في ظل حالة الاستقطابات المتصاعدة في
دولة الاحتلال، بين اليمين الفاشي ومعارضيه، ظهرت جبهة جديدة في وجه الاحتلال تتمثل بتراجع مكانتها على الصعيد الدولي، مع تنامي القلق العالمي العميق المحيط بمسألة الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، وما يبدو أنه تغيير جذري في الاتجاه الدولي من
الحكومة الجديدة.
مايكل هراري الدبلوماسي المرموق والسفير السابق في قبرص ذكر أن "التطورات المأساوية في إسرائيل منذ تشكيل الحكومة الجديدة تترك المجتمع الدولي والإقليمي على حد سواء، صامتين ومرتبكين، ويتساءل الكثير منهم إلى أين تتجه إسرائيل، وإلى أي مدى تشير التغييرات فيها، خاصة التركيبة غير العادية للحكومة الحالية، لتغيير حاد في اتجاهاتها؟".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن
الساحة الدولية التي تراقب إسرائيل في هذه الآونة منقسمة إلى معسكرين رئيسيين: أولهما الدول التي تشهد تصاعدا في الموجة المحافظة القومية الشعبوية، ويظهر فيها ضرر كبير للديمقراطية ومؤسساتها، مثل بولندا والمجر والبرازيل أيام بولسنارو، وحتى الولايات المتحدة أيام ترامب حتى يومنا هذا، وفي هذه الساحات، فإن التطورات الإسرائيلية ليست سلبية بالنسبة لهم".
وأشار إلى أن "المعسكر الثاني هو الدول الغربية الليبرالية، حيث الارتباك فيها واضح، في ضوء حقيقة أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، معروف لهم، وفضلا عن خلافاتهم الأيديولوجية معه، فإن الخلاف حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يدخل على خط الجدل الدائر، مما يكشف عن صورة مربكة، لأن معظم الحكومات الليبرالية في الغرب ترغب بإبقاء قنوات الاتصال والعمل مع إسرائيل مفتوحة، لكنها تخشى ألّا يتسبب ما تشهده إسرائيل في نشوء توترات جديدة".
واستدرك بالقول إن "التقاء
المصالح الغربية المشتركة مع إسرائيل لكبح سعي إيران لامتلاك قدرة نووية عسكرية، وتعزيز عمليات التعاون والاستقرار في المنطقة، والتركيز الواضح على حرب أوكرانيا، قد يدفع الاحتلال لإساءة تفسير الصمت الغربي النسبي على إجراءاته الداخلية، وهذا صمت لا يدل على رباطة جأش، بل يشير للقلق والارتباك، أما الدول العربية المعتدلة فهي تبحث في كيفية تأثير التطورات الإسرائيلية الداخلية على مستقبل تلاقي مصالحهما المتعززة في السنوات الأخيرة، وتخشى من تداعيات السياسة الإسرائيلية الجديدة على الساحة الفلسطينية، وامتدادها لساحاتها الداخلية".
وحذر من أن "الحديث يدور أولاً وقبل كل شيء عن الأردن، الذي بدأ بالفعل بإحداث ضوضاء في هذا الاتجاه الإسرائيلي الجديد تجاه المسجد الأقصى، ومصر التي تواجه أزمة اقتصادية خطيرة ومقلقة، حتى الأصوات القادمة من السعودية، حيث يعلق نتنياهو آماله على تحقيق اختراق معها، شددت كثيرًا على القضية الفلسطينية في الأيام الأخيرة، مما يعيد إلى الأذهان خطاب بيت العنكبوت المنسوب لزعيم حزب الله منذ عام 2000، فيما يتعلق بصلابة المجتمع الإسرائيلي".
وأكد أن "تلاقي المصالح الإسرائيلية الغربية تجاه إيران، ونشوء اتفاقيات التطبيع، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لا يلغي فرضية التردد والقلق الذي تتسم به السياسة الغربية اليوم تجاه التطورات الإسرائيلية الداخلية، بل إنه يعيد من جديد طرح القلق الغربي العميق المحيط بمسألة الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، وفي ظل هذه الخلفية فإن قرار الأمم المتحدة لطلب رأي من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الاحتلال، لا ينبغي أن يؤخذ باستخفاف، فهذه ليست عملية تتغير بين عشية وضحاها، لكنها قد تشير في وقت لاحق إلى مفترق طرق، ونقطة تحول سلبية تجاه إسرائيل".
ويكشف هذا التحذير الإسرائيلي عن تحوف حقيقي من تصدع لقاء المصالح الاستراتيجية مع المنظومة الغربية، بجانب تراجع القيم المشتركة، خاصة وأن دولة الاحتلال اعتمدت طوال 75 عامًا من وجودها إلى حد كبير جدًا على الزعم بأنها الدولة التي تعتبر امتدادا للقيم الليبرالية.