سلطت الصحف الغربية الضوء على الاشتباكات المسلحة التي يشهدها
السودان بين
الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات
الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وصباح السبت، اندلعت مواجهات مسلحة بين القوات المسلحة و"الدعم السريع"، على خلفية تقديم الجيش مقترحا لدمج القوات التي يقودها "حميدتي" في صفوفه في غضون سنتين، فيما يسعى محمد حمدان دقلو إلى الاحتفاظ بقواته لمدة 10 سنوات.
وحذرت صحف غربية من خطورة تطور الاشتباكات في السودان وتحولها إلى حرب أهلية، في ظل استمرار القتال منذ صباح السبت، في حدث غير مسبوق في تاريخ البلاد.
"حرب شاملة"
وفي السياق، نشر موقع "
ميدل إيست آي" في لندن مقالا للباحثة في الشأن السوداني ويلو بيردج عن حال السودان وإن كان يتجه باتجاه
الحرب الشاملة.
وقالت إن النزاع الذي اندلع بين قوات الدعم السريع والقوات السودانية المسلحة غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث. فمن الناحية التاريخية، اتسمت أشكال النزاع، بأنها نابعة من محاولة جماعات أمنية وفاسدة باستغلال الجماعات الهامشية، بما فيها دار فور وجنوب كردفان والدولة المستقلة الآن، جنوب السودان. وظلت القوات السودانية منذ الاستقلال عام 1956 نفس القوات التي شكلها الحكم المصري والاستعمار البريطاني وتهيمن عليها طبقة ذات قاعدة اجتماعية ضيقة في شمال ووسط السودان الواقعة حول نهر النيل.
وفي مرات اندلع القتال في الخرطوم أثناء المحاولات الانقلابية التي علمت تاريخ السودان الماضي، إلا إن القتال لم يستمر إلا لفترة قصيرة. وكانت الانقلابات نتاج لكفاح سياسي وأيديولوجي داخل طبقة الضباط المعروفة في السودان.
ولم تشهد النزاعات هذه ما نراه اليوم من غارات وقصف على الخرطوم، والذي اندلع نهاية الأسبوع.
وحتى وقت قريب، لم تحاول الجماعات شبه القتالية مثل قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو حميدتي، الحصول على السلطة في الخرطوم. وعادة ما تتعامل معها القيادة العسكرية كجماعات وكيلة لها في الحروب الإقليمية. إلا أن نظام عمر البشير اعتمد كثيرا على جماعات مثل حميدتي بعد سيطرته على السلطة في عام 1989. وبعد تحول السودان عام 2011 من اقتصاد يعتمد على النفط، بسبب تراجع صادراته إلى اقتصاد يعتمد على الذهب، وهو ما نفع حميدتي الذي عمل على تحويل قوات الدعم السريع إلى جيش مرتزقة شبه مستقل، وأصبح ثريا من خلال تهريب الذهب من دار فور وإرسال المقاتلين للمشاركة في الحرب السعودية-الإماراتية باليمن.
واستعان البشير عام 2013 بحميدتي لقمع التظاهرات ضده، وقامت القوات بإنشاء قواعد كبيرة لها داخل الخرطوم. وقام حميدتي وبطريقة انتهازية بدعم الإطاحة بالبشير عام 2019. واليوم باتت القوات السودانية المسلحة تتعامل مع قوات الدعم السريع أنها "جماعة تمرد"، وعلى خلاف جماعات التمرد التقليدية، فقد كانت قوات الدعم السريع مكونا رئيسيا في البنية التحتية للأمن في الخرطوم نفسها. وهو ما يجعل النزاع اليوم مختلفا وخطيرا.
