يتواصل التوتر بين الولايات المتحدة، والسعودية، حول تمسك الأخيرة بقرارها خفض إنتاج النفط، لا سيما مع قناعة واشنطن بأن الرياض ضغطت على دول "أوبك+" للتمسك بقرار الخفض.
فيما لم تتوقف إدارة الرئيس بايدن، والسياسيون المحسوبون عليها، عن ضخ رسائل التهديد للرياض، فإن الأخيرة تواصل إصدار رسائل التمسك بقرارها.
تهديدات متواصلة
السيناتور الأمريكي الديمقراطي كريس كونز، قال لشبكة "سي أن أن"، إن قرار السعودية خفض إنتاج النفط كان بمثابة "لكمة"، وأضاف أنه "من غير المحتمل أن تدعم لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أي مبيعات أسلحة إضافية للسعوديين".
وأضاف كونز، عضو لجنة العلاقات الخارجية: "بالنسبة لنا، في هذه اللحظة، أن يكون لدينا شريك طويل الأمد مثل السعودية يساعد روسيا في تمويل حربها العدوانية ضد أوكرانيا كان بمثابة خيبة أمل مريرة ومفاجأة كبيرة".
وألمح كونز إلى أن "كلا من الإدارة ومجلس الشيوخ سيتخذان عدة إجراءات، وأحد الإجراءات الأكثر ترجيحا هو وقف أي مبيعات أسلحة في المستقبل".
وقبل يومين، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن البيت الأبيض لا يزال في المراحل الأولى من استكشاف نوع الإجراء الذي يجب اتخاذه ضد السعوديين.
وبحسب كيربي، فإن من ضمن الخيارات التي قد تتخذها واشنطن لمعاقبة الرياض، تقليص مبيعات الأسلحة المستقبلي.
وبرغم الخطوات العلنية التي قامت بها الرياض لدفع تهمة اصطفافها إلى جانب موسكو في حربها على أوكرانيا، من قبيل تقديم دعم بـ400 مليون دولار لكييف، تصر واشنطن على أن قرار المملكة خفض إنتاج النفط، لا يمكن تفسيره إلا بأنه دعم للغزو الروسي.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ : هكذا يمكن تجاوز الأزمة بين السعودية وأمريكا
السعودية متمسكة بموقفها
أكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مساء الأحد؛ تمسك بلاده بموقفها تجاه خفض إنتاج النفط، قائلا إن المملكة تسعى إلى دعم الاستقرار والتوازن في أسواق النفط، عبر أمور منها "تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة أوبك+".
وفي خطاب أمام مجلس الشورى، قال الملك إن المملكة "تسعى حثيثا نحو ضمان مناعة ركائز عالم الطاقة الثلاث مجتمعة، وهي من: (إمدادات الطاقة الضرورية، والتنمية الاقتصادية المستمرة من خلال توفير مصادر طاقة موثوقة، ومواجهة التغير المناخي)".
وأضاف "تعمل بلادنا جاهدة ضمن استراتيجيتها للطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف البترول عنصرا مهما في دعم نمو الاقتصاد العالمي، ويتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة أوبك بلس، نتيجة مبادراتها لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها".
رسائل تحدّ لواشنطن
رصدت "عربي21" رسائل تحدّ لافتة بعث بها كتاب سعوديون في صحف بعضها مملوك للحكومة، يتحدون خلالها الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بملف إنتاج النفط.
الكاتب في صحيفة "عكاظ"، حمود أبو طالب، وفي مقال تحت عنوان "هل يمكن الرد على أمريكا؟"، أجاب على تساؤله بالقول: "نعم ممكن ذلك عندما تكون الدولة صاحبة الرد واثقة تماماً من صحة وسلامة وعقلانية مواقفها وقراراتها".
وتابع بأن "السعودية رفضت أي شكل من الإملاءات عليها وتحريف مواقفها، والإساءة لها بادعاءات باطلة، بل إن البيان (بيان وزارة الخارجية)، أوضح للعالم أن أمريكا هي التي سعت إلى تسييس القرارات الاقتصادية لصالح إدارتها الراهنة ممثلة بالرئيس بايدن والحزب الديمقراطي الذي يواجه أزمة داخلية خانقة مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في ظل أوضاع اقتصادية متردية بسبب القرارات الانفعالية غير الناضجة للإدارة الحالية".
واستهجن الكاتب السعودي تركيز واشنطن في هجومها على الرياض دونا عن بقية أعضاء منظمة "أوبك+"، قائلا: "الإدارة الأمريكية تغافلت عن كل الدول الأعضاء في المنظمة، وخصصت تركيزها على المملكة بادعاءات زائفة واتهامات باطلة تسيء لها كدولة محترمة، يعرف العالم بدوله ومنظماته حقيقة مواقفها لأنها مواقف معلنة وذات مصداقية ومسؤولية".
في حين اتهم الكاتب في صحيفة "الشرق الأوسط"، عبد الله بجاد العتيبي، التيار اليساري بالسيطرة على الحزب الديمقراطي الأمريكي، والسعي إلى تغيير استراتيجية العلاقات الخارجية التي تسير عليها الولايات المتحدة منذ عقود.
