحديدا الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات، هدفها الضغط في سبيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وعليه، فإنلبنان سيكون أبرز المتأثرين بانعكاسات القمة غدا؛ خصوصا أنه بات في منطقة الخطر في أزمة اقتصادية وحياتية خانقة، والأزمة الرئاسية والحكومية باتت تهدّد بإحراق ما تبقّى من البنيان المهترئ للنظام السياسي الحالي، ومن ثم إلى إعادة نبش بنود الدستور، والعبث بمعادلة الحكم القائمة لمصلحة معادلة أخرى، تعكس موازين القوى العسكرية القائمة على الأرض، التي يعرف كيف يديرها الطرف الأقوى، أي حزب الله.
لكن، في المحصلة، فإن حزب الله يسعى للاستفادة من المنطق القائل؛ إن عودة النظام للجامعة العربية ستضفي
شرعية على "البزنس" الذي يديره في
سوريا، باعتبار أن عودة سوريا برئاسة
الأسد للجامعة العربية والتطبيع مع السعودية ومصر، هو انتصار سياسي ومعنوي كبير
للنظام الأسدي، لكنه يبقى مُهدّدا إذا لم يتبعه انتعاش اقتصادي ينقذ الاقتصاد
المتهالك، ويحصّن النظام من غضب شعبي محتمل.
وهذه الحقيقة، بات
يدركها النظام الأسدي ويدرك معها أن مفتاح الإنقاذ والإعمار موجود في الرياض
والدوحة، إضافة إلى المؤسسات المانحة الدولية التي تمسك بها واشنطن، وبات يعلم أكثر
حقيقة وجود تقاطع إقليمي- دولي للحد من النفوذ الإقليمي الإيراني.
وإيران نفسها تدرك
ذلك جيدا أيضا، وهي تعرف أنّ نقطة ضعفها في مناطق نفوذها الشرق أوسطية تكمن في
محدودية إمكانياتها المالية، في ظلّ العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولو أنّ
تطبيقها يحاذر دائما إيصال الأمور إلى مستوى الاختناق؛ كي لا تنفجر الأمور وتضطر إيران
إلى القيام بعمل غير محسوب.
وعلى الرغم من أن
طهران سعت لإنقاذ حلفائها في سوريا ولبنان بكميات من النفط، لكنها وبعد أقل من أشهر
استسلمت أمام الظروف المأساوية التي انفجرت في وجه النظام الإيراني شعبيا، فيما جاءت
زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا لتحمل معها حزمة من الاتفاقيات
العسكرية والعقارية والاقتصادية ذات بُعد استراتيجي، وذلك بغية تأمين حضور فاعل في
المستقبل، مع تزايد شهية الأطراف بالمشاركة في إعادة الإعمار، حيث الخوف من حضور
تركي أو إماراتي في مسارات إعادة بناء سوريا.
فإعادة الإعمار، المقدرة
بمئات المليارات، وتوفير المنصات المحيطة للشركات، تعنيان الحاجة الضرورية للتمويل
العربي والأوروبي. لكن في السياسة العالمية لا مكان للسخاء المجاني والشيكات
المفتوحة، ومن ثم لا وجود لتقديمات مالية مجانية، وهو ما يعني أن ما دون الوصول
إلى هذه المرحلة، مرحلة كبيرة وشاقة وتحتاج لمفاوضات طويلة، وبات النظام الأسدي
يدرك شروطها ومتطلباتها.
بالتوازي، فإن
نقاشا إيرانيا- سعوديا سيبدأ مطلع حزيران/ يونيو، ويتوقع العارفون في حيثياته أنه
سيمر بجانب منه على الملف اللبناني، وهذا السياق جرى التمهيد له بالإعلان عن أن مشاورات الدول الخمس حيال لبنان، ستهدف لإشراك الإيرانيين في صيغته المحتملة، إذا ما
بات واجبا الذهاب إليها سريعا.
لذا؛ يتقاطع الإيرانيون
والسعوديون والقطريون على قطع أي طريق على الأسد للدخول في المساحة اللبنانية،
والتعاطي مع حزب الله كجهة تمثل فريق "الممانعة"، خاصة أن هناك سعيا
محموما من الأسد للدخول إلى تفاصيل الشأن اللبناني عبر السعوديين، وكان قد تناول
الملف معهم خلال لقاءاته مع خالد الحميدان أو فيصل بن فرحان.
لكن الجانب
السعودي كان واضحا لجهة أنه يركز في المرحلة المقبلة على ترتيب العلاقات وانتشال
دمشق من كبوتها في هذه المرحلة، من دون التدخل في شؤون الملف اللبناني من قبل النظام،
لاسيما أن حزب الله هو الموكل باتخاذ القرارات اللازمة بالاستحقاقات اللبنانية.
فالعلاقات السعودية السورية ستكون مرتكزة على البحث في التعاون الأمني لوقف عمليات
تهريب المخدرات في البداية، عبر خلق آلية تنسيق مع الأردن والسعودية وسوريا
لمكافحة عمليات التهريب للمخدرات، التي تشغل بال الرياض.
ومن ثم، فإن الأسد
ونظامه سيعمدان في المرحلة المقبلة إلى إظهار التبدلات التي حصلت ميدانيا خلال
الأسابيع الماضية لمصلحة النظام في دمشق، وصولا إلى حدودها الجنوبية، وإلى إعطاء الجانب
الديني حيّزا أشمل وأكثر قدرة على التكيف مع الخطاب السائد في الخليج، وهذا الأمر
سيساعده على لجم أي نمو لمجموعات دينية في المستقبل.
لكن الموقف الأمريكي
المعلن حتى اللحظة لناحية رفض الاعتراف بنفوذ طهران المتزايد، ورفض تدوير النظام
في سوريا، قد يتغير نتيجة المرونة الأمريكية التي قد تسمح بقبول خيارات أخرى عند
الحاجة، وهذه المرونة تُرجمت منذ أشهر برعاية واشنطن لاتفاق الترسيم بين لبنان
وإسرائيل. وهذا السياق قد يبدل من موقفهم تجاه الأسد ضمن صفقة محتملة، ما دامت
محاولات إسقاط النظام اصطدمت بعوائق عدة.