وتقول الباحثة إن واحدا من النذر التي عجلت بالنزاع الحالي هي الثقة المتزايدة لبقايا نظام البشير المرتبطة بالمؤتمر الوطني المنحل. وكان أعضاء الحزب يلتقون بشكل مفتوح رغم الحظر عليه بعد استيلاء العسكر على السلطة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. وعقدوا إفطارا رمضانيا مفتوحا للبشير في سجن كوبر المعتقل فيه الزعيم السابق وقيادات إسلامية أخرى، وكانوا يتحدثون عن قرب انقلاب. وبعد انفجار الأزمة تحدث حميدتي متهما علي كرتي، زعيم الحركة الإسلامية العائدة ووزير خارجية البشير السابق بأنه يريد جر البلاد إلى الحرب والعودة إلى الانقلاب، أي انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وليس من المحتمل انتصار حميدتي السريع على الجيش، لكنه يأمل في التخلص من البرهان المحاصر حتى يتمكن من التفاوض مع قادة الجيش الأقل ارتباطا بحزب المؤتمر الوطني.
وسيناريو كهذا صعب في ظل رؤية قيادة الجيش لزعيم محلي، لكنه سيكون من الناحية النظرية عودة للعملية الانتقالية لو توافقت المعارضة المدنية المنقسمة بين من يريد التعاون مع حميدتي أو عدم المغفرة له بسبب مجزرة الخرطوم.
ولا يوجد لقوات الدعم السريع كادر أيديولوجي أو قاعدة اجتماعية رغم محاولات حميدتي بناء واحدة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنها عقدت علاقات مع القوى الإقليمية وقدمت نفسها لقادة الأحزاب السياسية أنها القطاع الأمني الوحيد القادر على تأمين مصالحها.
وبالنسبة للرأي العام فإن انتصار البرهان أو حميدتي يعني استمرارا للسياسات التي حاولت ثورة 2018- 2019 القضاء عليها. والسيناريو الأسوأ هو حرب طويلة بين قوات الدعم السريع والجيش بدون منتصر وتقود إلى مستويات غير مسبوقة من عدم الاستقرار، إلا في حال توصل الوسطاء الإقليميون والدوليون لوقف الحرب.
"شبح الحرب الأهلية"
بدورها، نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين ديكلان والش وعبدي لطيف ضاهر قالا فيه إن السودان بات يعيش السيناريو الكابوس الذي كان يخشاه.
كانت الدولة تسير في طريق وعر منذ أربع سنوات حتى الآن، وهي تتشبث بشدة بحلم الثورة الشعبية لعام 2019، عندما أطاح المتظاهرون بديكتاتور قاسٍ وألهموا آمالا جميلة في الديمقراطية.
لكن اثنين من الجنرالات المتعطشين للسلطة ما زالا يهيمنان على السودان. وعندما انهارت علاقتهما إلى أعمال عنف في نهاية هذا الأسبوع، أدى ذلك إلى انحدار شديد بدا وكأنه وصول إلى أسوأ مخاوف الكثير من الناس.
امتد القتال إلى أركان البلاد الأربع، حيث تقاتل الجيش مع وحدة شبه عسكرية تعرف باسم قوات الدعم السريع للسيطرة على المطارات والقواعد العسكرية. حتى إن إحدى الفصائل أسرت واحتجزت جنودا مصريين، إلى جانب سبع طائرات حربية مصرية، مهددة بجر جار قوي في القتال وإثارة شبح اندلاع حريق إقليمي.
امتد القتال أيضا إلى عمق دارفور، المنطقة التي تبلغ مساحتها مساحة إسبانيا والتي عانت منذ 20 عاما من دوامة العنف الخاصة بها.
بالنسبة لبلد بدأ مؤخرا فقط بالخروج من العزلة الدولية، فإن الفوضى هي ضربة مدمرة. مع اقتراب السودان من الديمقراطية، ألغت الولايات المتحدة تصنيفها كدولة راعية للإرهاب. ووُعدت بالمساعدات الدولية، وأدت التحركات الروسية لتأسيس موطئ قدم هناك إلى زيادة قيمتها الجيوستراتيجية.
