يظن كثيرون أن مشاكل النوبة بدأت مع بناء السد العالي على نهر النيل في أسوان في ستينيات القرن الماضي لكن الحقيقة أنها بدأت منذ أكثر من مئة عام عندما بُني خزان أسوان الذي افتتح عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.
وتسبب ذلك الخزان وتعليته مرتين عامي 1912 و1934 في تهجير جزئي لبعض قرى وسكان النوبة وتآكل مساحة الأراضي الزراعية وهو ما استتبعه نزوح بعضهم للقاهرة ومدن أخرى بحثا عن فرص عمل بعد أن غمرت مياه الخزان أراضيهم ومنازلهم.
وتفاقمت المشاكل عندما هجرت الحكومة الأهالي قسرا من قراهم الأصلية في المنطقة الواقعة بين جنوب أسوان وحدود
مصر الجنوبية بسبب بناء السد العالي الذي افتتح عام 1970. وتحولت منازل ومعظم أراضي النوبة التاريخية لما يعرف حاليا ببحيرة ناصر التي تكونت خلف السد.
نقلت الدولة عام 1964 سكان 44 قرية نوبية إلى منطقة جديدة شمال السد سُميت مركز نصر النوبة بوادي كوم أمبو في أسوان في إجراء خلف الكثير من المشكلات.
وتعهدت الحكومة آنذاك بتعويضهم عن منازلهم وأراضيهم لكن تتعالى الشكاوى من أن التعويضات لم تكن متناسبة مع حجم ومقدار الممتلكات.
وطيلة أكثر من نصف قرن ظل أبناء النوبة في مصر يحلمون بالعودة لأرض الآباء بعد تهجيرهم منها.. وهم لا يرون في مقعدهم الوحيد في البرلمان الجديد أملا في تلك العودة.
ومع وجود مقعد النوبة الذي سيضمن لأبنائها تمثيلا برلمانيا لأول مرة منذ 33 عاما فإن كثيرين من أبنائها لا يعولون على نائبهم الذي سيدخل المجلس النيابي بعد الانتخابات التي بدأت يوم الأحد (18 تشرين الأول/ أكتوبر) في حل مشاكل تراكمت على مدى أكثر من مئة عام.
وقال خالد عبداللطيف رئيس جمعية أدندان النوبية "والله أنا شايف ان مش هيتغير الا هيتغير بايد أولادها. بايد ناسها. الناس بتتعلم واقتصادها هيزيد لو فيه اقتصادي كبير وفيه رأسمالي كبير هيغير. لو فيه سياسي له قدرة على التأثير هيغير. إنما طول ما الناس فقراء ويعني تحت حد معين مش هيحصل تغيير لأي قرية أو لأي حاجة".
وتشكو بعض الأسر النوبية التي انتقلت للمدن للعمل أو التعليم من تجاهل الدولة لها رغم أنها كانت تمتلك أراضي ومنازل في النوبة وتقول إن الدولة لم تعوض إلا القلة القليلة منها.
ويشكو
النوبيون كذلك من افتقار المنطقة للخدمات والاستثمارات الحكومية أو الخاصة وقلة الأراضي الزراعية الخصبة وعدم وجود مساحة كافية لاستيعاب التزايد السكاني وهو ما يدفع الشبان والرجال للسفر للمدن بحثا عن العمل حتى أن البعض يقول إن قراهم تكون معظم الوقت قرى للنساء والأطفال والمسنين فقط باستثناء فترات الأعياد.
ومع ذلك فليس هذا شعور كل النوبيين.
فعبد الله شفا عمدة أدندان له رأي مختلف.
وقال شفا لرويترز: "النوبيين ناس مسالمين جدا بس برده مصرين على تحقيق مطالبهم. وإن شاء الله بالقنوات الشرعية يعني بنطلب. وبعدين في الدستور فيه مادة نازلة واضعين ان النوبة دي هيعملوا فيها تنمية وكدا وكدا (وهكذا). فأنا من الناس اللي مش بتشكك إن الدولة هتلبي لنا طلبنا. أنا شخصيا".
ومع أن في الدستور الذي أقر العام الماضي (2014) مادة تقول: "تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات وذلك على النحو الذي ينظمه القانون" فإن البعض يحذر من غضب الشباب إذا استمرت الدولة في نهجها الحالي.
من هؤلاء النوبي علي حسن عبد القادر الذي يقول إن عدم توفر البنية التحتية من بين كثير من المشكلات التي يعاني منها النوبيون.
أضاف عبد القادر لتلفزيون "رويترز": "أبرز المشكلات طبعا إيه.. نقص الخدمات. أولا لغاية النهاردة يمكن كان فيه أوائل سنوات الهجرة كان فيه أتوبيس (حافلة) نقل عام بيخدم كل النوبة. النهاردة مفيش أي وسيلة مواصلات ما عدا التاكسيات والمواصلات الخاصة".
وحاولت الحكومة في السنوات القليلة الماضية استرضاء النوبيين، فعينت عضوا منهم في لجنة صياغة الدستور استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي مع شخصيات بارزة أخرى.
ومن ضمن ما يشكو منه النوبيون عدم اهتمام الدولة الكافي باللغة النوبية والثقافة والتراث النوبي بما يتناسب مع حجم هذه الثقافة.
ورغم ذلك لا يزال المجتمع النوبي متمسكا بما تبقى من طقوسه وتراثه وحتى أطعمته. ولا تزال الأعراس تقام على أنغام الأغاني والأهازيج النوبية وتتخللها الرقصات النوبية. ولا يزال كثير من النوبيين يجيدون اللغة النوبية لكن كثيرا منهم خاصة الصغار الذين ولدوا في المدن لا يعرفون عنها شيئا.
ووفقا لإحصاء أجرته الحكومة في أوائل الستينيات بلغ عدد النوبيين في مصر نحو 99 ألفا بينهم 48 ألفا مقيمون في النوبة ونحو 50500 في المدن. وكان عدد الأسر المقيمة بالنوبة 16800 أسرة وعدد الأسر المغتربة ما يقرب 8500 أسرة.