تلبية لرغبة العديد من القراء الذين استفسرونا عن مصطلح (الاستحلال) الذي استعملناه في مقالاتنا السابقة نقول:
إذا كان عهد الاحتلال والاستغلال المباشر قد ولى كما يبدو في الظاهر... بسبب وعي الشعوب ومطالبتها بحقها في تقرير مصيرها واستعصاء محافظة الغاصب بالقوة العسكرية على الوضع السافر كما كان الحال في معظم بلادنا المحتلة على المباشر، فلتفادي الانفجار الحتمي الناتج عن ذلك التناقض الصارخ في الأوضاع الاجتماعية مع التعارض الرأسي في القيم الثقافية ومقومات الهوية الوطنية والقومية فضلا عن تعارض الأهداف والمصالح بين نعيم الأقلية المحتلة وجحيم الأغلبية المستغلة فوق أرضها والمدافعة عن حقها المشروع في الوجود والعيش بكرامة إنسانية (ولو نظريا) عبر الحدود في عصر إعلان حقوق الإنسان الملاك ليل نهار في بث الأخبار الحية بالصوت والصورة الرقمية..!؟
لتجاوز هذا الواقع الفاضح (لحقوق الإنسان) تعمد تلك الدول المحتلة إلى طرق غير مباشرة تبقيها دائما رابحة بالاستحلال وغير خاسرة في جميع الأحوال كما هو واقع الحال!!
وهذا بلجوء تلك القوى الغاشمة المدمنة على حب السيطرة والاستغلال وامتصاص الدماء في كل الأحوال... تعمد إلى ابتكار طريقة جديدة لتحويل الاحتلال السابق إلى استقلال صوري لاحق يصير هذا الشعار في كل البلاد التي حصلت عليه بالتراضي مع بعض الأهلين من المستحلين أو بالكفاح المرير والتضحية لعشرات السنين من الوطنيين المخلصين..
ففي الحالتين يتسنى للاحتلال السابق مواصلة التحكم في القرار لتحقيق المزيد من المكاسب (الحلال) بالاستحلال دون أي إرهاب أو قتال أو أي حساب أو عقاب!؟
وهذا البديل السرطاني المؤبد للاحتلال هو الذي أطلقنا عليه مصلح (الاستحلال) والكلمة منحوتة لغويا وهي مشتقة من الوزن العربي (استفعل يستفعل) الذي من معانيه في البيان العربي طلب الشيء والحصول عليه مثل استغفر يستغفر (طلب الغفران.) واستنجد يستنجد (طلب النجدة.).. واستطعم يستطعم (طلب الطعام..).
وهكذا... ففعل استحل يستحل هو طلب (شارل وجاك) من هذا العميل والوكيل المعتمد أو ذاك الحلول محله في الحكم والتصرف بالوكالة لحساب موكله من الباطن بكل حرية و(شرعية شعبية)!!
ومعناه هنا هو طلب الموكل من الوكيل الحلول محل الفاعل الأجنبي والمقاول لحسابه من الباطن لجمركة وجوده على كل حدوده وتبييض جرائم جنوده وترسيم أهم رموزه في دستوره. مسخا وفسخا وسلخا ونسخا فكرا وسلوكا واستعداء واستعلاء واستقواء بالموكل المراقب المتحكم في أهم المراتب والمناصب من الخفير إلى الرئيس والوزير!!
هذه بعض معاني الاستحلال الذي جعل بعض المستحلين القادرين على النطق يقولون: "ألا ليت الاحتلال السافر يعود إلينا... نشكو له ما فعل الاستحلال الماكر فينا!؟"..