كان من المفترض أن يدخل السودان حقبة جديدة بالغة الأهمية هذا الشهر: العودة إلى الحكم المدني. وكان الجيش قد وعد الثلاثاء الماضي بتسليم السلطة في الذكرى الرابعة للإطاحة بالبشير. لكن هذا الانتقال اعتمد على إبقاء الجنرالين اللذين يديران البلاد - قائد الجيش اللواء عبد الفتاح البرهان، ونائبه، قائد القوات شبه العسكرية اللواء محمد حمدان - خصومتهما المحتدمة تحت السيطرة.
وبدلا من ذلك، فقد بدأوا القتال، ما دفع ثالث أكبر دولة في أفريقيا إلى دوامة فوضوى يخشى الكثيرون أن تنتهي بحرب أهلية شاملة.
حتى الآن، تم تركيز انتباه العالم في الغالب على الخرطوم، حيث سمحت خدمة الإنترنت غير المنقطعة للسكان ببث مقتطفات من معارك الشوارع المخيفة التي تدور رحاها خارج أبواب منازلهم.
صعدت الدول الغربية والعربية القوية يوم الأحد، التي أذهلها اندلاع أعمال العنف المفاجئ في ساعة مبكرة من صباح السبت، جهودها لإقناع اللواء البرهان واللواء حمدان بوقف القتال.
بينما تبادلت القوات المتنافسة إطلاق النار والصواريخ في شوارع السودان، انخرط اللواء حمدان واللواء البرهان في هجمات لفظية شرسة على شاشات التلفزيون والإنترنت. ادعى كلا الرجلين أنهما ينتصران في القتال وأصدرا تهديدات حربية بدا أنها لم تترك مجالا كبيرا للتفاوض.
"المصالح الاقتصادية"
وعلقت مجلة "
إيكونوميست" في تقرير لها على أزمة السودان بأن الحرب المفتوحة في شوارع الخرطوم لم تكن وليدة اللحظة، فعلامات التحذير كانت واضحة ولم يكن من الصعب قراءتها، فعلى مدى الشهور الماضية، كان التوتر يتزايد بين أقوى رمزين في جيش الحكومة، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الزعيم الفعلي للبلاد منذ عام 2019، ومحمد حمدان دقلو، حميدتي، أمير الحرب. وهو زعيم قوات الردع السريع، القوة شبه العسكرية التي خرجت من جماعات الجنجويد المتهمة بأعمال إبادة وقتل واغتصاب في دارفور. وقد حذر الكثيرون من المواجهة الوشيكة بين قوات الدعم السريع والقوات السودانية المسلحة.
وتصاعدت الأزمة عندما استفاق سكان مروي، في شمال السودان في 13 نيسان/ إبريل ليشاهدوا مقاتلين من الردع السريع وهم يتخذون مواقع حول المطار وقاعدة للمقاتلات العسكرية، وردت القوات المسلحة على التحرك بمحاصرة قوات الدعم السريع وأمرت عناصرها بالمغادرة.
وبعد ذلك حذرت الحكومة من مواجهة محتومة بين الطرفين وحذر أيضا الممثلون الأمريكيون والاتحاد الأوروبي وعدد آخر من الحكومات الغربية من خطر المواجهة. وشهدت الساعات الـ24 محاولات دبلوماسية بين المعسكرين لمنع النزاع، ولكن السكان في العاصمة الخرطوم حضروا أنفسهم للأسوأ.
ولم تتأخر المواجهة، حيث اندلع القتال في صباح 15 نيسان/ إبريل وتبادل الطرفان الاتهامات حول من بدأ الحرب أولا. وبحسب الجيش الوطني، فقد شنت قوات حميدتي حرب تمرد ضد الدولة. وردت قوات الردع السريع بأن قوات الجيش قامت بحملة واسعة ضد عناصرها. ووصف حميدتي رئيسه بالمجرم الذي يجب تقديمه للعدالة أو الموت مثل الكلب، وزعم أنه المنتصر.
وبعد ساعات على الطلقة الأولى هدرت الدبابات في شوارع العاصمة وحلقت المقاتلات في أجوائها، ففي الوقت الذي قصفت فيه القوات الجوية قواعد الدعم السريع، فقد قام مقاتلوها بالهجوم على المطار الدولي، حيث أظهرت لقطات الفيديو التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي أعمدة الدخان تعلو من مدرجه، وتوسعت المواجهات حول القصر الرئاسي والتلفزيون الرسمي.
