تجنبت
الطاولة السداسية "تحالف الأمة" في تركيا، التطرق لقضايا جوهرية في مذكرة التفاهم على "
السياسات المشتركة"، بشأن السياسة الخارجية، ولكنها توافقت على خطوط عريضة بشأن العلاقة مع الغرب.
والاثنين، أعلن "تحالف الأمة"، عن مذكرة التفاهم بشأن "السياسات المشتركة"، والتي توضح خطط
المعارضة بعد فوزها بالانتخابات.
ماذا تضمنت المذكرة بشأن السياسة الخارجية؟
وتتكون المذكرة من تسعة عناوين رئيسية و75 عنوانا فرعيا، وتستعرض قضايا تتعلق بالقانون والقضاء، وإدارة البلاد ومكافحة الفساد والشفافية، والاقتصاد والابتكار، والتحول الرقمي، والسياسات الخارجية والدفاع والأمن والهجرة.
ولم تتطرق المعارضة التركية لقضايا بارزة في السياسة الخارجية، ولم تشرح خارطة الطريق بشأن الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية، وقضايا شرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا، والعلاقات مع دول الخليج إذا وصلت إلى السلطة.
وذكر "تحالف الأمة" أنه إذا وصل إلى السلطة، فسوف يعمل على إكمال عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وأن المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية التركية سيكون شعار مصطفى كمال أتاتورك "السلام في الداخل، السلام في العالم".
وأشارت الطاولة السداسية للمعارضة إلى أنها إذا وصلت إلى السلطة، فإن وزارة الخارجية سيتم "إعادة هيكلتها وفقا لظروف القرن الحادي والعشرين".
وجمدت مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 20 شباط/ فبراير 2019، وفي نهاية العام 2021 قرر مجلس الاتحاد الأوروبي أن تظل العملية مجمدة.
وقد فتحت مفاوضات الانضمام في عام 2005، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن فتح "16" فصلا من أصل "35" من فصول شروط الانضمام، وأغلق واحد مؤقتا.
وذكر "تحالف الأمة"، أنه سيعمل على استكمال عملية العضوية الكاملة في إطار الحوار والعدالة والمساواة، وفي المذكرة أكد على أنه سيعطي الأولوية لضمان تحرير التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي.
وبينما تمت الإشارة في مذكرة التفاهم إلى أنه سيتم حل الخلافات بين أنقرة وبروكسل بشأن تحديث الاتحاد الجمركي، نوهت إلى أنها ستعمل على مراجعة إعادة القبول لعام 2014، واتفاقية 18 أذار/ مارس 2016 (اتفاقية اللاجئين) مع تقاسم المسؤولية المشتركة والعبء بشأن طالبي اللجوء.
وتعهدت بالالتزام بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتنفيذ قراراتها، مع مواصلة إسهامات تركيا داخل الناتو، بما يتماشى مع حماية المصالح الوطنية.
وتعهد التحالف، بأنه "سيقود مبادرات متعددة الأوجه من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتعاون مع دول الجوار"، مع إصلاح العلاقات معها وتعزيز التعاون إلى مستوى أكثر تقدما، مع احترام استقلالية ووحدة أراضيها دون التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الانحياز لأي طرف.
وقالت مذكرة التفاهم: "سنحل القضايا العالقة بين تركيا واليونان من خلال الدبلوماسية والحوار والمفاوضات الموجهة نحو النتائج، على أساس القانون الدولي والإنصاف، دون المساس بالمصالح الوطنية لتركيا".
وتابعت: "يجب أن ينظر إلى بحر إيجه على أنه منطقة سلام وتعاون وحسن جوار.. ولن نسمح بأي تطور يمكن أن يضر بمناطقنا السيادية فيه".
وأشار التحالف إلى مشكلة قبرص باعتبارها "قضية وطنية" حيث يقول: "سنتابع أهداف حماية الحقوق المكتسبة لجمهورية شمال قبرص التركية والقبارصة الأتراك وضمان المساواة السياسية السيادية للمجتمعين من أجل إيجاد حل عادل ودائم لمشكلة قبرص".
وذكر التحالف أنه إذا وصل إلى السلطة، فسوف يضع العلاقات مع الولايات المتحدة على أساس مؤسسي، والدفع بعلاقة التحالف لتكون على أساس الثقة المتبادلة.
وأشارت الأحزاب الستة إلى أنها ستبذل جهدها لإعادة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة "أف35"، بعد إزالتها منه بسبب شراء نظام الدفاع الجوي الروسي "أس 400".
وقالت المذكرة: "سنواصل العلاقات مع الاتحاد الروسي، وتعزيزها بحوار متوازن وبناء على المستوى المؤسسي".
ونوهت إلى أنها ستعزز منظمة الدول التركية، وتحسين مكانة تركيا في المنظمات الدولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، و"التعاون الإسلامي"، ومجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية.