ومن كثرة تأكيد التزوير في أجهزة الإعلام الاستحلالي يخيل للمزورين أنفسهم أن ما أعلنوه من أرقام هو الحقيقة عينها والشرعية الشعبية ذاتها في أعين بعض المستأجرين من المراقبين الإقليميين والدوليين!!؟؟
وبهذه الكيفية من التسليم والتسلم للعهدات يتمكن المحتل السابق من الاطمئنان على مصالحه الإستراتيجية والحيوية في أيدي المستحل اللاحق بعد تغيير ألوان العلم واسم الجنسية الورقية واسم العملة المحلية.. فيصبح الاستقلال المأمول من الشهداء استحلالا مشروعها وشرعيا لدى الخفراء ولا خلاص للشعب المستضعف من قبضته ولا أمل له في أي استقلال آخر من بعده لا بالانتخاب ولا بالانقلاب ولا بالإضراب ولا حتى بتحالف الأحزاب لخوض الانتخاب دون تزوير من أحزاب التبرير للتجديد والتغيير... لأن مفتاح الحل والغلق لباب الحرية خارج عن أصحاب الدار وفي حصن مكين مغلق الأبواب بين أيدي المتحكم في الأنفاس والرقاب...!!
وواقع ثورات الشعوب المحاولة للتغيير والتحرير يغني عن أي أمل في التخلص من هؤلاء المقاولين والانقلابيين على الشرعية في البلاد المستحلة من أعداء الخارج بوكلاء وعملاء الداخل من نواب الفاعل!!
ومن الخصائص والمميزات الوظيفية للاستحلال التي يعجز حتى الاحتلال عن القيام بها هو أنه يقلب الأوضاع السائدة ويعكس القاعدة فيحرم الحلال ويحلل الحرام ويجعل المتغيرات الانتقالية ثوابت أبدية ويصير الثوابت الوطنية متغيرات مرحلية وعوائق ضد التنمية والانفتاح على العالمية والانسياح دون بوصلة ثقافية أو هوية وطنية أو قومية، ويعتبر الجهاد من أجل التحرر من الظلم والظلام الاستحلالي إرهابا وظلامية والتطلع إلى العدالة طموحات أنانية فردية تحركها أياد أجنبية... ضد أمن الدولة والوحدة الوطنية... ويعتبر دك القلاع بالتطبيع وكشف القناع بالتركيع سياسة واقعية ونزع الحجاب وخلع الأبواب ضرورة سياسية... وإلغاء حق الأغلبية لصالح الأقلية حتمية محلية وشجاعة ادبية ومصلحة وطنية... فيعكس الاستحلال كل القيم ليصبح الوضيع فوق الهرم والشريف العفيف تحت القدم، والخصم في الإدارة وصندوق الانتخاب والرقابة هو الحكم والمزور حامي الحرم وربما حاكما والعميل يظل سالما والمقاوم والمعارض يصبح نادما والجاهل غانما أو ناقما والعالم واجما أو هائما!!
وتصبح للأقلية المحظية الفاعلة في نفسها وأهلها والمقاولة لحساب غيرها حصانة ضد القانون ولها أحزاب وجمعيات وبرامج وأولويات... ولكل مرحلة استحلالية أوانها ورجالها ونساؤها وجيوشها وعروشها... للتصدي لأي تفكير في التغيير بالدعوة الحسنة وبالتي هي أحسن (بالتلاعب في نتائج الانتخاب) أو بالتي هي أخشن بتلفيق تهمة الإرهاب لكل حر شريف يحاول تطبيق مبدأ التداول على السلطة أو تطبيق العدالة للجميع في الحقوق والواجبات أو في الحساب والعقاب!!
هذه بعض معاني الاستحلال الذي جعل بعض المستحلين القادرين على النطق يقولون: "ألا ليت الاحتلال السافر يعود إلينا... نشكو له ما فعل الاستحلال الماكر فينا!؟"..
مستنقع التطبيع.. لا تحسبوه شرا لكم
هل تتحول ليبيا من ساحة تصارع إلى ساحة تقارب بين القاهرة وأنقرة؟
كل ولي عهد حاكم هو مظلوم وظالم!