ملفات وتقارير

ماذا يحدث للمعتقل بعد سنوات من التعذيب والعزل الانفرادي؟

يمكن للتعذيب لفترات قصيرة أن يترك آثارا تحتاج لفترات طويلة من أجل التعافي- جيتي
يستخدم مصطلح التعذيب لوصف أي عمل يُنزل آلامًا جسدية أو نفسية بإنسان ما وبصورة متعمدة ومنظمة كوسيلة من وسائل استخراج المعلومات أو الحصول على اعتراف أو لغرض التخويف والترهيب أو كشكل من أشكال العقوبة أو وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطرا على السلطة المركزية، ويستعمل التعذيب في بعض الحالات لأغراض أخرى كفرض مجموعة من القيم والمعتقدات التي تعتبرها الجهة المُعذِبة قيمًا أخلاقية.

وبعد تحرير عشرات آلاف المعتقلين والمحتجزين من السجون السورية، ومنها سجن "صيدنايا" سيء السمعة الذي استخدم لتعذيب وقتل معارضي النظام السابق، جرى الكشف عن تفاصيل العديد من حالات التعذيب غير المسبوقة بأساليب وصفت بالوحشية وغير الآدمية، وهذا فضلا عن تجريم التعذيب من الأساس ضمن القانون الدولي والإنساني.

ويمكن للتعذيب لفترات قصيرة أن يترك آثارا تحتاج لفترات طويلة من أجل التعافي والتغلب على الآثار السلبية التي يتركها في الضحايا على مختلف المستويات، بينما وصلت فترات التعذيب البارزة في السجون السورية إلى أكثر من 13 عاما منذ اندلاع أحداث الثورة في 2011 وموجات الاعتقالات الكبيرة.

وفي حالات الأسر والاعتقال الطويل، يتعرض الضحية لأحداث ومواقف مؤلمة متكررة لا يوجد لها أي مخرج، ويصبح الضحية معتمدا تماما على المعتدين عليه، الذين يتمتعون بسلطة هائلة في هذه المواقف على الضحية، بحسب كتاب "الصدمة والتعافي: عواقب العنف - من العنف الأسري إلى الإرهاب السياسي".

وفي الوقت نفسه، لا يعرف الشخص المسجون أبدًا إلى متى سيستمر هذا الوضع الرهيب، وهذا بينما يتحكم الخاطفون والمعتدون في حياة المعتقل بأكملها، ويقررون ما يأكله الضحية، ومتى ينام، وما إذا كان سيرتدي ملابس، وما إذا كان بإمكانه التواصل مع أي شخص. 

وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض المعتقل لأشكال مختلفة من الإساءة والتعذيب، مما يسبب شعورًا بالخوف من الموت الوشيك، حيث يقرر المعتدي ما إذا كان سيبقي المعتقل على قيد الحياة أم لا، يخلق الأسر شعورًا مهيمنًا بالخوف وفقدان كل الاستقلال، وغالبًا ما يؤدي، وخاصة في حالة الأسر الطويل الأمد، إلى فقدان إرادة الحياة والرغبة في إنهائها، نتيجة لذلك، يُعتبر الأسر أحد أصعب التجارب الإنسانية، بحسب ذات المصدر.

"تدمير الشعور"
يصف مركز ضحايا التعذيب "CVT"، الذي يعمل على معالجة آثار التعذيب لدى الأفراد وأسرهم ومجتمعاتهم وإنهاء هذه الجرائم في جميع أنحاء العالم، التعذيب بأنه التفكيك المتعمد والممنهج لهوية الشخص وإنسانيته، والغرض من ذلك هو تدمير الشعور بالمجتمع والقضاء على القادة وخلق مناخ من الخوف.

وتتعدد أنواع التعذيب التي تم توثيقها في سوريا والعديد من الأنظمة الأخرى ما بين الاعتداءات الجسدية، بما في ذلك الضرب، والوقوف القسري لفترات طويلة، والتعليق، والاختناق، والحرق، والصدمات الكهربائية، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، والتعرض للحرارة الشديدة أو البرودة.

وتضمنت هذه الأنواع التعذيب النفسي، بما في ذلك الإساءات اللفظية، والتهديدات ضد الأسرة والأصدقاء والأحباء، والاتهامات الكاذبة، والاختيارات القسرية، والإعدامات الوهمية والحقيقية، والإجبار على مشاهدة التعذيب والتشويه وقتل الآخرين.