وحول القضية الفلسطينية، أشارت إلى أنها ستلتقي مع كافة الأطراف ذات الصلة، لإيجاد حل دائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار قرارات الأمم المتحدة وعلى أساس حل الدولتين، وأن تأخذ تركيا مكانتها على الطاولة بوصفها معول ثقة بشأن القضية الفلسطينية.
ولفتت إلى أنها ستطور العلاقات مع القارة الأفريقية، بطريقة متعددة الأوجه، تتجاوز فتح مكاتب تمثيلية، وستحول القمم التركية الأفريقية إلى عملية منتظمة.
وأكدت أنها ستبني "رؤيتها الآسيوية" على تعزيز العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، مع إثرائها من خلال آليات التعاون المتعددة، مضيفة: "سنقيم علاقاتنا مع منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا على أساس واقعي ومستدام".
الأحزاب الستة تجنبت المواجهة في السياسة الخارجية
الكاتب التركي سيدات إرغين، أشار إلى أن الأحزاب الستة تجنبت أسلوب المواجهة والتحدي في السياسة الخارجية، واعتمدت على لغة تعطي الأولوية للدبلوماسية في حل المشكلات.
ونوه في مقال على صحيفة "
حرييت"، إلى أنها لم تستبعد منظمة شنغهاي من منظورها، لكنها لا تنظر إليها كهدف استراتيجي.
ورأى أنه رغم وجود وجهات نظر متعددة الأوجه، لكن يمكن القول إن التوجه نحو الغرب يبرز باتجاه مهيمن في مذكرة المعارضة التركية، كما أعطت رسالة موجهة إلى الغرب أنها ستلتزم بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتنفيذ قراراتها.
وكان لافتا بحسب الكاتب إرغين، مسألة العودة إلى مشروع "أف35"، وهذا يعني اتخاذ خطوة بشأن "أس400"، ورغم ذلك لم يتم إدراج مسألة منظومة الدفاع الجوي الروسية والتعامل معها في المذكرة.
كما لم يتم ذكر العناوين الشائكة التي تؤثر سلبا على العلاقات مع الولايات المتحدة، مثل دعم الإدارة الأمريكية لوحدات حماية الشعب الكردية امتداد منظمة العمال الكردستاني في سوريا، وكذلك رعاية الولايات المتحدة لفتح الله غولن.
وبشأن الموقف من القضية القبرصية، أكدت المذكرة على إيجاد حل عادل ودائم، ومع ذلك في المرحلة التي وصلنا إليها اليوم كما يذكر الكاتب فإن جمهورية قبرص التركية وأنقرة يؤكدان على مبدأ "حل الدولتين"، وهو الذي لم تذكره الأحزاب الستة وعلى ما يبدو بأنه ليس ضمن أجندتها.
وحول العلاقة مع موسكو، لفت الكاتب إلى أن المعارضة تريد تعزيز العلاقات معها على المستوى المؤسسي بدلا من قناة تعمل مباشرة بين القادة كما يجري حاليا بين أردوغان ونظيره بوتين، لكن الوثيقة تركز على مسألة الطاقة وليس العلاقات الخارجية، حيث تسعى إلى تقليص اعتماد تركيا على روسيا في مسألة الغاز الطبيعي وأكدت أنها ستراجع تفاصيل العقد لمشروع محطة الطاقة النووية "أكويو".
وأوضح الكاتب أنه ليس من الصعب تخمين أن الزعيم الروسي بوتين قد أثار دهشته من التصريحات حول إعادة التفاوض على اتفاقيات الغاز الطبيعي ومراجعة اتفاقية أكويو.
ومن القضايا البارزة في مذكرة التفاهم هي القضية السورية، حيث تؤكد الأحزاب الستة على "بدء اتصال وحوار" مع إدارة دمشق، واللافت هنا بحسب الكاتب إرغين، أن عناوين التواصل تشمل كافة الشرائح المختلفة من الشعب السوري باستثناء "الجماعات الإرهابية"، وهذا يعني استبعاد وحدات حماية الشعب الكردية من قنوات الحوار، ومع ذلك تبقي الباب مفتوحا أمام الجماعات الكردية الأخرى في سوريا والتي لا ترتبط بمنظمة العمال الكردستاني.
عدم التطرق للحرب الأوكرانية
ورأى إرغين، بأن أكبر قصور في مذكرة المعارضة التركية يتعلق بعدم التطرق نهائيا للحرب الروسية على أوكرانيا، مضيفا: "سؤال يحتاج إلى توضيح.. لماذا لا يوجد موقف في مذكرة السياسات المشتركة بشأن حرب أوكرانيا، التي لا تزال أهم قضية في السياسة العالمية؟".
"حل الدولتين" لقبرص
السفير التركي السابق حسن قوقوش، ذكر في مقال أن السياسة الخارجية جرى تضمينها مع سياسات الدفاع والأمن والهجرة المكونة من 12 صفحة، وخصص لها فقط ثلاث صفحات من أصل 2400 في المذكرة.