وأضاف في مقال أن اتهام أوبك+ بتسييس النفط، "موقف متهوّرٌ سياسياً وغير منطقي على الإطلاق، فهو يخالف تاريخ المنظمة الطويل ويتغافل عمداً عن مصالح الدول المنتجة للنفط ويرفض النقاش المتخصص تجاه أسواق الطاقة".
وأردف: "لو صدر هذا الموقف من دولة صغيرة لأمكن التغاضي عنه بسهولة لأنه موقف لا يستحق الرد أو النقاش، ولكن لأنه صادرٌ من أمريكا فقد رد عليه ثلاثة وزراء سعوديين؛ وزير الطاقة ووزير الخارجية ووزير الدولة للشؤون الخارجية، كما رد عليه وزراء منظمة أوبك".
ووصف العتيبي، الولايات المتحدة بـ"الإمبراطورية التائهة"، مضيفا أن "السعودية لم تتغير، ولكن أمريكا تغيرت، وموازين القوى الدولية تتغير وتتطور، وحماية الدول لمصالحها حق أصيل بموجب العقل والمنطق والقوانين الدولية".
فشل لبايدن
نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" عن محللين، قولهم إن المحاولات السابقة التي قام بها الرئيس جو بايدن لمغازلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ستنتهي بالفشل، بعد الاشتباك بين البلدين في ملف إنتاج النفط.
خالد الجبري، نجل رجل الاستخبارات سعد الجبري الذي يخوض معارك قضائية ضد حكومة بلده، قال إن ابن سلمان ليس لديه أي حافز لتغيير سلوكه.
وأوضح أن ما يجري الآن هو نتيجة للمكافأة التي منحها بايدن لابن سلمان، في إشارة إلى التغاضي عن ملفات حقوق الإنسان، وحرب اليمن.
وتابع بأن بايدن فشل في تحقيق وعوده الانتخابية التي قطعها تجاه السعودية، لا سيما في ما يتعلق بإيقاف حرب اليمن، وإنهاء ملف المعتقلين، والمحاسبة على جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
في حين قالت الناشطة لينا الهذلول، شقيقة المعتقلة السابقة لجين الهذلول، إنها كانت تعي أن زيارة بايدن إلى المملكة منتصف تموز/ يوليو الماضي، كانت خائبة.
وأوضحت أن مخاوفها من أن الزيارة كانت ستمنح ابن سلمان الضوء الأخضر لتنفيذ مخططاته، قد ثبتت بالفعل الآن في ما يتعلق بالنفط.
في حين نقلت "إن بي سي نيوز"، عن الباحثة في معهد "كوينسي"، أنيل شيلين، قولها إن "السعودية كانت أكثر انسجاما مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وستكون سعيدة في حال ترشحه مرة أخرى عام 2024".
وأضافت أن "لدى الولايات المتحدة عدة خيارات بشأن كيفية الرد على السعودية، مثل تجميد جميع مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني، وسحب القوات الأمريكية من المملكة".
وتابعت بأنه "على المدى الطويل، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل الاستثمار في مستقبل أقل اعتمادًا على النفط"، وبالتالي فإن قرارات منتجي النفط "لن يكون لها القدرة على التأثير على الانتخابات الأمريكية".
شراكة وليست تحالفا
الكاتبة في صحيفة "واشنطن بوست"، كارين عطية، قالت إنه "لطالما كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية شراكة في النفط مقابل الأمن، وليست تحالفا بالمعنى الحقيقي للكلمة".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21"، أن "هذا هو السبب في أنه كان من السهل جدا على إدارة بايدن بيع قضية حقوق الإنسان".
ولفتت عطية إلى أن ما قامت به السعودية من انحياز إلى جانب روسيا عبر تخفيض إنتاج النفط بحسب قوله، لما يكن أمرا مفاجئا، وكان زميلها الراحل جمال خاشقجي ألمح إلى ذلك قبل سنوات، بقوله إن ابن سلمان يتصرف مثل بوتين.
وتابعت بأن ابن سلمان ليس متهما فقط بانتهاك حقوق الإنسان، فهو شخص "مزعج" بشدة لمعايير الغرب في ما يتعلق بالسلوك الجيوسياسي".
وبحسب عطية، فإنه لسنوات كان الناس يتوسلون الولايات المتحدة لإعادة تقييم علاقاتها مع السعودية. وفي كثير من الأحيان، بدا الغرب وكأنه يتجاهل عن عمد انتهاكات الرياض في قصف اليمن، وسجن النشطاء، والإعدامات الجماعية، والمراقبة واختطاف المنتقدين في الخارج".
ولفتت عطية إلى أن شراكة واشنطن مع الرياض التاريخية، دفعت كبار الساسة في الولايات المتحدة، إلى إبلاغ مسؤولي الحزب الديمقراطي الراغبين بمحاسبة المملكة، بأن "الواقعية تتطلب تقديم مصالح الأمن القومي الأمريكي على ملف حقوق الإنسان".
هل ستؤدي أسعار النفط إلى خلافات سعودية إماراتية؟
وفد سعودي يصل صنعاء وسط ترقب لصفقة تبادل أسرى
كيف سيكون شكل الانتخابات النصفية الأمريكية؟