ومن أنواع التعذيب أيضا الحرمان من الظروف الإنسانية، بما في ذلك الحرمان من الطعام والماء، والاحتجاز في عزلة، وتقييد الحركة، وتعصيب العينين، والحرمان من النوم، وحجب الرعاية الطبية، والإفراط في التحفيز الحسي، بما في ذلك التعرض للضوضاء المستمرة والصراخ والأصوات والأضواء القوية والابتلاع القسري للمخدرات.

وتشمل الآثار الجسدية طويلة الأمد للتعذيب الندوب والصداع وآلام الجهاز العضلي الهيكلي وآلام القدم وفقدان السمع وآلام الأسنان ومشاكل الرؤية وآلام البطن ومشاكل القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والصعوبات الجنسية والضرر العصبي.

والآثار النفسية طويلة الأمد تتلخص في صعوبة التركيز والكوابيس والأرق وفقدان الذاكرة والتعب والقلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

وبحسب المركز وعمله مع ضحايا التعذيب، يمكن أن يكون التعذيب النفسي أكثر ضررًا ويسبب أضرارًا أكثر شدة وطويلة الأمد من الألم الناتج عن التعذيب الجسدي، ووجدت إحدى الدراسات أن المعاملة المهينة والتلاعب النفسي يسببان نفس القدر من المعاناة العاطفية والضرر طويل الأمد للصحة العقلية مثل التعذيب الجسدي.

وأوضح المركز نقلا عن عدد من الناجين الذين تقدموا إليه خلال السنوات الماضية أن عمليات الإعدام الوهمية جعلت الضحايا يشعرون بأنهم ماتوا بالفعل، ويعيش الناجون هذه التجارب التي كادت أن تودي بحياتهم في كوابيسهم أو ذكريات الماضي، وأنهم في بعض الحالات توسلوا إلى جلاديهم لقتلهم، مفضلين الموت الحقيقي على التهديد المستمر والألم الذي لا يطاق الذي يسببه.

يؤدي الإذلال الجنسي، الذي يمارس بشكل واسع من كل الأنظمة القمعية عبر التاريخ، إلى ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب الشديد؛ وغالبًا ما يعاني الضحايا من ذكريات الماضي أو الكوابيس حول تجاربهم؛ ويشعر الضحايا من الذكور والإناث بالخزي والحزن والخوف.

ويخلق التعري القسري فارقًا في القوة، ويجرد الضحايا من هوياتهم، ويؤدي إلى الشعور بالخزي الفوري ويخلق بيئة حيث يكون التهديد بالاعتداء الجنسي والجسدي حاضرًا دائمًا، وبهذا تقول النساء إن الإذلال الجنسي مخزٍ للغاية، ولا يمكنهن الاعتراف به لمجتمعاتهن أو أسرهن دون خوف من الرفض.

العزل الانفرادي
وأكد المركز أن الحرمان الحسي يشكل الحبس الانفرادي، ويمكن أن يكون لجميع أشكاله عواقب نفسية عميقة وطويلة الأمد، وتشمل الاكتئاب والقلق وصعوبة التركيز والذاكرة وفرط الحساسية للمثيرات الخارجية والهلوسة وتشوهات الإدراك والجنون ومشاكل التحكم في الدوافع.

وفقًا لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، عالج مركز برلين سجناء سياسيين سابقين من ألمانيا الشرقية تعرضوا لعزلة مطولة، سواء الحبس الانفرادي أو الحرمان الحسي، وقد أفادوا باستجوابات استمرت لأيام إلى جانب تكتيكات أخرى مربكة والحرمان من النوم. 

وفي تقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وصف السجناء حالات ذهانية وفقدان الثقة في تصوراتهم الخاصة وضعف شديد في الأداء الإدراكي، كما أن ضعف الإدراك هو التأثير النفسي السلبي الأساسي، وإن لم يكن الوحيد، للحرمان من النوم.

ويشير التقرير إلى أن الأفراد الذين يُحرمون من النوم قد يعانون من تباطؤ في وقت الاستجابة ونقص في الانتباه، وقد يعانون من مشاكل في الذاكرة والكلام أو في طرق التفكير، والتي قد تصبح مفرطة المثابرة أو غير مرنة، ولا يتطلب الأمر سوى ليلة واحدة من الحرمان من النوم أو بضع ليالٍ من النوم المقيد بخمس ساعات حتى يعاني بعض الأفراد من هذه الأعراض.