تواصل سياسة دولة
الاحتلال التسبب في إثارة أزمات دبلوماسية مع العديد من دول العالم، وآخرها إصدار وزارة خارجيتها قرارا بمنع دخول دبلوماسيين أوروبيين إلى مناطق "ج" بالضفة الغربية على "خلفية أمنية".
وذكر جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام "الشاباك" ومنسق العمليات في المناطق الفلسطينية بوزارة الحرب أنهم "لم يعطوا رأيا بعدم الموافقة على الزيارات لأسباب أمنية"، فيما يرى الدبلوماسيون الأوروبيون أن القرار يشير إلى تغير في السلوك الإسرائيلي تجاههم لأسباب سياسية.
وكشف المراسل السياسي لموقع "
واللا"، باراك رافيد، أنه "في الأسابيع الأخيرة، منعت وزارة الخارجية الإسرائيلية ثلاثة وزراء خارجية أوروبيين من زيارة القرى الفلسطينية في المنطقة (ج)، حيث يحتفظ الاحتلال بسيطرة أمنية ومدنية كاملة، مع أن هذه المنطقة تشكل 60 بالمئة من
الضفة الغربية، وهي احتياطي الأرض المركزي لإقامة الدولة الفلسطينية في المستقبل".
وقال رافيد إن اليمين الإسرائيلي يعمل منذ وصوله إلى السلطة على تقييد خطوات الفلسطينيين في هذه المناطق من خلال زيادة هدم المنازل، وإخلاء القرى البدوية، ويدفع اللوبي الاستيطاني خاصة المنظمات التابعة لحزب الصهيونية الدينية، إلى التحرك ضد المساعدات الأوروبية للفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق.
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "وزراء خارجية إيرلندا والنرويج وبريطانيا، زاروا إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وطلبوا القيام بجولة في القرى الفلسطينية ضمن المنطقة (ج)، لكن تم منع ذلك بسبب معارضة وزارة الخارجية، التي أوضحت لهم أنه في ظل الوضع الأمني المتوتر بالضفة الغربية، فلم يكن ممكنا ضمان أمن الوزراء، لذا فإنه لا يمكنهم زيارة المنطقة".
وزعم المتحدث باسم الوزارة، ليئور حايات، أن الزيارات لم تتم الموافقة عليها بعد التشاور مع المسؤولين الأمنيين، خوفا من أن يؤدي وصول الوزراء إلى مناطق الاحتكاك للتصعيد والعنف، لكن متحدثة باسم الجيش أكدت أنه "لم يقدم أي مسؤول في الجيش هذه التوصية للوزارة، وكذلك جهاز الشاباك".
في سياق متصل، أجرت وزارة خارجية الاحتلال "محادثتي توبيخ مع دبلوماسيين فرنسيين بشأن التوتر على الحدود مع لبنان، بزعم أن
فرنسا تتجاهل الوضع في جنوب لبنان، وإذا استمر ذلك فلن يكون هناك جدوى من مواصلة المحادثات معها بشأن لبنان، لأن فرنسا تتبنى الموقف اللبناني بشكل كامل، وتتجاهل تمركز حزب الله في المنطقة الحدودية مع إسرائيل".
وكشف رافيد أن "فرنسا هي إحدى الدول التي تتمتع بأكبر قدر من التأثير على لبنان، وتقيم علاقات مع أحزابه السياسية، وقادت قبل أسابيع يصياغة قرار مجلس الأمن لتمديد ولاية قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل)، وزعم مسؤولون إسرائيليون أنه خلال مفاوضات إصدار القرار صاغ الفرنسيون مشروعا يكاد يكون مخالفا للقانون، حيث تبنت بالكامل الموقف اللبناني، وفرضت قيودا على أنشطة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، لكن الضغط المضاد من الولايات المتحدة وإسرائيل وأعضاء آخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدى إلى تغيير المشروع الفرنسي، وعدم تضمينه في النهاية قيودا على قوات اليونيفيل".
وأوضح رافيد في
تقرير آخر ترجمته "عربي21" أنه "بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر الماضي، تم استدعاء نائب السفير الفرنسي لوزارة الخارجية في تل أبيب، ووصف مسؤولون كبار فيها اللقاء بأنه دعوة للتوبيخ، بسبب السلوك الفرنسي في المفاوضات بشأن قرار مجلس الأمن بشأن اليونيفيل، وقد زار وفد من الجيش الإسرائيلي باريس قبل أسابيع، وعرض تعزيز مكانة حزب الله على الحدود، ومحاولات تقييد خطوات مراقبي الأمم المتحدة".
وأضاف المسؤولون أن الفرنسيين "حاولوا الترويج لتجاهل الطلبات الإسرائيلية بشكل كامل، وتبنوا الرواية اللبنانية، بل وجعلوا صياغة القرار أسوأ خلال المفاوضات، ولذلك فليس هناك جدوى من إجراء حوار معهم حول هذه القضية في المستقبل".
ونقل رافيد عن السفارة الفرنسية في "تل أبيب" أن لقاء نائب السفير ومسؤولي الخارجية "ليس استدعاء ولم تقدمه لهم وزارة الخارجية كذلك، لقد قالوا فقط إنهم يريدون لقاءنا، وذهبنا لمقابلتهم، وخلال المفاوضات حاولنا تحقيق التوازن بين عدة قوى داخل مجلس الأمن، وكان هناك عدد من أعضائه أيدوا الموقف اللبناني، وتمكنا من تحقيق أفضل نتيجة يمكن توقعها، وأدخلت فرنسا عدة نقاط إسرائيلية في القرار، مثل ذكر ميادين الرماية في جنوب لبنان، وحاويات منظمة أخضر بلا حدود، العاملة غطاء لنشاط حزب الله في المنطقة الحدودية".
وتكشف هذه الأزمات الدبلوماسية الإسرائيلية الأوروبية أنه منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل عشرة أشهر، فقد تعثرت علاقاتهما، رغم قيام بنيامين نتنياهو بزيارات عمل عدة مهمة لأربع من أكبر العواصم الأوروبية، هي باريس وبرلين ولندن وروما، في محاولة لترميم هذه العلاقة.
ونظّم وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين سلسلة زيارات مماثلة، دون أن تسفر بالضرورة عن تحسّن مباشر للعلاقات، ودون ضمان أن تنجح في سحب دولها بجانب مواقف الاحتلال على حساب الفلسطينيين، رغم ظهور بعض السياسات الأوروبية الأخيرة لدى عدد من الدول في الانحياز لـ"تل أبيب"، بما خالف عقودا طويلة من المواقف المبدئية التي ناصرت القضية الفلسطينية.