نشرت صحيفة "لاديباش" الفرنسية حوارا أجرته مع ماتيو غيدار، أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة تولوز، حول ظاهرة
استقطاب تنظيم الدولة للعائلات الفرنسية، وعجز الدولة عن التصدي للراغبين في الالتحاق بهذا التنظيم.
وقال ماتيو غيدار في الحوار الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن الظاهرة الجديدة بعد موجة هجرة الشباب لمناطق القتال في
سوريا والعراق، هي هجرة عائلات بأكملها من
فرنسا للالتحاق بتنظيم الدولة، حيث إن السلطات الفرنسية لاحظت في الأشهر الأخيرة تزايدا ملحوظا في عدد العائلات التي رحلت بأكملها، وهي في غالبها عائلات اعتنقت الإسلام مؤخرا.
وأضاف أن تنظيم الدولة يقوم بحملة دعاية ضخمة ومؤثرة عبر
شبكات التواصل الاجتماعي لاستقطاب هذه الفئة، ليس للمشاركة في أعمال القتال كما هو الحال مع الرجال المنفردين، بل للقيام بمهام أخرى، أو لمجرد الرغبة في العيش في "ظل هذه
الدولة الإسلامية"، كما هو الحال مع ظاهرة "العليا" لدى اليهود، وهي الهجرة من كافة أنحاء العالم للعيش في الدولة اليهودية، وهي التي تقابلها في الإسلام كلمة "الهجرة".
وأشار غيدار إلى أن تنظيم الدولة يركز في دعايته على أن "السفر للالتحاق بصفوفه يشبه هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة؛ هربا من المضايقات، ولممارسة شعائره الدينية في كنف الحرية، لذلك فإنه يجب أيضا على المسلمين الذين يعيشون في أوروبا أن يغادروها نحو دولة تعترف بهم، وتشجعهم على التدين".
وفي السياق ذاته؛ أكد أن هذا التنظيم لا يكتفي بإثارة العواطف الدينية لدى العائلات المستهدفة، بل إنه "يوهمهم" بأنهم ما إن يصلوا إلى المناطق الخاضعة لحكمه؛ حتى يحصلوا على منزل مجاني ومنحة شهرية، إلى حين الحصول على عمل. ويعرض التنظيم ومضات إشهارية تعرض الحياة الهانئة في الأحياء الجميلة الهادئة، في حين أن هذه المناطق هي في الواقع مناطق قتال تدور فيها معارك محتدمة، والمدنيون فيها معرضون لمخاطر عديدة؛ أولها "العقوبات القاسية التي يسلطها التنظيم على كل من يخالف التعليمات".
وأضاف أن عددا كبيرا من "ضحايا" هذه الدعاية؛ نجحوا في مغادرة مناطق الدولة بعد أن صدموا بواقع الأمور، ولكن حملة الإغراء هذه لا تزال تؤتي ثمارها، والدليل على ذلك أن الإحصائيات تشير لأول مرة هذه السنة، إلى أن عدد النساء الملتحقات بصفوف التنظيم فاق عدد الرجال، حيث بلغت نسبتهن 55 بالمئة، ويعتمد التنظيم على هذه العائلات لإعادة تعمير المناطق التي سيطر عليها ورحل سكانها، لتبدو الحياة فيها طبيعية وجذابة.
وقال غيدار إن "الأوهام التي تبثها الحملات الدعائية سرعان ما تتبخر، حيث إن هذه العائلات منذ لحظة وصولها؛ تفقد حريتها تماما، وتصبح في حالة تبعية مطلقة للتنظيم، ويتم وضع الأطفال في مدارس دينية يتلقون فيها تعليمهم على يد أشخاص متشددين، كما أن المرأة يمكن أن تتعرض للجلد بسبب خطأ صغير أو سهو في طريقة ارتداء النقاب، ويتم التدخل في كافة تفاصيل الإنسان وحياته الشخصية؛ لأن عناصر التنظيم يقومون بتأويل الإسلام بطريقة متشددة".
وتابع بأنه "عندما يكتشف هؤلاء المهاجرون صعوبة الوضع وخطورته؛ فإنه غالبا ما يكون الوقت متأخرا، حيث يصعب عليهم المغادرة بدون الحصول على حجة مقنعة".
وأشار إلى أن الحكومة الفرنسية تبدو عاجزة عن القيام بشيء حيال ظاهرة هجرة العائلات والأفراد للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة، مؤكدا أن القانون الجديد الذي صدر "يمنع الفرنسيين من الذهاب لمناطق القتال في العالم، ولكن لا يبدو أن أحدا يكترث لذلك".
وزاد أنه "تتم ملاحقة هذه العائلات الملتحقة بالتنظيم عادة بتهمة الإضرار بالغير، حيث إنهم يعرّضون حياة أبنائهم للخطر، كما أنهم يحرمونهم من مواصلة دراستهم".
وأكد غيدار في الحوار الذي ترجمته "
عربي21" أن الحل الأنجع يتمثل في القيام بحملة "توعية" واسعة النطاق، تشارك فيها كل وسائل الإعلام؛ لإبراز حقيقة هذا التنظيم وطبيعة العيش تحت حكمه، مشيدا بقرار الحكومة غلق مواقع الإنترنت التي ينشط فيها التنظيم، واصفا إياه بـ"القرار الحكيم".
واستدرك بأن "الدعاية لا تزال تتدفق من الخارج، ولذلك فإنه يجب تنسيق الجهود الدولية بين كل الدول للتحكم في فضاء الإنترنت".
وفي الختام؛ فقد أشار ماتيو غيدار إلى أن الحل الجذري لإنهاء هذه الظاهرة يبقى إيجاد حل للأزمة السورية؛ "لأن الحرب التي تعصف بهذا البلد هي سبب الفوضى التي تشهدها المنطقة، وسبب تفاقم المشاكل الأمنية التي تواجهها الدولة العربية والدول الغربية".