وأضاف: "على الرغم من أنه من المفهوم إلى حد ما وضع السياسة الدفاعية والخارجية في نفس السلة، إلا أنني أخشى أن يتم التعامل مع ظاهرة الهجرة متعددة الأوجه، والتي لها طابع اجتماعي، جنبا إلى جنب مع الأمن، ما يفتح المجال لاستغلالها في المستقبل".
وأشار إلى أن المذكرة أدرجت القضية القبرصية على أنها وطنية، ولكن كان من المهم تجنب صياغات من المعارضة تضعف الجانب التركي على الطاولة في هذه المسألة، حيث تطرح الحكومة مسألة "حل الدولتين".
وتابع بأن المعارضة التركية في وثيقتها أيدت حل الدولتين غير الواقعي لمشكلة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية)، لكنها لم تذكر هذا الطرح نهائيا في سياق قبرص، وهذا يرضي الجانب اليوناني وقبرص اليونانية أكثر من غيرها.
وأوضح الدبلوماسي التركي أن المذكرة ذكرت أن التحالف سيبذل جهده للعودة إلى مشروع "أف35" في سياق العلاقات مع الولايات المتحدة، وتجاهلت الربط بين "أف35" و"أس400"، وأي تجاهل في ذلك يقلل فرص النجاح بالأمر.
تجاوز للقضايا الخارجية مع التركيز على العلاقة مع الغرب
الكاتب التركي محمد علي قولر في
مقال على صحيفة "جمهوريات" الموالية لحزب الشعب الجمهوري، قال إنه من الصعب جدا على ستة أحزاب سياسية متباينة ما بينها "الاتفاق" على القضايا، ولذلك تم تجاوز القضايا الخارجية مع استثناءين وهما مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع الناتو.
وأشار إلى أن هاتين المسألتين، يتفق عليهما أيضا تحالف الجمهور الحاكم، ولكن الاختلاف أن التحالف الحاكم من أجل التفاوض مع الغرب بشكل أفضل يحول وجهته باتجاه الشرق، على خلاف "تحالف الأمة" الذي لديه نظرة أقل بكثير بالنسبة للعلاقة مع الشرق.
وعلى سبيل المثال، يذكر الكاتب أن مذكرة التفاهم تذكر أنها ستقيم العلاقة مع منظمة شنغهاي للتعاون على أساس واقعي، وهي إشارة أيضا إلى أنها ترى بأن التقارب الحالي "غير واقعي".
ولفت إلى أن الاقتصاد العالمي يتحول من منطقة المحيط الأطلسي إلى آسيا والمحيط الهادي، والأمر يشمل أيضا الاتجاه السياسي، في ظل بناء عالم متعدد الأقطاب.
وحول إقامة علاقات مع الولايات المتحدة على أساس مؤسسي مع مبدأ "التساوي" و"الثقة المتبادلة"، رأى الكاتب بأن المشكلة بين البلدين لا تتعلق بـ"الثقة المتبادلة"، وهناك موقف أحادي الجانب في ظل الدعم الأمريكي للمنظمات الإرهابية ضد تركيا، ناهيك عن موقفها السلبي تجاه أنقرة في شرق المتوسط والشرق الأوسط والقوقاز، بالإضافة لفرض العقوبات العسكرية والاقتصادية.
وأوضح أن مشاكل تركيا مع الولايات المتحدة استراتيجية وحيوية; ولا تحل بالسعي إلى توافق الآراء، بل بالموقف الحازم.
المعارضة لم تذكر بعض القضايا الحاسمة.. تكرس التبعية بالسياسة الخارجية
الكاتب التركي فكرت أكفرت، في
مقال على "AYDINLIK" أشار إلى أن المعارضة لم تذكر في مذكرتها بأن "العمال الكردستاني" هو كيان انفصالي، وجرى ذكر جماعة "غولن" في ثلاثة أماكن بالمذكرة ولكن في إطار "حل المظالم بعد محاولة الانقلاب" فقط.
وتابع بأن المعارضة في مذكرتها لم تبد تصميمها على حماية حقوق ومصالح تركيا ولم يتم ذكر "الوطن الأزرق"، كما أنها لم تؤكد على مبدأ "حل الدولتين" بالقضية القبرصية، كما أنه لم يتم التأكيد على مكانة تركيا في العالم متعدد الأقطاب.
وأشار إلى أن المذكرة تتضمن الاعتماد الكامل على منظمة حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ونظام الأطلسي، ونقل صلاحيات القانون المحلي إلى الاتحاد الأوروبي، والالتزام بالتحالف مع الولايات المتحدة، والتخلي الضمني عن منظومة "أس400"، والتراجع في تعزيز العلاقات مع روسيا تحت اسم "التوازن".