وأطلق جنود الطرفين الصواريخ على المناطق السكنية التي بحث سكانها عن ملاجئ. وقال مواطن في وسط الخرطوم في رسالة نصية: "نسمع طلقات مدفعية ثقيلة" و"الأصوات مخيفة".
وانتشر القتال حول البلاد مباشرة، حيث زعمت "الدعم السريع" سيطرتها على مطار مروي وقاعدة عسكرية في الأبيض بولاية كردفان ومواقع في دار فور، حيث قتل ثلاثة من عمال الإغاثة في الفاشر. وشوهدت عمليات نشر للقوات في مدينة القضارف في الشرق.
ولا أحد يعرف ما إذا كانت المناوشات ستكون محدودة أم إنها ستتحول إلى حرب شاملة، وقد قال الرجلان إنهما لن يوقفا القتال ويتفاوضا.
وتعلق المجلة بأن خلف المواجهات الأخيرة معركة على السلطة بين البرهان وحميدتي وبين مجموعة معقدة من الأحزاب السياسية والمليشيات والمتمردين وحتى القوى الأجنبية المتحالفة مع كل منهما. وفي قلب القتال، معركة حول من سيدير وجهة العملية الانتقالية السياسية التي بدأت قبل أربعة أعوام برحيل نظام عمر البشير الذي أجبرته ثورة شعبية استمرت أشهرا على التنحي عن السلطة. ولما شعر حلفاء البشير في الجيش بأن وقته قد انتهى، قاموا، ومنهم البرهان وحميدتي، بانقلاب أخرجه من السلطة.
ثم توافقت الأطراف المدنية والمتمردون والجيش على جدول للتحول الديمقراطي يقود إلى حكومة مدنية وانتخابية، لكن حكم فرق تسد الذي خلفه البشير ترك معه قنبلة موقوتة: وهي مجموعة متنوعة من المليشيات والجماعات المسلحة تتنافس على السلطة. وأقوى فصيل بينها هو قوات الدعم السريع التي أنشئت كمواز للجيش والمخابرات بقيادة مركزية وتمويل منفصل، ولم يخف الرجل الذي يقودها، حميدتي، طموحاته بقيادة البلد. ولم يخف البرهان طموحاته أيضا، فقد صعد إلى السلطة في عهد البشير وهو ينظر إلى نفسه كحارس لمصالح المؤسسة العسكرية، بما في ذلك الإمبراطورية التجارية الواسعة.
والمخاوف من انتشار القتال حول السودان كبيرة، فكلا من القوات المسلحة والدعم السريع لديهما شبكة رعاية قبلية وإثنية في البلاد. كما أن الإسلاميين حول البرهان متمكنون بشكل جيد في الجيش والاقتصاد. ويحظى الجنرال بدعم من الجارة مصر. وانتشرت أشرطة فيديو في بداية القتال عن اعتقال الدعم السريع جنودا وطيارين مصريين في مطار مروي.
وبالمقارنة، يحظى حميدتي بدعم من رئيس أريتريا، أسياس أفورقي المعروف بتدخله في شؤون جيرانه، كما أنه تقرب من السعودية والإمارات بعدما أرسل مقاتليه إلى الحرب في اليمن، ما يقترح أن الدعم السريع حصل على تسليح منهما.
ويسيطر الجيش الوطني على الأجواء وهذا يفسر تركيز جنود حميدتي على القواعد الجوية. وربما أنهى القتال عملية التحول الديمقراطية التي واجهت معوقات، وفي الوقت الذي يتقاتل فيه جيشان علق السودانيون العاديون في الوسط وباتوا في مرمى كل منهما. وقتل حوالي 27 مدنيا منذ بداية المواجهات وجرح أكثر من 400 شخص. وقال أحمد عصمت أحد قادة المحتجين في الخرطوم: "لا ندعم أيا منهما" و"أي حرب تعني نهاية الثورة".